آيات من القرآن الكريم

يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ

المحمدآبادي وحدّثنا أبو قلابة، حدّثنا يحيى بن أبي كثير، حدّثنا زائدة عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود قال: أول من أظهر الإسلام بسيفه النبي صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر رضي الله عنه. ولأنه أول من أنفق على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سبيل الله.
أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا أحمد بن إسحاق بن أيوب، أخبرنا محمد بن يونس، حدّثنا العلا بن عمرو الشيباني، حدّثنا أبو إسحاق الفزاري، حدّثنا سفيان بن سعيد عن آدم بن علي عن ابن عمر قال: كنت عند النبي صلّى الله عليه وسلّم وعنده أبو بكر الصديق وعليه عباءة قد خلّلها في صدره بخلال فقال: «أنفق ماله عليّ قبل الفتح».
قال: فإن الله عزّ وجل يقول: اقرأ عليه السلام وتقول له: أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟
فقال أبو بكر: أأسخط؟ إني عن ربي راض إني عن ربي راض.
ولهذا قدّمه الصحابة على أنفسهم وأقروا له بالتقدم والسّبق.
وأخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا أبو بكر بن إسحاق، أخبرنا محمد بن يونس عقبة بن سنان، حدّثنا أبو بشر، حدّثنا الهيصم بن شداخ عن الأعمش عن عمرو بن مرّة عن عبد الله بن سلمة عن علي رضي الله عنه قال: سبق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصلى أبو بكر وثلث عمر فلا أوتي برجل فضلني على أبي بكر وعمر إلّا جلدته جلد المفتري وطرح الشهادة!! «١».
وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ.
[سورة الحديد (٥٧) : الآيات ١٢ الى ١٦]
يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (١٣) يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (١٤) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٥) أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (١٦)
يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ على الصراط بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ.

(١) ضعف الحفاظ هذا الحديث لأن بعض الصحابة قالت بتفضيل علي رضي الله عنه على الخلفاء رضي الله عنهم الذين سبقوه على ما ذكره ابن عبد البر في الإستيعاب في ترجمة الإمام علي رضى الله عنه.

صفحة رقم 236

قال بعضهم: أراد جميع جوانبهم، فعبّر بالبعض عن الكل على مذهب العرب في الإيجاز، ومجازه: عن أيمانهم.
وقال الضحّاك: أراد يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ كتبهم.
وقرأ سهل بن سعد الساعدي: بِإِيْمانِهِمْ بكسر الهمزة، والقراءة الصحيحة ما عليه العامة، وأراد بالنور: القرآن.
قال عبد الله بن مسعود: يؤتون نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يأتي نوره كالنخلة ومنهم من يؤتي نوره كالرجل القائم وأدناهم نورا على إبهامه فيطفأ مرة ويقد مرة.
وقال قتادة: ذكر لنا أن نبي الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلى عدن أبين وصنعاء ودون ذلك، حتى إن من المؤمنين من لا يضيء نوره موضع قدميه، وتقول لهم الملائكة: بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» [٢١٨] «١».
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا قراءة العامة: موصولة أي انتظرونا.
وقرأ يحيى والأعمش وحمزة: (أَنْظِرُونا) بفتح الألف وكسر الظاء أي أمهلونا.
وقال الفراء: تقول العرب: أنظرني أي انتظرني، وأنشد في ذلك بيت عمرو بن كلثوم:

أبا هند فلا تعجل علينا وانظرنا نخبرك اليقينا «٢»
قال: يعني انتظرنا.
نَقْتَبِسْ نستضيء مِنْ نُورِكُمْ قال المفسرون: إذا كان يوم القيامة أعطى الله تعالى المؤمنين نورا على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط، وأعطى المنافقين الضالّين كذلك خديعة لهم وهو قوله عزّ وجل وَهُوَ خادِعُهُمْ
«٣».
وقال الكلبي: بل يستضيء المنافقون بنور المؤمنين ولا يعطون النور «٤».
قالوا فبينما هم يمشون إذ بعث الله تعالى ريحا وظلمة فأطفأ نور المنافقين، فذلك قوله عزّ وجل يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا مخافة أن يسلبوا نورهم كما سلب المنافقون، فإذا بقي المنافقون في الظلمة قالوا
(١) تفسير ابن كثير: ٤/ ٣٣٠.
(٢) شرح المعلقات السبع: ١١٧.
(٣) سورة النساء: ١٤٢.
(٤) التسهيل لعلوم التنزيل: ٤/ ٩٦.

صفحة رقم 237

للمؤمنين انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ من حيث جئتم فَالْتَمِسُوا فاطلبوا هناك لأنفسكم نُوراً فإنه لا سبيل لكم إلى الاقتباس من نورنا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ أي سور والباء صلة، عن الكسائي. وهو حاجز بين الجنة والنار لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ يعني الجنة وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ أي من قبل ذلك الظاهر الْعَذابُ وهو النار.
أخبرني ابن فنجويه، حدّثنا أحمد بن ماجة القزويني، حدّثنا محمد بن أيوب الرازي، حدّثنا موسى بن إسماعيل قال: وأخبرني ابن حمدان، حدّثنا ابن ماهان، حدّثنا موسى بن إسماعيل حماد عن أبي سنان قال: كنت مع علي بن عبد الله بن عباس عند وادي جهنم فحدّث عن أبيه وقرأ فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ الآية ثم قال: أي هذا موضع السور، يعني وادي جهنم.
وأخبرني ابن فنجويه، حدّثنا أحمد بن محمد بن إسحاق السني أخبرني أحمد بن عمير بن يوسف، حدّثنا عبد السلام بن عتيق، حدّثنا أبو مسهر، حدّثنا سعيد بن عبد العزيز عن عطية بن قيس حدّثني أبو العوام مؤذن أهل بيت المقدس عن عبد الله بن عمرو قال: إن السور الذي ذكر الله عزّ وجل في القرآن فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ سور مسجد بيت المقدس الشرقي باطنه من المسجد وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ الوادي: وادي جهنم.
وأخبرني ابن فنجويه، حدّثنا السني، حدّثنا أبو يعلي الموصلي حدّثنا أبو نصر التمار، حدّثنا سعيد بن عبد العزيز، عن زياد بن أبي سودة أن عبادة بن الصامت قام على سور بيت المقدس الشرقي فبكى. فقال بعضهم: ما يبكيك يا أبا الوليد؟ فقال: من هاهنا أخبرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه رأى جهنم.
وأخبرني عقيل أن أبا الفرج حدثهم عن محمد بن جرير حدّثني محمد بن عوف، حدّثنا أبو المغيرة، حدّثنا صفوان، حدّثنا شريح أن كعبا يقول في الباب الذي يسمى باب الرحمة في بيت المقدس أنه الباب الذي قال الله عزّ وجل فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ الآية.
يُنادُونَهُمْ يعني ينادي المنافقون المؤمنين حين حجز بينهم بالسور، فبقوا في الظلمة والعذاب، وصار المؤمنون في النور والرحمة أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ في الدنيا نصوم ونصلي ونناكحكم ونوارثكم؟ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أهلكتم أَنْفُسَكُمْ بالنفاق وَتَرَبَّصْتُمْ بالأيمان.
وقال مقاتل: بل تَرَبَّصْتُمْ بمحمد الموت وقلتم: يوشك أن يموت محمد فتستريح وَارْتَبْتُمْ شككتم في التوحيد والنبوة وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ للأباطيل.
وقال أبو بكر الورّاق: طول الأمل.

صفحة رقم 238

أخبرني الحسين، حدّثنا ابن حمدان، حدّثنا يوسف بن عبد الله، حدّثنا مسلم بن أدهم حدّثنا همام بن يحيى، حدّثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خط خطوطا وخط خطا منها ناحية فقال: «تدرون ما هذا؟ هذا مثل ابن آدم ومثل التمني، وذلك الخط الأمل بينما هو يتمنى إذ جاءه الموت» [٢١٩] «١».
وأخبرنا الحسين، حدّثنا الكندي، حدّثنا أبو عيسى حمزة بن الحسين بن عمر، حدّثنا يحيى بن عبد الباقي، حدّثنا عمرو بن عثمان، حدّثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن بلال بن سعد قال: ذكرك حسناتك ونسيانك سيئاتك غرّة.
حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ يعني الموت وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ أي الشيطان. وقرأ سماك بن حرب: بضم الغين يعني الأباطيل.
قال قتادة: كانوا على خدعة من الشيطان وما زالوا عليها حتى قذفهم الله في النار.
فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ بدل وعوض.
قراءة العامة يُؤْخَذُ بالياء.
وقرأ ابن عامر والحسن وأبو جعفر ويعقوب بالتاء واختاره أبو حاتم.
وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني المشركين مَأْواكُمُ النَّارُ أي صاحبتكم وأولى بكم وأحق بإن تكون مسكنا لكم.
قال لبيد:

فعذب كلا الفريقين بحسب أنه مولى المخافة خلقها وإمامها «٢»
وَبِئْسَ الْمَصِيرُ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا الآية. قال الكلبي ومقاتل: نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة، وذلك أنهم سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا: حدّثنا عمّا في التوراة فإن فيها العجائب، فنزلت الآية تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ إلى قوله نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ «٣» فخبّرهم بأن هذا القرآن أحسن من غيره وأنفع لهم، فكفّوا عن سؤال سلمان ما شاء الله ثم [عادوا] «٤» فسألوا سلمان عن مثل ذلك فنزلت اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ الآية «٥».
فكفّوا عن سؤال سلمان ما شاء الله ثم [عادوا] أيضا فسألوا فقالوا: حدّثنا عن التوراة فإن فيها العجائب، ونزلت هذه الآية.
(١) فتح الباري: ١١/ ٢٠٣، وتفسير القرطبي: ١٧/ ٢٤٧.
(٢) الصحاح: ٦/ ٢٥٢٩.
(٣) سورة يوسف: ٣.
(٤) في المخطوط: أعادوا.
(٥) سورة الزمر: ٢٣.

صفحة رقم 239

فعلى هذا القول يكون تأويل الآية أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا في العلانية واللسان.
وقال غيرهما: نزلت في المؤمنين.
قال عبد الله بن مسعود: ملّ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله لو حدّثتنا! فأنزل الله عزّ وجل اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ الآية.
فقالوا: يا رسول الله لو قصصت علينا! فأنزل الله عزّ وجل نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ الآية.
فقالوا: يا رسول الله لو ذكّرتنا ووعظتنا. فأنزل الله عزّ وجل هذه الآية.
وقال ابن مسعود: ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلّا أربع سنين، فجعل المؤمنون يعاتب بعضهم بعضا.
وقال ابن عباس: إن الله تعالى استبطأ قلوب المؤمنين، فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن، فقال أَلَمْ يَأْنِ يحن لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ ترق وتلين وتخضع قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ.
قرأ شيبة ونافع وعاصم برواية المفضل وحفص: خفيفة الزاي، غيرهم: مشددة.
مِنَ الْحَقِّ وهو القرآن، قال مجاهد: نزلت هذه الآية في المتعرّبين بعد الهجرة.
أخبرنا عبد الله بن حامد، حدّثنا محمد بن خالد، حدّثنا سليمان بن داود، حدّثنا عبد بن حميد، حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا الحسام بن المصك «١» عن الحسن عن شداد بن أوس قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أول ما يرفع من الناس الخشوع» [٢٢٠] «٢».
وَلا يَكُونُوا يعني وألّا يكونوا، محله نصب بالعطف على تَخْشَعَ قال الأخفش: وإن شئت جعلته نهيا فيكون مجازه: ولا يكونن، ودليل هذا التأويل رواية يونس عن يعقوب أنه قرأ:
(ولا تكونوا) بالتاء.
كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ وهم اليهود والنصارى. فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ الزمان والدهر والغاية بينهم وبين أنبيائهم فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ.
روى الأعمش عن عمارة بن عمير عن الربيع بن عميلة، حدّثنا عبد الله حدّثنا، ما سمعت «٣» حدّثنا هو أحسن منه إلّا كتاب الله عزّ وجل أو رواية عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أن بني إسرائيل لما

(١) في بعض كتب الرجال: حسام بن مصك، بحذف الألف واللام، أنظر تهذيب التهذيب: ٢/ ٢١٣ الرقم ٤٤٦. [.....]
(٢) مجمع الزوائد: ٢/ ١٣٦، والمعجم الكبير: ٧/ ٢٩٥.
(٣) كذا في المخطوط.

صفحة رقم 240

طال عليهم الأمد قست قلوبهم فاخترعوا كتابا من عند أنفسهم استهوته قلوبهم واستحلته أنفسهم، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم حتى نبذوا كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ، فقالوا: اعرضوا هذا الكتاب على بني إسرائيل فإن تابعوكم فأتركوهم، وإن خالفوكم فاقتلوهم، ثم قالوا: لا بل أرسلوا إلى فلان رجلا من علمائهم فاعرضوا عليه الكتاب فإن تابعكم فلن يخالفكم أحد بعده وإن خالفكم فاقتلوه فلن يختلف عليكم بعده أحد.
فأرسلوا إليه، فأخذ ورقة فكتب فيها كتاب الله عزّ وجل ثم جعلها في قرن ثم علّقها في عنقه، ثم لبس عليه الثياب، ثم أتاهم فعرضوا عليه الكتاب فقالوا: أتؤمن بهذا؟ فأومأ إلى صدره فقال: آمنت بهذا، ومالي لا أومن بهذا؟ يعني الكتاب الذي في القرن، فخلّوا سبيله.
وكان له أصحاب يغشونه، فلما مات نبشوه فوجدوا القرن ووجدوا فيه الكتاب، فقالوا:
ألا ترون قوله: آمنت بهذا، ومالي لا أومن بهذا؟ إنما عني هذا الكتاب؟ فاختلف بنو إسرائيل على بضع وسبعين ملة، وخير مللهم أصحاب ذي القرن.
قال عبد الله: وإن من بقي منكم سيرى منكرا، وبحسب أمرى يرى منكرا لا تستطيع أن يغيره أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره.
وقال مقاتل بن حيان: إنما يعني بذلك مؤمني أهل الكتاب قبل أن يبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ يعني خروج النبي صلّى الله عليه وسلّم فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ يعني الذين ابتدعوا الرهبانية أصحاب الصوامع، ثبتت طائفة منهم على دين عيسى حتى بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم وآمنوا به، ومنهم طائفة رجعت عن دينها وهم الذين فسّقهم «١» فكفروا بدين عيسى ولم يؤمنوا بمحمد (عليه السلام).
وقال محمد بن كعب: كانت الصحابة بمكة مجدبين، فلما هاجروا أصابوا الريف والنعمة ففتروا عمّا كانوا فيه، فقست قلوبهم، فينبغي للمؤمنين أن يزدادوا إيمانا ويقينا وإخلاصا في طول صحبة الكتاب.
أنبأني عبد الله بن حامد، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن العباس الضبّي، أخبرنا أبو جعفر محمد بن عبد الله النيّري، حدّثنا أبو سعيد الأشج، حدّثنا أبو خالد الأحمر، عن ابن عجلان، عن وائل بن بكر قال: قال عيسى (عليه السلام) :«لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب العباد كأنكم أرباب، وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد فإنما الناس رجلان مبتلى ومعافى، فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية» [٢٢١].

(١) كذا في المخطوط.

صفحة رقم 241
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية