آيات من القرآن الكريم

لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ
ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ

قَوْله - تَعَالَى ٠: ﴿لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يدْرك الْأَبْصَار﴾ وَاسْتدلَّ بِهَذِهِ الْآيَة من يعْتَقد نفي الرُّؤْيَة، قَالُوا: لما (تمدح) بِأَنَّهُ لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار؛ فمدحه يكون على الْأَبَد فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. وَاعْلَم أَن الرُّؤْيَة حق على مَذْهَب أهل السّنة، وَقد ورد بِهِ الْقُرْآن وَالسّنة.
قَالَ الله - تَعَالَى -: ﴿وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة﴾ وَقَالَ: ﴿كلا إِنَّهُم عَن رَبهم يَوْمئِذٍ لمحجوبون﴾.
وَقَالَ: ﴿فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه﴾ وَنَحْو هَذَا، وروى جرير بن عبد الله البَجلِيّ، وَغَيره بروايات صَحِيحَة عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " إِنَّكُم سَتَرَوْنَ ربكُم كَمَا ترَوْنَ الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر لَيْسَ دونه سَحَاب، لَا تضَامون فِي رُؤْيَته " ويروون: " لَا تضَارونَ فِي رُؤْيَته ".
فَأَما قَوْله - تَعَالَى -: ﴿لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار﴾ فالإدراك غير الرُّؤْيَة؛ لِأَن الْإِدْرَاك: هُوَ الْوُقُوف على كنه الشَّيْء وَحَقِيقَته، والرؤية: هِيَ المعاينة، وَقد تكون الرُّؤْيَة بِلَا إِدْرَاك، قَالَ الله - تَعَالَى - فِي قصَّة مُوسَى: ﴿فَلَمَّا ترآء الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إِنَّا لمدركون قَالَ كلا﴾ فنفى الْإِدْرَاك مَعَ إِثْبَات الرُّؤْيَة، وَإِذا كَانَ الْإِدْرَاك غير الرُّؤْيَة، فَالله - تَعَالَى - يجوز أَن يرى، وَلَكِن لَا يدْرك كنهه؛ إِذْ لَا كنه لَهُ حَتَّى يدْرك؛ وَهَذَا

صفحة رقم 132

﴿الْأَبْصَار وَهُوَ اللَّطِيف الْخَبِير (١٠٣) قد جَاءَكُم بصائر من ربكُم فَمن أبْصر فلنفسه وَمن عمي فعلَيْهَا وَمَا أَنا عَلَيْكُم بحفيظ (١٠٤) وَكَذَلِكَ نصرف الْآيَات وليقولوا درست﴾ كَمَا انه يعلم وَيعرف وَلَا يحاط بِهِ، كَمَا قَالَ: ﴿وَلَا يحيطون بِهِ علما﴾ فنفى الْإِحَاطَة مَعَ ثُبُوت الْعلم، وَقَالَ ابْن عَبَّاس - حَكَاهُ مقَاتل عَنهُ، وَالْأول قَول الزّجاج -: معنى قَوْله: ﴿لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار﴾ يَعْنِي: فِي الدُّنْيَا، هُوَ يرى الْخلق، وَلَا يرَاهُ الْخلق فِي الدُّنْيَا بِدَلِيل قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة﴾ فَكَمَا أَثْبَتَت الرُّؤْيَة بِتِلْكَ الْآيَة فِي الْآخِرَة؛ دلّ أَن المُرَاد بِهَذِهِ الْآيَة الْإِدْرَاك فِي الدُّنْيَا؛ ليَكُون جمعا بَين الْآيَتَيْنِ ﴿وَهُوَ اللَّطِيف الْخَبِير﴾ اللَّطِيف: موصل الشَّيْء باللين والرفق، وَيُقَال فِي الدُّعَاء: " رب الطف بِي " أَي: أوصل إِلَيّ الرِّفْق، وَقيل: مَعْنَاهُ: وَهُوَ اللَّطِيف بأوليائه وعباده الْخَبِير بهم.

صفحة رقم 133
تفسير السمعاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار المروزي السمعاني الشافعي
تحقيق
ياسر بن إبراهيم
الناشر
دار الوطن، الرياض - السعودية
سنة النشر
1418 - 1997
الطبعة
الأولى، 1418ه- 1997م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية