آيات من القرآن الكريم

وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ ۖ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ
ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ

- ١٠٠ - وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ
هَذَا رَدٌّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ عَبَدُوا مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ وأشركوا به في عبادته أن عبدوا الجن فجعلوهم شركاء له فِي الْعِبَادَةِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ شِرْكِهِمْ وَكُفْرِهِمْ. فإن قيل: فكيف عبدت الجن مع أنهم إنما كانوا يعبدون الأصنام؟ فالجواب أنهم ما عبدوها إلاّ عن طاعة الجن وأمرهم إياهم بذلك، كقوله: ﴿إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً لَّعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ: لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذان الأنعام﴾ الآية، وكقوله تعالى: ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ من دوني﴾ الآية، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ: ﴿يَا أَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ للرحمن عصياً﴾، وكقوله: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ﴾ أَيْ وَقَدْ خَلَقَهُمْ فَهُوَ الْخَالِقُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فَكَيْفَ يُعْبَدُ مَعَهُ غَيْرُهُ؟ كقول إبراهيم: ﴿أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمُسْتَقِلُّ بِالْخَلْقِ وَحْدَهُ، فَلِهَذَا يَجِبُ أَنْ يُفْرَدَ بِالْعِبَادَةِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ يُنَبِّهُ بِهِ تَعَالَى عَلَى ضَلَالِ مَنْ ضَلَّ فِي وَصْفِهِ تَعَالَى بِأَنَّ لَهُ وَلَدًا، كَمَا يَزْعُمُ مَنْ قاله من اليهود في عزير، ومن قال من النصارى في عيسى، ومن قال من مشركي الْعَرَبِ فِي الْمَلَائِكَةِ إِنَّهَا بَنَاتُ اللَّهِ ﴿تَعَالَى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً﴾. ومعنى ﴿خرقوا﴾ أي اختلقوا واتفكوا وتخرصوا وكذبوا كما قال علماء السلف وقال ابن عباس ﴿وَخَرَقُواْ﴾ يعني تَخَرَّصُوا، وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنْهُ ﴿وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ قَالَ: جَعَلُوا لَهُ بَنِينَ وبنات، وقال مجاهد: كذبوا، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: وَضَعُوا، وَقَالَ السُّدِّيُّ: قَطَعُوا، قَالَ ابن جرير: وتأويله إِذًا: وَجَعَلُوا لِلَّهِ الْجِنَّ شُرَكَاءَ فِي عِبَادَتِهِمْ إياهم، وهو المتفرد بخلقهم بغير شريك ولا معين ولا ظهير، ﴿وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ بِحَقِيقَةِ مَا يقولون ولكن جهلاً بالله وبعظمته، فإنه لا ينبغي لمن كان إلهاً

صفحة رقم 603

أَنْ يَكُونَ لَهُ بَنُونَ وَبَنَاتٌ وَلَا صَاحِبَةٌ، وَلَا أَنْ يُشْرِكَهُ فِي خَلْقِهِ شَرِيكٌ، وَلِهَذَا قال: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ﴾ أَيْ تَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ وَتَعَاظَمَ عَمَّا يَصِفُهُ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ الضَّالُّونَ مِنَ الْأَوْلَادِ وَالْأَنْدَادِ وَالنُّظَرَاءِ وَالشُّرَكَاءِ.

صفحة رقم 604
مختصر تفسير ابن كثير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
الناشر
دار القرآن الكريم، بيروت - لبنان
سنة النشر
1402 - 1981
الطبعة
السابعة
عدد الأجزاء
3
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية