آيات من القرآن الكريم

هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ

قوله: ﴿مِنْ أَهْلِ الكتاب﴾ :«مِنْ» يجوزُ أَنْ تكونَ للبيانِ، فتتعلَّق بمحذوفٍ، أي: أعني من أهل الكتاب. والثاني: أنها حالٌ من «الذين كفروا».
قوله: ﴿مِن دِيَارِهِمْ﴾ متعلق ب «أَخْرَجَ» ومعناها ابتداءُ الغايةِ. وصَحَّتْ إضافةُ الديارِ إليهم لأنهم أَنْشَؤُوها.
قوله: ﴿لأَوَّلِ الحشر﴾ هذه/ اللامُ تتعلقُ ب «أَخْرَجَ» وهي لامُ التوقيتِ كقولِه: ﴿لِدُلُوكِ الشمس﴾ [الإسراء: ٧٨]، أي: عند أول الحشر. قال الزمخشري: «وهي اللامُ في قولِه تعالى: ﴿ياليتني قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾ [الفجر: ٢٤] وقولِك» جئتُ لوقْتِ كذا «. قلت: سيأتي الكلامُ على هذه اللامِ في الفجرِ، إنْ شاءَ الله تعالى.
قوله: ﴿مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم﴾ فيه وجهان، أحدهما: أَنْ يكونَ»
حصونُهم «مبتدأً، و» مانِعَتُهم «خبرٌ مقدمٌ. والجملةُ خبر» أنهم «لا يُقال: لم لا يُقال:» مانِعَتُهم «مبتدأٌ؛ لأنه معرفةٌ و» حصونُهم «خبرُه. ولا حاجةَ

صفحة رقم 277

لتقديمٍ ولا تأخيرٍ؛ لأنَّ القصدَ الإِخبارُ عن الحصون، ولأنَّ الإِضافةَ غيرُ مَحْضَةٍ، فهي نكرةٌ. والثاني: أَنْ يكونَ» مانِعَتُهم «خبرَ» أنهم «وحصونُهم» فاعلٌ به. نحو: إنَّ زيداً قائمٌ أبوه، وإنَّ عَمْراً قائمةٌ جاريتُه. وجعله الشيخ أَوْلى؛ لأنَّ في نحو: قائمٌ زيد على أَنْ يكونَ خبراً مقدماً ومبتدأً مؤخراً خلافاً والكوفيون يمنعونَه فمحلُّ الوِفاق أَوْلى.
وقال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: أيُّ فَرْقٍ بين قولِك» وظنُّوا أنَّ حصونَهم تمنعُهم، أو مانِعَتُهم، وبين النظم الذي جاء عليه؟ قلت: [في] تقديمِ الخبرِ على المبتدأ دليلٌ على فَرْطِ وُثوقِهم بحَصانتِها ومَنْعِها إياهم، وفي تصييرِ ضميرِهم اسماً ل «أنَّ» وإسناد الجملةِ إليه دليلٌ على اعتقادِهم في أنفسِهم أنَّهم في عِزَّةٍ ومَنَعَة لا يُبالى معها بأحد يَتَعرَّضُ لَهم، وليس ذلك في قولك «حُصُونهم تَمْنعهم» انتهى. وهذا الذي ذكره إنما يَتأتَّى على الإِعرابِ الأولِ، وقد تقدَّم أنه مَرْجوحٌ، وتَسَلَّطَ الظنُّ هنا على «أنَّ» المشددةِ، والقاعدةُ أنه لا يعملُ فيها ولا في المخففةِ منها إلاَّ فعلُ عِلْمٍ ويقينٍ، إجراءً له مُجْرى اليقين لشدَّتِه وقوتِه وأنَّه بمنزلةِ العلم.
قوله: ﴿يُخْرِبُونَ﴾ يجوزُ أَنْ يكونَ مستأنفاً للإِخبار به، وأن يكونَ حالاً مِنْ ضميرِ «قلوبِهم» وليس بذاك. وقرأ أبو عمرو «يُخَرِّبون»

صفحة رقم 278

بالتشديد وباقيهم بالتخفيفِ وهما بمعنى واحدٍ؛ لأن خرَّب عَدَّاه أبو عمروٍ بالتضعيف، وهم بالهمزة. وعن أبي عمروٍ أنه فَرَّق بمعنىً آخرَ فقال: «خرَّب بالتشديد: هَدَم وأَفْسد، وأَخْرَبَ بالهمزة: تَرَكَ الموضعَ خراباً وذهَب عنه. واختار الهذليُّ قراءةَ أبي عمروٍ لأجل التكثير. ويجوزُ أَنْ يكونَ» يُخْرِبون «تفسيراً للرعب فلا مَحَلَّ له أيضاً.

صفحة رقم 279
الدر المصون في علوم الكتاب المكنون
عرض الكتاب
المؤلف
أبو العباس، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين الحلبي
تحقيق
أحمد بن محمد الخراط
الناشر
دار القلم
عدد الأجزاء
11
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية