
الْجَرَّاحِ يَنْعَتُ لَهُ الْآلِهَةَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَجَعَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَحِيدُ عَنْهُ، فَلَمَّا أَكْثَرَ الْجَرَّاحُ قَصَدَهُ ابْنُهُ أَبُو عُبَيْدَةَ فَقَتَلَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ الْآيَةَ [الْمُجَادَلَةِ: ٢٢] (١)
ثُمَّ أَمَرَ تَعَالَى رَسُولَهُ أَنْ يَتَوَعَّدَ مَنْ آثَرَ (٢) أَهْلَهُ وَقَرَابَتَهُ وَعَشِيرَتَهُ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ، فَقَالَ: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا) أَيْ: اكْتَسَبْتُمُوهَا وَحَصَّلْتُمُوهَا (وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا) أَيْ: تُحِبُّونَهَا لِطِيبِهَا وَحُسْنِهَا، أَيْ: إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ (أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا) أَيْ: فَانْتَظِرُوا مَاذَا يَحِلُّ بِكُمْ مِنْ عِقَابِهِ وَنَكَالِهِ بِكُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: (حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (٣) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ". فَقَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ الْآنَ وَاللَّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "الْآنَ يَا عُمَرُ" (٤)
انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ (٥) الْبُخَارِيُّ، فَرَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِي عُقَيْلٍ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بهذا (٦)
وقد ثبت في الصحيح عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" (٧)
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ -وَاللَّفْظُ لَهُ -مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ بِأَذْنَابِ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ" (٨)
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ أَبِي جَنَابٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ أَنَّهُ سَمِعَ عبد الله ابن عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ ذَلِكَ (٩) وَهَذَا شَاهِدٌ لِلَّذِي قَبْلَهُ، والله أعلم.
(٢) في ت، د: "أحب".
(٣) في ت، ك: "النبي".
(٤) المسند (٤/٣٣٦).
(٥) في د: "انفرد به".
(٦) صحيح البخاري برقم (٦٦٣٢).
(٧) صحيح البخاري برقم (١٤) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٨) المسند (٢/٤٢) وسنن أبي داود برقم (٣٤٦٢).
(٩) المسند (٢/٨٤).

﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٢٢) ﴾
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْكُفَّارِ الْمُعَانِدِينَ الْمُحَادِّينَ (١) لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، يَعْنِي: الَّذِينَ هُمْ فِي حَدٍّ وَالشَّرْعُ فِي حَدٍّ، أَيْ: مُجَانِبُونَ لِلْحَقِّ مُشَاقُّونَ لَهُ، هُمْ فِي نَاحِيَةٍ وَالْهُدَى فِي نَاحِيَةٍ، ﴿أُولَئِكَ فِي الأذَلِّينَ﴾ أَيْ: فِي الْأَشْقِيَاءِ الْمُبْعَدِينَ الْمَطْرُودِينَ عَنِ الصَّوَابِ، الْأَذَلِّينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
﴿كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ أَيْ: قَدْ حَكَمَ وَكَتَبَ فِي كِتَابِهِ الْأَوَّلِ وقَدَره الَّذِي لَا يُخالَف وَلَا يُمانع، وَلَا يُبَدَّلُ، بِأَنَّ النُّصْرَةَ لَهُ وَلِكِتَابِهِ وَرُسُلِهِ وَعِبَادِهِ المؤمنين في الدنيا والآخرة، وأن العاقبة

لِلْمُتَّقِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ [غَافِرٍ: ٥١، ٥٢] وَقَالَ هَا هُنَا ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ أَيْ: كَتَبَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ أَنَّهُ الْغَالِبُ لِأَعْدَائِهِ. وَهَذَا قَدْرٌ مُحْكَمٌ وَأَمْرٌ مُبْرَمٌ، أَنَّ الْعَاقِبَةَ وَالنُّصْرَةَ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ أَيْ: لَا يُوَادُّونَ الْمُحَادِّينَ وَلَوْ كَانُوا مِنَ الْأَقْرَبِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ٢٨] الْآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التَّوْبَةِ: ٢٤]
وَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرُهُ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ إِلَى آخِرِهَا فِي أَبِي عُبَيْدَةَ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ، حِينَ قَتَلَ أَبَاهُ يَوْمَ بَدْرٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حِينَ جُعِلَ الْأَمْرُ شُورَى بَعْدَهُ فِي أُولَئِكَ السِّتَّةِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: "وَلَوْ كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ حَيًّا لَاسْتَخْلَفْتُهُ".
وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ﴾ نَزَلَتْ فِي أَبِي عُبَيْدَةَ قَتَلَ أَبَاهُ يَوْمَ بَدْرٍ ﴿أَوْ أَبْنَاءَهُمْ﴾ فِي (١) الصِّدِّيقِ، هَمَّ يَوْمَئِذٍ بِقَتْلِ ابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ﴿أَوْ إِخْوَانَهُمْ﴾ فِي مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَتَلَ أَخَاهُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَوْمَئِذٍ ﴿أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ فِي عُمَرَ، قَتَلَ قَرِيبًا لَهُ يَوْمَئِذٍ أَيْضًا، وَفِي حَمْزَةَ وَعَلِيٍّ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ، قَتَلُوا عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ وَالْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ يَوْمَئِذٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قُلْتُ: وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ حِينَ اسْتَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ، فَأَشَارَ الصِّدِّيقُ بِأَنْ يُفَادُوا، فَيَكُونُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ قُوَّةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَهُمْ. وَقَالَ عُمَرُ: لَا أَرَى مَا رَأَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ (٢) تُمَكِّنِّي مِنْ فُلَانٍ-قَرِيبٍ لِعُمَرَ-فَأَقْتُلَهُ، وَتُمَكِّنُ عَلَيًّا مِنْ عَقِيلٍ، وَتُمَكِّنُ فُلَانًا مِنْ فُلَانٍ، لِيَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَتْ (٣) فِي قُلُوبِنَا هَوَادَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ... الْقِصَّةَ بِكَامِلِهَا.
وَقَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ﴾ أَيْ: مَنِ اتَّصَفَ بِأَنَّهُ لَا يُوَادُّ مَنْ حَادَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانَ أَبَاهُ أَوْ أَخَاهُ، فَهَذَا مِمَّنْ كَتَبَ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانَ، أَيْ: كَتَبَ لَهُ السَّعَادَةَ وَقَرَّرَهَا فِي قلبه وزين الإيمان في بصيرته.
(٢) في م: "بل".
(٣) في م: "ليس".

وَقَالَ السُّدِّيُّ: ﴿كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ﴾ جَعَلَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ﴾ أَيْ: قَوَّاهُمْ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ كُلُّ هَذَا تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ.
وَفِي قَوْلِهِ: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ سِرٌّ بَدِيعٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا سَخِطُوا عَلَى الْقَرَائِبِ وَالْعَشَائِرِ فِي اللَّهِ عَوَّضَهُمُ اللَّهُ بِالرِّضَا عَنْهُمْ، وَأَرْضَاهُمْ عَنْهُ بِمَا أَعْطَاهُمْ مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَالْفَوْزِ الْعَظِيمِ، وَالْفَضْلِ الْعَمِيمِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ أَيْ: هَؤُلَاءِ حزبُ اللَّهِ، أَيْ: عِبَادُ اللَّهِ (١) وَأَهْلُ كَرَامَتِهِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ تَنْوِيهٌ بِفَلَاحِهِمْ وَسَعَادَتِهِمْ وَنَصْرِهِمْ (٢) فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فِي مُقَابَلَةِ مَا أَخْبَرَ عَنْ أُولَئِكَ بِأَنَّهُمْ حِزْبُ الشَّيْطَانِ. ثُمَّ قَالَ: ﴿أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾
وقد قال بن أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ حُمَيْدٍ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ عَنْبَسة، عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ-يُقَالُ (٣) هُوَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ سُلَيْمَانَ، انْقَطَعَ مِنْ كِتَابِي-عَنِ الذَيَّال بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: كَتَبَ أَبُو حَازِمٍ الْأَعْرَجُ إِلَى الزُّهْرِيِّ: اعْلَمْ أَنَّ الْجَاهَ جَاهَانَ، جَاهٌ يُجْرِيهِ اللَّهُ عَلَى أَيْدِي أَوْلِيَائِهِ لِأَوْلِيَائِهِ، وَأَنَّهُمُ الْخَامِلُ ذِكْرُهُمُ، الْخَفِيَّةُ شُخُوصُهُمْ، وَلَقَدْ جَاءَتْ صِفَتُهُمْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. "إن اللَّهَ يُحِبُّ الْأَخْفِيَاءَ الْأَتْقِيَاءَ الْأَبْرِيَاءَ، الَّذِينَ إِذَا غَابُوا لَمْ يُفتَقَدوا، وَإِذَا حَضَرُوا لَمْ يُدْعَوا، قُلُوبُهُمْ مَصَابِيحُ الْهُدَى، يَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ سَوْدَاءَ مُظْلِمَةٍ" (٤) فَهَؤُلَاءِ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ: ﴿أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
وَقَالَ نُعَيم بْنُ حَمّاد: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ، لَا تَجْعَلْ لِفَاجِرٍ وَلَا لِفَاسِقٍ عِنْدِي يَدًا وَلَا نِعْمَةً، فَإِنِّي وَجَدْتُ فِيمَا أَوْحَيْتَهُ إِلَيَّ: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ قَالَ سُفْيَانُ: يَرَوْنَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَنْ يُخَالِطُ السُّلْطَانَ. وَرَوَاهُ أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ.
(٢) في م: "ونصرتهم".
(٣) في م: "فقال".
(٤) الحديث أخرجه ابن ماجة في السنن برقم (٣٩٨٩) من طريق ابن لهيعة، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عمر مرفوعًا، وفيه ابن لهيعة وقد توبع، تابعه عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرحمن به، رواه الحاكم في المستدرك (٤/٣٢٨) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".