
وَقَالَ: لَوْ دَلَّيْتُمْ أَحَدَكُمْ بِحَبْلٍ إِلَى الْأَرْضِ السُّفْلَى السَّابِعَةِ لَهَبَطَ عَلَى اللَّهِ ثُمَّ قَرَأَ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ورواه ابن أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ آخِرَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ لَوْ دَلَّيْتُمْ بِحَبْلٍ وَإِنَّمَا قَالَ حَتَّى عَدَّ سَبْعَ أَرَضِينَ بَيْنَ كُلِّ أَرْضَيْنِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، ثُمَّ تَلَا هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. وَقَالَ الْبَزَّارُ: لَمْ يَرْوِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَبُو هُرَيْرَةَ.
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «١» عَنْ بِشْرٍ عَنْ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ. وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ إِذْ مر عَلَيْهِمْ سَحَابٌ فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا؟ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ مِثْلَ سِيَاقِ التِّرْمِذِيِّ سَوَاءً، إِلَّا أَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ وَفِي مَتْنِهِ غَرَابَةٌ وَنَكَارَةٌ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ [الطَّلَاقِ: ١٢] : حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ عن معمر عن قَتَادَةَ قَالَ: الْتَقَى أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ قَالَ أَحَدُهُمْ: أَرْسَلَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ مِنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَتَرَكْتُهُ ثَمَّ. قَالَ الْآخَرُ: أَرْسَلَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ وَتَرَكْتُهُ ثَمَّ. قَالَ الْآخَرُ: أَرْسَلَنِي رَبِّي مِنَ الْمَشْرِقِ وَتَرَكْتُهُ ثَمَّ. قَالَ الْآخَرُ: أَرْسَلَنِي رَبِّي مِنَ الْمَغْرِبِ وَتَرَكْتُهُ ثَمَّ. وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَقَدْ يَكُونُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ مَوْقُوفًا عَلَى قتادة كما روي هاهنا من قوله، والله أعلم.
[سورة الحديد (٥٧) : الآيات ٤ الى ٦]
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٥) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٦)
يخبر تعالى عن خلقه السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ أخبر تعالى بِاسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ بَعْدَ خَلْقِهِنَّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ وَأَشْبَاهِهَا فِي سُورَةِ الأعراف بما أغنى عن إعادته هاهنا.
وقوله تعالى: يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ أَيْ يَعْلَمُ عَدَدَ مَا يَدْخُلُ فِيهَا مِنْ حَبٍّ وَقَطْرٍ وَما يَخْرُجُ مِنْها من نبات وزرع وثمار كما قال تَعَالَى: وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ
(٢) تفسير الطبري ١٢/ ١٤٦.

[الأنعام: ٥٩].
وقوله تعالى: وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ أَيْ مِنَ الْأَمْطَارِ. وَالثُّلُوجِ وَالْبَرَدِ وَالْأَقْدَارِ. وَالْأَحْكَامِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَنَّهُ مَا يَنْزِلُ مِنْ قَطْرَةٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلَّا وَمَعَهَا مَلَكٌ يُقَرِّرُهَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَأْمُرُ اللَّهُ به حيث يشاء الله تعالى. وقوله تعالى، وَما يَعْرُجُ فِيها أَيْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَعْمَالِ كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ «يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ اللَّيْلِ» «١».
وقوله تَعَالَى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أَيْ رَقِيبٌ عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ عَلَى أعمالكم حيث كنتم وأين كنتم برا أو بحرا، فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فِي الْبُيُوتِ أَوِ الْقِفَارِ، الْجَمِيعُ فِي عِلْمِهِ عَلَى السَّوَاءِ وَتَحْتَ بَصَرِهِ وَسَمِعِهِ فَيَسْمَعُ كَلَامَكُمْ وَيَرَى مَكَانَكُمْ، وَيَعْلَمُ سركم ونجواكم كما قال تعالى: أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ [هُودٍ: ٥].
وَقَالَ تَعَالَى: سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ [الرَّعْدِ: ١٠] فَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم قَالَ لِجِبْرِيلَ لَمَّا سَأَلَهُ عَنِ الْإِحْسَانُ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» «٢» وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ حَدِيثِ نَصْرِ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ جُنَادَةَ بْنِ مَحْفُوظِ بْنِ عَلْقَمَةَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَخِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ قَالَ: قَالَ عُمَرَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم فقال زودني حكمة أَعِيشُ بِهَا فَقَالَ: «اسْتَحِ اللَّهَ كَمَا تَسْتَحِي رجلا من صالحي عَشِيرَتِكَ لَا يُفَارِقُكَ» هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْغَاضِرِيِّ مَرْفُوعًا «ثَلَاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ طعم الإيمان إن عَبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَأَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ فِي كُلِّ عَامٍ، وَلَمْ يُعْطِ الْهَرِمَةَ وَلَا الدَرِنَةَ «٣» وَلَا الشَّرَطَ اللَّئِيمَةَ وَلَا الْمَرِيضَةَ «٤»، وَلَكِنْ مِنْ أَوْسَطِ أَمْوَالِكُمْ وَزَكَّى نَفْسَهُ» وَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَزْكِيَةُ الْمَرْءِ نَفْسَهُ؟ فَقَالَ: «يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ مَعَهُ حَيْثُ كَانَ».
وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ دِينَارِ الْحِمْصِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ عُرْوَةُ بْنُ رُوَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَفْضَلَ الْإِيمَانِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ مَعَكَ حَيْثُمَا كُنْتَ» غَرِيبٌ، وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
(٢) أخرجه البخاري في الإيمان باب ١، ومسلم في الإيمان حديث ١، ٥، ٧، وأبو داود في السنة باب ١٦، والترمذي في الإيمان باب ٤، والنسائي في الإيمان باب ٥، ٦، وابن ماجة في المقدمة باب ٩، وأحمد في المسند ٢/ ١٠٧، ١٣٢.
(٣) الدرنة: الجرباء.
(٤) الشرط اللئيمة والمريضة: أي رذال المال.