آيات من القرآن الكريم

وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ

وختم الله تعالى هذه الوصايا العشر ببيان أنها منهاج الحق وطريق الاستقامة، فمن اتّبعها وفق ورشد، ومن أعرض عنها ضلّ وغوى، وحاد عن سبل الهداية وطريق الله المستقيم، وقد وصّاكم الله بهذا وأمركم لتحققوا تقوى الله، وتميزوا المنافع والمضارّ في الدين، وتحققوا الفضائل وتتركوا الرذائل. وبما أن المحرّمات الأوائل مخاطر لا يقع فيها عاقل ختمت الآية الأولى بالتعقل، وجاء بعد المحرّمات الأخر التي هي شهوات الأمر بالتذكر، وختمت الآيات بالتّقوى لأن امتثال الوصايا يتضمن فعل الفضائل، وتلك درجة التقوى.
خصائص التّوراة والقرآن
أخبر القرآن الكريم بكل حيدة وموضوعية عن خصائص التوراة والقرآن الكريم، والغاية المقصودة من إنزال كلّ منهما، وخصّص الله تعالى كلاما عن التوراة لاشتهارها عند مشركي العرب وسماعهم أخبارها، ثم ذكر الله تعالى مكانة القرآن العظيم وكونه كتاب هداية ورحمة للعالمين، قال الله سبحانه:
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٥٤ الى ١٥٧]
ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (١٥٤) وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٥٥) أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (١٥٦) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (١٥٧)
«١» [الأنعام: ٦/ ١٥٤- ١٥٧].

(١) أعرض عنها. [.....]

صفحة رقم 627

من المعلوم أن موسى عليه السّلام متقدّم في الزمان على محمد صلّى الله عليه وسلّم، فكتابه متقدّم وفيه تلاوة ما حرّم الله تعالى، فالتحريم والتحليل وبيان أحكام التشريع قديم في البشرية، والتوراة أشبه بالقرآن من الإنجيل والزّبور لاشتمالها كثيرا على الأحكام أو التكاليف الشرعية، لذا أمر الله نبيّه بأن يخبر المشركين بما أنزل الله على موسى عليه السّلام وإيتائه التوراة تماما للكرامة والنعمة على الذي أحسن في اتّباعه والاهتداء به وهو موسى ومن تبعه، كما قال تعالى: وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا [الأنبياء: ٢١/ ٧٣]. وفي التوراة تفصيل لكل شيء محتاج إليه من أحكام الشريعة: عبادتها ومعاملتها، وهدى لمن اهتدى به، ورحمة لمن تمسّك به، فينجيه من الضلالة، ليجعل قومه يؤمنون بلقاء ربّهم، أي لقاء ما وعدهم الله به من ثواب وعقاب في دار الكرامة والسّلام.
ثم وصف الله تعالى القرآن الكريم بقوله: وَهذا كِتابٌ.. أي وهذا القرآن كتاب عظيم الشأن، كثير الخير والنّفع في الدين والدنيا، ثابت لا ينسخ، جامع لأسباب الهداية الدائمة والنجاة والفلاح، فاتّبعوا أيها الناس ما جاء فيه، واتّقوا النار والجحود بما نهاكم عنه ومنعكم منه، لتظفروا برحمة الله الواسعة في الدنيا والآخرة.
لقد أنزلنا إليك القرآن أيها النّبي محمد، فيه إرشاد للتوحيد وتزكية النفوس وتطهيرها من لوثات الشّرك والفسوق، لئلا تقولوا معشر العرب يوم الحساب:
لو أنزل علينا مثل ما أنزل على اليهود والنصارى من قبلنا بغير لساننا، لكنّا أهدى منهم فيما أوتوه، لأننا أكثر وعيا وتفهّما وأعمق بصيرة وأشدّ عزيمة، وإبطالا لتلك التعللات ومحاولات التهرب من مسئولية العمل بشرع الله، فقد جاءكم على لسان رسولنا النّبي العربي محمد صلّى الله عليه وسلّم قرآن عظيم، فيه بيان للحلال والحرام، وهدى لما في القلوب، ورحمة من الله لعباده الذين يتبعونه، ويقتفون ما فيه، ففيه العقيدة والآداب والأحكام.

صفحة رقم 628

ثم أوضح الله تعالى سوء عاقبة من كذب بالقرآن، فذكر أنه لا أحد أظلم ممن كذّب بهذه الآيات البيّنات، بعد أن عرف صحتها وصدقها، وأعرض عنها، ومنع الناس عن التفكير فيها والإيمان بها، كما كان يفعل زعماء مكة، كما قال تعالى:
وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ [الأنعام: ٦/ ٢٦].
ثم هدّد الله وأوعد بالعقاب لكل معرض عن القرآن العظيم، فذكر أنه سبحانه سيجازي المعرضين الحائدين عن آيات الله أشدّ العذاب بسبب حجب عقولهم ونفوسهم وغيرهم عن هداية الله والإعراض عنها لأنهم يتحملون وزرهم ووزر من منعوهم عن الحق، وحالوا بينهم وبين هداية الله، والإيمان بما أنزل الله، كما جاء في آية أخرى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (٨٨) [النّحل: ١٦/ ٨٨].
أي زدناهم عذابا غير عذابهم، بسبب إفسادهم وصدّهم عن سبيل الحق. وبهذا يتبيّن أنه لا عذر لأحد في الجهل بما جاء عن الله من أحكام وشرائع، ففي القرآن بيان كاف من الله، وهدى للزائغين، ورحمة للمؤمنين. ومن اهتدى بهدي الله فاز ونجا، ومن استنكف خسر وهلك، ولا يضرنّ إلا نفسه، وسيجزي الله الشاكرين.
تهديد المعاندين وترغيب المحسنين
رسالة القرآن المجيد رسالة إصلاح وتغيير شامل للفرد والجماعة، تبدأ بالعقيدة فالعبادة فالمعاملة، وتنتهي بنظام المجتمع والأمة، وإذا أراد الناس بأنفسهم خيرا، استمعوا لتوجيهات الله تعالى في الحياة، وبما أن القرآن منبر تربية وتوجيه حكيم حذر من ترك الإيمان بالله تعالى ربّا واحدا لا شريك له، وحذّر من الفرقة

صفحة رقم 629
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية