
سورة الحشر
«١» قوله جل ذكره: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».
«بِسْمِ اللَّهِ» اسم عزيز- الكون بجملته في طلبه.. وهو عزيز.
الشموس والأقمار والنجوم، والليل والنهار، وجميع ما خلق الله من الأعيان والآثار متنادية على أنفسها: نحن عبيده... نحن عبيد من لم يزل.. نريد من لم يزل.
قوله جل ذكره:
[سورة الحشر (٥٩) : آية ١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١)قدّس الله ونزّهه كلّ شىء خلقه فكلّ ما خلقه جعله على وحدانيته دليلا، ولمن أراد أن يعرف إلهيته طريقا وسبيلا.
أتقن «٢» كلّ شىء وذلك دليل علمه وحكمته، ورتّب كلّ شىء، وذلك شاهد على مشيئته وإرادته.
«وَهُوَ الْعَزِيزُ» فلا شبيه يساويه، ولا شريك له في الملك ينازعه ويضاهيه.
«الْحَكِيمُ» الحاكم الذي لا يوجد في حكمه عيب، ولا يتوجّه عليه عتب «٣».
قوله جل ذكره:
[سورة الحشر (٥٩) : آية ٢]
هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (٢)
هم أهل النضير، وكانوا قد عاهدوا النبيّ (ص) ألّا يكونوا عليه، ثم بعد أحد نقضوا
(٢) هكذا في ص وهي في م (أيقن) وهي خطأ في النسخ.
(٣) هكذا في ص وهي في م (عيب) وهي خطأ في النسخ.

العهد، وبايعوا أبا سفيان وأهل مكة، فأخبر الله تعالى رسوله بذلك، فبعث صلوات الله عليه إليهم محمد بن مسلمة، فأوهم أنه يشكو من الرسول في أخذ الصّدقة. وكان رئيسهم كعب ابن الأشرف فقتله محمد بن مسلمة (غيلة)، وغزاهم «١» رسول الله (ص) وأجلاهم عن حصونهم المنيعة وأخرجهم إلى الشام، وما كان المسلمون يتوقّعون الظّفر عليهم لكثرتهم، ولمنعة حصونهم.
وظلّوا يهدمون دورهم بأيديهم ينقبون ليخرجوا، ويقطعون أشجارهم ليسدوا النقب، فسمّوا أول الحشر، لأنهم أول من أخرج من جزيرة العرب وحشر إلى الشام.
قال جل ذكره: «فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ».
كيف نصر المسلمين- مع قلّتهم- عليهم- مع كثرتهم. وكيف لم تمنعهم حصونهم إذا كانت الدائرة عليهم. وإذا أراد الله قهر عدوّ استنوق «٢» أسده.
ومن مواضع العبرة في ذلك ما قاله: «ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا» بحيث داخلتكم الرّيبة فى ذلك لفرط قوّتهم- فصانهم بذلك عن الإعجاب.
ومن مواضع العبرة في ذلك أيضا ما قاله «وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ» فلم يكن كما ظنّوه- ومن تقوّ بمخلوق أسلمه ذلك إلى صغاره «٣» ومذلّته.
ومن الدلائل الناطقة ما ألقى في قلوبهم من الخوف والرّعب، ثم تخريبهم بيوتهم بأيديهم علامة ضعف أحوالهم، وبأيدى المؤمنين لقوة أحوالهم، فتمت لهم الغلبة عليهم والاستيلاء على ديارهم وإجلاؤهم.
هذا كلّه لا بدّ أن يحصل به الاعتبار- والاعتبار أحد قوانين الشّرع.
ومن لم يعتبر بغيره اعتبر به غيره.
(٢) الألف والسين والتاء فيها للصيرورة أي صار ناقة والمقصود: تخاذل المتجبر وصغر شأنه.
(٣) الصّغار- الرضى بالمذلة والهوان.