آيات من القرآن الكريم

لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
ﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑ ﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ

لننصرنّ يوم القيامة بأنفسنا وأموالنا وأولادنا فَيَحْلِفُونَ لله تعالى على أنهم مسلمون في الآخرة كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ في الدنيا على ذلك وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ من النفع، يعنى:
ليس العجب من حلفهم لكم، فإنكم بشر تخفى عليكم السرائر، وأن لهم نفعا في ذلك دفعا عن أرواحهم واستجرار فوائد دنيوية، وأنهم يفعلونه في دار لا يضطرون فيها إلى علم ما يوعدون، ولكن العجب من حلفهم لله عالم الغيب والشهادة مع عدم النفع والاضطرار إلى علم ما أنذرتهم الرسل، والمراد: وصفهم بالتوغل في نفاقهم ومرونهم عليه، وأن ذلك بعد موتهم وبعثهم باق فيهم لا يضمحل، كما قال وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وقد اختلف العلماء في كذبهم في الآخرة، والقرآن ناطق بثباته نطقا مكشوفا. كما ترى في هذه الآية وفي قوله تعالى وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ ونحو حسبانهم أنهم على شيء من النفع إذا حلفوا استنظارهم المؤمنين ليقتبسوا من نورهم، لحسبان أن الإيمان الظاهر مما ينفعهم. وقيل عند ذلك: يختم على أفواههم أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ يعنى أنهم الغاية التي لا مطمح وراءها في قول الكذب، حيث استوت حالهم فيه في الدنيا والآخرة اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ استولى عليهم. من حاذ الحمار العانة «١» إذا جمعها وساقها غالبا لها. ومنه: كان أحوذيا نسيج وحده، وهو أحد ما جاء على الأصل، نحو: استصوب واستنوق، أى: ملكهم الشَّيْطانُ لطاعتهم له في كل ما يريده منهم، حتى جعلهم رعيته وحزبه فَأَنْساهُمْ أن يذكروا الله أصلا لا بقلوبهم ولا بألسنتهم. قال أبو عبيدة: حزب الشيطان جنده.
[سورة المجادلة (٥٨) : آية ٢٠]
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (٢٠)
فِي الْأَذَلِّينَ في جملة من هو أذل خلق الله لا ترى أحدا أذل منهم.
[سورة المجادلة (٥٨) : آية ٢١]
كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١)
كَتَبَ اللَّهُ في اللوح لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي بالحجة والسيف. أو بأحدهما.
[سورة المجادلة (٥٨) : آية ٢٢]
لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٢٢)

(١). قوله «العانة» هي القطيع من حمر الوحش، كما في الصحاح. (ع)

صفحة رقم 496

لا تَجِدُ قَوْماً من باب التخييل. خيل أن من الممتنع المحال: أن تجد قوما مؤمنين يوالون المشركين، والغرض به أنه لا ينبغي أن يكون ذلك، وحقه أن يمتنع ولا يوجد بحال، مبالغة في النهى عنه والزجر عن ملابسته، والتوصية بالتصلب في مجانية أعداء الله ومباعدتهم والاحتراس من مخالطتهم ومعاشرتهم، وزاد ذلك تأكيدا وتشديدا بقوله وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ وبقوله أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وبمقابلة قوله أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ بقوله أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ فلا تجد شيئا أدخل في الإخلاص من موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه، بل هو الإخلاص بعينه كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ أثبته فيها بما وفقهم فيه وشرح له صدورهم وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ بلطف من عنده حييت به قلوبهم. ويجوز أن يكون الضمير للإيمان، أى: بروح من الإيمان، على أنه في نفسه روح لحياة القلوب به. وعن الثوري أنه قال: كانوا يرون أنها نزلت فيمن يصحب السلطان. وعن عبد العزيز بن أبى رواد: أنه لقيه المنصور في الطواف فلما عرفه هرب منه وتلاها. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقول: اللهم لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي نعمة، «١» فإنى وجدت فيما أوحيت إلىّ: لا تجد قوما. وروى أنها نزلت في أبى بكر رضى الله عنه، وذلك أنّ أبا قحافة سب رسول الله ﷺ فصكه صكة سقط منها، فقال له رسول الله «أو فعلته» ؟ قال: نعم، قال: «لا تعد» قال:
والله لو كان السيف قريبا منى لقتلته «٢». وقيل في أبى عبيدة بن الجراح: قتل أباه عبد الله الجراح يوم أحد، وفي أبى بكر: دعا ابنه يوم بدر إلى البراز، وقال لرسول الله: دعني أكرّ في الرعلة»
الأولى، قال: متعنا بنفسك يا أبا بكر، أما تعلم أنك عندي بمنزلة سمعي وبصرى «٤».
وفي مصعب بن عمير: قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أحد. وفي عمر: قتل خاله العاص بن هشام يوم بدر. وفي على وحمزة وعبيدة بن الحرث: قتلوا عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة يوم بدر.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة المجادلة كتب من حزب الله يوم القيامة» «٥»

(١). ذكره صاحب الفردوس من حديث معاذ. وأورده ابن مردويه من رواية جعفر الأحمر عن كثير بن عطية عن رجل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر ولا لفاسق.
(٢). نقله الثعلبي عن ابن جريج قال «حدثت أن أبا قحافة... فذكره.
(٣). قوله «دعني أكر في الرعلة»
هي القطعة من الخيل، كما في الصحاح. (ع)
(٤). هو في تفسير مقاتل بن حيان عن مرة الهمداني عن ابن مسعود، وذكره الثعلبي عن تفسير مقاتل.
(٥). أخرجه الثعلبي وابن مردويه والواحدي بأسانيدهم إلى أبى بن كعب رضى الله عنه.

صفحة رقم 497
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية