آيات من القرآن الكريم

وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ

والمؤمنون أي أتممنا فضله عليهم بالكتاب، وقيل: الذي أحسن هو موسى فيكون الذي بمعنى ما أي على ما أحسن وتقديره وآتينا موسى الكتاب إتماما للنعمة عليه لإحسانه في الطاعة والعبادة وتبليغ الرسالة وأداء الأمر.
وقيل الإحسان بمعنى العلم وتقديره آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن موسى من العلم والحكمة زيادة له على ذلك وقيل معناه تماما مني على إحساني إلى موسى وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ يعني: وفيه بيان لكل شيء يحتاج إليه من شرائع الدين وأحكامه وَهُدىً يعني: وفيه هدى من الضلالة وَرَحْمَةً يعني: إنزاله عليهم رحمة مني عليهم لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ قال ابن عباس: لكي يؤمنوا بالبعث ويصدقوا بالثواب والعقاب.
[سورة الأنعام (٦): الآيات ١٥٥ الى ١٥٧]
وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٥٥) أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (١٥٦) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (١٥٧)
قوله عز وجل: وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ يعني: القرآن لأنه كثير الخير والنفع والبركة ولا يتطرق إليه نسخ فَاتَّبِعُوهُ يعني: فاعملوا بما فيه من الأوامر والنواهي والأحكام وَاتَّقُوا يعني مخالفته لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ يعني: ليكن الغرض بالتقوى رحمة الله وقيل معناه لكي ترحموا على جزاء التقوى أَنْ تَقُولُوا يعني لئلا تقولوا وقيل معناه كراهية أن تقولوا يعني أنزلنا إليكم الكتاب كراهية أن تقولوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ وقيل:
يجوز أن تكون أن متعلقة بما قبلها فيكون المعنى واتقوا أن تقولوا وهذا خطاب لأهل مكة والمعنى واتقوا يا أهل مكة أن تقولوا إنما أنزل الكتاب والكتاب اسم جنس لأن المراد به التوراة والإنجيل عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا يعني اليهود والنصارى وَإِنْ كُنَّا أي: وقد كنا وقيل وإنه كنا عَنْ دِراسَتِهِمْ يعني قراءتهم لَغافِلِينَ يعني:
لا علم لنا بما فيها لأنها ليست بلغتنا. والمراد بهذه الآية إثبات الحجة على أهل مكة وقطع عذرهم بإنزال القرآن على محمد ﷺ بلغتهم والمعنى: وأنزلنا القرآن بلغتهم لئلا يقولوا يوم القيامة إن التوراة والإنجيل أنزلا على طائفتين من قبلنا بلسانهم ولغتهم فلم نعرف ما فيهما فقطع الله عذرهم بإنزال القرآن عليهم بلغتهم أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ وذلك أن جماعة من الكفار قالوا لو أنزل علينا ما أنزله على اليهود والنصارى لكنّا خيرا منهم وأهدى وإنما قالوا ذلك لاعتمادهم على صحة عقولهم وجودة فطنهم وذهنهم قال الله عز وجل: فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وهو رحمة ونعمة أنعم الله بها عليكم فَمَنْ أَظْلَمُ أي لا أحد أظلم أو أكفر مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها يعني وأعرض عنها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ يعني أسوأ العذاب وأشده بِما كانُوا يَصْدِفُونَ أي ذلك العذاب جزاؤهم بسبب إعراضهم وتكذيبهم بآيات الله قوله تعالى:
[سورة الأنعام (٦): آية ١٥٨]
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٥٨)
هَلْ يَنْظُرُونَ يعني: هل ينتظر هؤلاء بعد تكذيبهم الرسل وإنكارهم القرآن وصدهم عن آيات الله وهو استفهام معناه النفي وتقديره الآية أنهم لا يؤمنون بك إلا إذا جاءتهم إحدى هذه الأمور الثلاث فإذا جاءتهم إحداها آمنوا وذلك حين لا ينفعهم إيمانهم إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ يعني: لقبض أرواحهم وقيل أن تأتيهم بالعذاب أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ يعني: للحكم وفصل القضاء بين الخلق يوم القيمة وقد تقدم الكلام في معنى الآية في

صفحة رقم 174

سورة البقرة عند قوله هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ بما فيه كفاية وإن المجيء والذهاب على الله لمحال فيجب إمرارها بلا تكييف أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ قال جمهور المفسرين: هو طلوع الشمس من مغربها، ويدل على ذلك ما روي عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال «ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض» أخرجه مسلم. عن أبي سعيد عن النبي ﷺ في قوله «أو يأتي بعض آيات ربك» قال: «طلوع الشمس من مغربها» أخرجه الترمذي وقال حديث غريب (م) عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال «من تاب قبل طلوع الشمس من مغربها تاب الله عليه» عن صفوان بن عسال المراد قال: قال رسول الله ﷺ «باب من قبل المغرب مسيرة عرضه أو قال يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين سنة خلقه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض مفتوحا للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
(ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا رآها الناس آمن من عليها» وفي رواية «فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا» (م) عن حذيفة بن أسد الغفاري قال اطلع رسول الله ﷺ علينا ونحن نتذاكر فقال ما تذكرون قلنا الساعة فقال «إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر: الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم وثلاث خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تطرد الناس إلى محشرهم» (م) عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال «بادروا بالأعمال قبل ست: طلوع الشمس من مغربها والدخان والدجال والدابة وخويصة أحدكم وأمر العامة» (م) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: حفظت من رسول الله ﷺ حديثا لم أنسه بعد سمعت رسول الله ﷺ يقول «إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى وأيهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها قريبا» وروى الطبري بسنده عن عبد الله بن مسعود في تفسير هذه الآية قال: «تصبحون والشمس والقمر من هاهنا من قبل المغرب كالبعيرين القرينين» زاد في رواية عنه «فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا» وبسنده عن أبي ذر قال: قال رسول الله ﷺ يوما «أتدرون أين تذهب هذه الشمس قالوا الله ورسوله أعلم قال إنها تذهب إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي من حيث جئت فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي فارجعي من حيث جئت فتصبح طالعة من مطلعها لا تنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي فتخر ساجدة في مستقرها تحت العرش فيقال لها اطلعي من مغربك فتصبح طالعة من مغربها» قال رسول الله ﷺ «أتدرون أي يوم ذلك أقالوا: الله ورسوله أعلم. قال ذلك يوم لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا».
وبسنده عن أبي ذر قال: كنت رديف النبي ﷺ ذات يوم على حمار «فنظر إلى الشمس حين غربت فقال إنها تغرب في عين حمئة تنطلق حتى تخر لربها ساجدة تحت العرش حتى يأذن لها فإذا أراد أن يطلعها من مغربها حبسها فتقول يا رب إن مسيري بعيد فيقول لها اطلعي من حيث غربت فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل» وروي بسنده عن ابن عباس قال: خرج رسول الله ﷺ عشية من العشيات فقال لهم «عباد الله توبوا إلى الله قبل أن يأتيكم بعذاب فإنكم توشكون أن تروا الشمس من قبل المغرب فإذا فعلت حبست التوبة وطوي العمل» فقال الناس: هل لذلك من آية يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن آية تلك الليلة أن تطول كقدر ثلاث ليال فيستيقظ الذين يخشون ربهم فيصلون له ثم يقضون صلاتهم والليل مكانه لم ينقص ثم يأتون مضاجعهم

صفحة رقم 175
لباب التأويل في معاني التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم بن عمر الشيحي
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1415
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية