آيات من القرآن الكريم

وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ۗ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ۖ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ
ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ

[سورة الأنعام (٦) : آية ١٢١]

وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (١٢١)
المقصد بهذه الآية النهي عن الميتة إذ هي جواب لقول المشركين تتركون ما قتل الله، والنهي أيضا عما ذبح للأنصاب، ومع ذلك فلفظها يعم ما تركت التسمية عليه من ذبح الإسلام، وبهذا العموم تعلق محمد بن سيرين وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة وعبد الله بن عمر ونافع وعبد الله بن يزيد الخطمي والشعبي وغيرهم فيما تركت التسمية عليه نسيانا أو عمدا لم يؤكل، وقالت طائفة عظيمة من أهل العلم:
يؤكل ما ذبح ولم يسم عليه نسيانا، ولا يؤكل ما لم يسم عليه عمدا، وهذا قول الجمهور، وحكى الزهراوي عن مالك بن أنس أنه قال: تؤكل الذبيحة التي تركت التسمية عليها عمدا أو نسيانا، وعن ربيعة أيضا قال عبد الوهاب: التسمية سنة فإذا تركها الذابح ناسيا أكلت الذبيحة في قول مالك وأصحابه، وإذا تركها عمدا فقال مالك لا تؤكل، فحمل بعض أصحابه قوله لا تؤكل على التحريم، وحمله بعضهم على الكراهة، وقال أشهب: تؤكل ذبيحة تارك التسمية عمدا إلا أن يكون مستخفا، وقال نحوه الطبري، وذبائح أهل الكتاب عند جمهور العلماء في حكم ما ذكر اسم الله عليه من حيث لهم دين وتشرع، وقال قوم نسخ من هذه الآية ذبائح أهل الكتاب، قاله عكرمة والحسن بن أبي الحسن، والضمير في إِنَّهُ من قوله: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ عائد على الأكل الذي تضمنه الفعل في قوله وَلا تَأْكُلُوا ويحتمل أن يعود على ترك الذكر الذي يتضمنه قوله لَمْ يُذْكَرِ، والفسق الخروج عن الطاعة، هذا عرفه في الشرع، وقوله تعالى: وَإِنَّ الشَّياطِينَ الآية، قال عكرمة عنى بالشياطين في هذه الآية مردة الإنس من مجوس فارس، وذلك أنهم كانوا يوالون قريشا على عداوة النبي ﷺ فخاطبوهم منبهين على الحجة التي ذكرناها في أمر الذبح من قولهم تأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون ما قتل الله، فذلك من مخاطبتهم هو الوحي الذي عنى، و «الأولياء» قريش، و «المجادلة» هي تلك الحجة، وقال ابن عباس وعبد الله بن كثير: بل الشَّياطِينَ الجن واللفظة على وجهها وكفرة الجن أولياء الكفرة قريش، ووحيهم إليهم كان بالوسوسة حتى ألهموهم لتلك الحجة أو على ألسنة الكهان، وقال أبو زميل: كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال إن إسحاق يعني المختار زعم أنه أوحي إليه الليلة. فقال ابن عباس صدق، فنفرت فقال ابن عباس: وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ ثم نهى الله عز وجل عن طاعتهم بلفظ يتضمن الوعيد وعرض أصعب مثال في أن يشبه المؤمن بمشرك، وحكى الطبري عن ابن عباس قولا: إن الذين جادلوا بتلك الحجة هم قوم من اليهود.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف لأن اليهود لا تأكل الميتة، أما أن ذلك يتجه منهم على جهة المغالطة كأنهم يحتجون عن العرب.
قوله عز وجل:
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٢٢ الى ١٢٣]
أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٢) وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ (١٢٣)

صفحة رقم 340

تقدم في هذه الآية السالفة ذكر قوم مؤمنين أمروا بترك الإثم وباطنه وغير ذلك، وذكر قوم كافرين يضلون بأهوائهم وغير ذلك، فمثل الله عز وجل في الطائفتين بأن شبه الذين آمنوا بعد كفرهم بأموات أحيوا، هذا معنى قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما، وشبه الكافرين وحيرة جهلهم بقوم في ظلمات يترددون فيها ولا يمكنهم الخروج منها ليبين عز وجل الفرق بين الطائفتين والبون بين المنزلتين.
وقرأ جمهور الناس «أو من» بفتح الواو فهي ألف استفهام دخلت على واو عطف جملة على جملة، ومَنْ بمعنى الذي، وقرأ طلحة بن مصرف: «أفمن» بالفاء، والمعنى قريب من معنى الواو، والفاء في قوله فَأَحْيَيْناهُ عاطفة، ونُوراً أمكن ما يعنى به الإيمان ويَمْشِي بِهِ يراد به جميع التصرف في الأفعال والأقوال، قال أبو علي: ويحتمل أن يراد النور الذي يؤتاه المؤمنون يوم القيامة، وفِي النَّاسِ متعلق ب يَمْشِي، ويصح أن يتعلق ب كانَ مَيْتاً وقوله تعالى: كَمَنْ مَثَلُهُ بمنزلة كمن هو، والكاف في قوله كَذلِكَ زُيِّنَ متعلقة بمحذوف يدل ظاهر الكلام عليه، تقديره وكما أحيينا المؤمنين وجعلنا لهم نورا كذلك زين للكافرين، ويحتمل أن يتعلق بقوله كَمَنْ مَثَلُهُ أي كهذه الحال هو التزيين، وقرأ نافع وحده «ميّتا» بكسر الياء وشدها، وقرأ الباقون «ميتا» بسكون الياء، قال أبو علي: التخفيف كالتشديد، والياء المحذوفة هي الثانية المنقلبة عن واو أعلت بالحذف كما أعلت بالقلب، وقالت طائفة إن هذه الألفاظ التي مثل بها وإن كانت تعم كل مؤمن وكل كافر فإنما نزلت في مخصوصين، فقال الضحاك: المؤمن الذي كان ميتا فأحيي عمر بن الخطاب، وحكى المهدوي عن بعضهم أنه حمزة بن عبد المطلب، وقال عكرمة:
عمار بن ياسر، وقال الزجاج: جاء في التفسير أنه يعني به النبي عليه السلام.
قال القاضي أبو محمد: واتفقوا على أن الذي في الظلمات أبو جهل بن هشام، إلى حاله وحال أمثاله هي الإشارة والتشبيه بقوله وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ وهذه الآية تتضمن إنذارا بفساد حال الكفرة المتقدم ذكرهم، لأنه مقتضى حال من تقدمهم من نظرائهم، وقال عكرمة: نزلت هذه الآية في المستهزئين.
قال القاضي أبو محمد: يعني أن التمثيل لهم، وجَعَلْنا في هذه الآية بمعنى صيرنا، فهي تتعدى إلى مفعولين الأول مُجْرِمِيها والثاني أَكابِرَ وفي الكلام على هذا تقديم وتأخير تقديره وكذلك جعلنا في كل قرية مجرميها أكابر، وقدم الأهم إذ لعلة كبرهم أجرموا، ويصح أن يكون المفعول الأول أَكابِرَ ومُجْرِمِيها مضاف والمفعول الثاني قوله فِي كُلِّ قَرْيَةٍ ولِيَمْكُرُوا نصب بلام الصيرورة، والأكابر جمع أكبر كما الأفاضل جمع أفضل، ويقال أكابرة كما يقال أحمر وأحامرة، ومنه قول الشاعر [الأعشى] :[الكامل]

إنّ الأحامرة الثّلاثة أتلفت مالي وكنت بهنّ قدما مولعا
يريد الخمر واللحم والزعفران، و «المكر» التخيل بالباطل والخديعة ونحوهما، وقوله وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ يريد لرجوع وبال ذلك عليهم، وَما يَشْعُرُونَ أي ما يعلمون، وهي لفظة مأخوذة من الشعار وهو الشيء الذي يلي البدن، فكأن الذي لا يشعر نفي عنه أن يعلم علم حس، وفي ذلك مبالغة في

صفحة رقم 341
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية