آيات من القرآن الكريم

ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ
ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ

والأزهار المختلفة الأشكال والألوان والطعوم والروائح، وذلك من أجلّ أنواع النعم والإحسان، ومن أعظم الدلائل على كمال القدرة الإلهية، وحقا ما ختمت به الآيات: قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ آمنا بالله ربا، وعلمنا أنه الحق المبين، وفقهنا وأدركنا بإمعان عظمة هذا الإله وسعة علمه، وفضله وإحسانه ورحمته بالمخلوقات جميعا.
ويلاحظ أنه تعالى ذكر في هذا النوع أربعة أنواع من الأشجار: النخل والعنب والزيتون والرمان، وقدم الزرع على الشجر لأن الزرع غذاء، وثمار الأشجار فواكه، والغذاء مقدم على الفاكهة، وإنما قدم النخل على سائر الفواكه، لأن التمر غذاء العرب المهم، وذكر العنب عقب النخل لأنه أشرف أنواع الفواكه، للاستفادة منه بمجرد ظهوره حامضا ثم حصرما، ثم عنبا، ثم يدخر زبيبا سنة فأكثر ثم دبسا وخلا.
المزاعم المنسوبة إلى الله (الجن والولد والصاحبة) وكونه لا تدركه الأبصار
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٠٠ الى ١٠٣]
وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (١٠٠) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٠١) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٠٢) لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣)

صفحة رقم 312

الإعراب:
شُرَكاءَ الْجِنَّ شُرَكاءَ: منصوب لأنه مفعول أول. والْجِنَّ: مفعول ثان.
واللام في لِلَّهِ تتعلق بشركاء. ويجوز أن نجعل الْجِنَّ بدلا من شُرَكاءَ، واللام في لِلَّهِ تتعلق ب (جعل). أو قرئ الْجِنَّ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هم الجن.
المفردات اللغوية:
وَخَرَقُوا مثل اختلفوا، والخرق والاختلاق للكلام: ابتداع الكذب. وأما الخلق: فهو فعل الشيء بتدبير ورفق. وأما الإبداع فهو إنشاء الشيء بلا اقتداء بأحد، والبديع من أسمائه تعالى:
أي مبدع الأشياء ومحدثها على غير مثال سابق، ومنه البدعة في الدين لأنه لا نظير لها فيما سلف.
لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ أي لا تراه، والإدراك: اللحاق والوصول إلى الشيء، والبصر: حاسة الرؤية، اللَّطِيفُ الرفيق بعباده وأوليائه الْخَبِيرُ بشؤون خلقه.
المناسبة:
بعد أن ذكر تعالى البراهين الخمسة على ثبوت الألوهية، وكمال القدرة والرحمة، ذكر عقب ذلك أن من الناس من أثبت لله شركاء من عالم الجن، أو من اختراع نسل له من البنين والبنات.
التفسير والبيان:
هذه الآيات رد على مشركي العرب الذين عبدوا مع الله غيره، وأشركوا به في عبادته أن عبدوا الجن، فجعلوهم شركاء له في العبادة، وأما عبادتهم الأصنام فلم تكن إلا بطاعة الجن وأمرهم إياهم بذلك، كقوله تعالى: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً، وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً. لَعَنَهُ اللَّهُ، وَقالَ: لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً. وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ، وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ، وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ

صفحة رقم 313

خُسْراناً مُبِيناً، يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً
[النساء ٤/ ١١٧- ١٢٠].
ومعنى الآية: وجعل مشركو العرب شركاء من عالم الجن أطاعوهم فيما يأمرونهم به، والجن: هم الملائكة فقد عبدوهم، كما قال قتادة، أو الشياطين فقد أطاعوهم في الشرك والمعصية، كما قال الحسن البصري. وقال المجوس: إن للخير إلها وللشر إلها وهو إبليس، أي أنهم سموه ربا.
جعلوا لله الجن شركاء له حيث أطاعوهم في عبادة الأوثان، والحال أنه خلقهم أي خلق المشركين وغيرهم، فهو الخالق وحده لا شريك له، فكيف يكون المخلوقون شركاءه، وكيف يعبدون معه غيره؟ كقول إبراهيم: أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ، وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ [الصافات ٣٧/ ٩٥- ٩٦].
وخلاصة المعنى: أنه تعالى هو المستقل بالخلق وحده، فلهذا يجب أن يفرد بالعبادة وحده لا شريك له.
واختلقوا لله بجهلهم وحمقهم بنين وبنات، والمراد بقوله بِغَيْرِ عِلْمٍ: أنهم لا يعلمون حقيقة ما يقولون، ولكن جهلا بالله وبعظمته، فإن مشركي العرب سموا الملائكة بنات الله، وقالت اليهود: عزيز ابن الله، وقالت النصارى:
المسيح ابن الله.
سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ أي تقدس وتنزه وتعاظم الله عما يصفه هؤلاء الجهلة الضالون من الأولاد والأنداد والشركاء لأنه الخالق المدبر لها، وليس كمثله شيء.
والله مبدع السموات والأرض وخالقهما ومنشئهما ومحدثهما على غير مثال سبق، وكيف يكون له ولد، والحال أنه لم تكن له صاحبة؟ والولد إنما يكون متولدا بين شيئين متناسبين، والله تعالى لا يناسبه ولا يشابهه شيء من خلقه

صفحة رقم 314

لأنه خالق كل شيء، فلا صاحبة له ولا ولد، وهو مبدع الكائنات في السماء والأرض، ومتسبب في إيجاد الذرية من طريق التوالد والتناسل.
وقوله: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ أي أوجده ولم يلده ولادة، كما تزعمون، فما اخترعتم له من الولد، فهو مخلوق له لا مولود منه، فكيف يكون له صاحبة من خلقه تناسبه؟ وهو الذي لا نظير له. وهذه الجملة مؤكدة لما سبق من نفي الولد.
والله محيط علمه بكل الأشياء، وعلمه ذاتي له، ولا يعلم أحد مثل علمه، فلو كان له ولد لكان هو أعلم به، ولأرشد إليه، لكنه كذب وافتراء بلا دليل عقلي ولا وحي نقلي.
والخلاصة: نفى الله تعالى عن نفسه الولد لأنه مبدع السموات والأرض، وهي غير مولودة، ولأن الولد يأتي من ذكر وأنثى متجانسين، والله لا يجانسه ولا يماثله شيء، ولأن كل ما عدا الله لا يكافئه، فكيف يكون له ولد كفؤ له؟
وإذ ثبت أنه لا ولد له، فذلكم المتصف بما ذكر أيها المشركون هو الله ربّكم، الذي لا إله إلا هو، والذي خلق كل شيء، ولا ولد له ولا صاحبة، فما عليكم إلا أن تعبدوه وحده لا شريك له، وتقروا له بالوحدانية، وأنه لا إله إلا هو، وأنه لا ولد له ولا والد، ولا صاحبة له ولا نظير، وكل من عداه مخلوق له يجب أن يعبد خالقه.
وهو مع كل هاتيك الصفات حفيظ ورقيب على كل شيء، يدبر كل ما سواه، ويرزقهم ويكلؤهم بالليل والنهار.
أي لا حافظ إلا الله، ولا يقضي الحاجات إلا الله.
والله سبحانه لا تراه الأبصار رؤية إحاطة وشمول تعرف كنهه، كقوله:

صفحة رقم 315

يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ، وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ [البقرة ٢/ ٢٥٥]. وقال ابن عباس: لا تدركه الأبصار في الدنيا ويراه المؤمنون في الآخرة لإخبار الله بها في قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ [القيامة ٧٥/ ٢٢- ٢٣].
وهو تعالى يرى العيون الباصرة رؤية إدراك وإحاطة وشمول، فلا تخفى عليه طرفة عين، ولا يخفى عليه شيء إلا يراه ويعلمه، وإنما خص الْأَبْصارُ لتجنيس الكلام.
وهذه الآية إما مخصوصة بقوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ [القيامة ٧٥/ ٢٢- ٢٣] وبالحديث الآتي الدال على رؤية الله عز وجل.
أو يقال: إنه لا تنافي بين الآيتين لأن نفي إحاطة العلم لا يستلزم نفي أصل العلم، وكذلك نفي إدراك البصر للشيء والإحاطة به لا يستلزم نفي رؤيته مطلقا.
وقد ثبت في الصحيحين أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنكم سترون ربكم يوم القيامة، كما ترون القمر ليلة البدر، وكما ترون الشمس ليس دونها سحاب»
فالمؤمنون يرون ربهم، وأما الكافرون فلا يرونه لقوله تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين ٨٣/ ١٥]. والله تعالى اللطيف أي الرفيق بعباده، الخبير بهم المطلع على جميع أحوالهم.
فقه الحياة أو الأحكام:
نزلت الآية: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ في مشركي العرب، ومعنى إشراكهم بالجن أنهم أطاعوهم كطاعة الله عز وجل.
والآية توبيخ وتقريع ورد قاطع على المشركين الذين جعلوا الجن شركاء لله، ونسبوا لله البنين والبنات جهلا منهم بحقيقة الله. والمشركون أصناف:

صفحة رقم 316

١- عبدة الأصنام القائلون: الأصنام شركاء لله في العبودية، ولكن لا قدرة لها على الخلق والإيجاد والتكوين.
٢- عبدة الكواكب وكانوا في عهد إبراهيم عليه السلام، وهم يقولون: إن الله فوض لها تدبير العالم الأسفل.
٣- الثنوية أو المجوس القائلون بأن للعالم إلهين اثنين: أحدهما فاعل الخير، والثاني فاعل الشر.
والحق أن جميع المخلوقات محدثة مخلوقة، وكل محدث فله خالق وموجد، وما ذاك إلا الله سبحانه وتعالى.
والله تعالى مبدع السموات والأرض وخالقهما، فكيف يكون له ولد، والحال أنه لا صاحبة ولا زوجة له، فكيف يأتي الولد؟ وهو خالق كل شيء، وهو العليم بكل شيء، فكيف يتخذ الولد والصاحبة؟
والخالق المدبر وهو الله هو المستحق للعبادة، ولا يستحقها عاجز مخلوق.
ورؤية الله تعالى ثابتة للمؤمنين في عالم الآخرة، ولكن دون إحاطة ولا شمول ولا حصر ولا كيفية إذ لو لم يكن جائز الرؤية لما حصل المدح لعظمة الله بقوله: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ لأن المعدوم لا تصح رؤيته.
والخلاصة: أن الآيات لنفي الشرك والشركاء وإبطال مزاعم المشركين على مختلف طوائفهم، إذ لا حاجة لله للشريك والولد بأدلة كثيرة هي: كونه مبدع السموات والأرض، والإبداع تكوين الشيء من غير مثال سبق، ولا صاحبة له، وخالق كل شيء، ومحيط علمه بكل شيء، ولا تتمكن الأبصار من الإحاطة برؤيته لأنه سبحانه منزه عن سمات الحدوث، ومنها الإدراك بمعنى: الإحاطة والتحديد، كما تدرك سائر المخلوقات.

صفحة رقم 317
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية