
وقيل: مواقع النجوم: أوقات وقوع نجوم القرآن، أى: أوقات نزولها كريم حسن مرضى في جنسه من الكتب. أو نفاع جم المنافع. أو كريم على الله فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ مصون من غير المقربين من الملائكة، لا يطلع عليه من سواهم، وهم المطهرون من جميع الأدناس أدناس الذنوب وما سواها: إن جعلت الجملة صفه لكتاب مكنون وهو اللوح. وإن جعلتها صفة للقرآن، فالمعنى لا ينبغي أن يمسه إلا من هو على الطهارة من الناس، يعنى مس المكتوب منه. ومن الناس من حمله على القراءة أيضا، وعن ابن عمر أحب إلىّ أن لا يقرأ إلا وهو طاهر، وعن ابن عباس في رواية أنه كان يبيح القراءة للجنب، ونحوه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه» «١» أى لا ينبغي له أن يظلمه أو يسلمه.
وقرئ: المتطهرون، والمطهرون بالإدغام. والمطهرون، من اطهره بمعنى طهره. والمطهرون بمعنى: يطهرون أنفسهم أو غيرهم بالاستغفار لهم والوحى الذي ينزلونه تَنْزِيلٌ صفة رابعة للقرآن، اى: منزل من رب العالمين. أو وصف بالمصدر، لأنه نزل نجوما من بين سائر كتب الله تعالى، فكأنه في نفسه تنزيل، ولذلك جرى مجرى بعض أسمائه، فقيل: جاء في التنزيل كذا، ونطق به التنزيل. أو هو تنزيل على حذف المبتدإ. وقرئ: تنزيلا، على: نزل تنزيلا،
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٨١ الى ٨٢]
أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (٨١) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢)
أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ يعنى القرآن أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ اى: متهاونون به، كمن يدهن في الأمر، أى يلين جانبه ولا يتصلب فيه تهاونا به وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ على حذف المضاف، يعنى: وتجعلون شكر رزقكم التكذيب، أى: وضعتم التكذيب موضع الشكر.
وقرأ على رضى الله عنه: وتجعلون شكركم أنكم تكذبون. وقيل: هي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمعنى وتجعلون شكركم لنعمة القرآن أنكم تكذبون به. وقيل: نزلت في الأنواء ونسبتهم السقيا إليها. والرزق: المطر، يعنى: وتجعلون شكر ما يرزقكم الله من الغيث أنكم تكذبون بكونه من الله، حيث تنسبونه إلى النجوم. وقرئ: تكذبون وهو قولهم في القرآن: شعر وسحر وافتراء. وفي المطر: وهو من الأنواء، ولأنّ كل مكذب بالحق كاذب.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٨٣ الى ٩٦]
فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٨٧)
فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (٨٩) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩١) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢)
فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (٩٤) إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٩٦)

ترتيب الآية: فلولا ترجعونها إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مدينين. وفَلَوْ لا الثانية مكررة للتوكيد، والضمير في تَرْجِعُونَها للنفس وهي الروح، وفي أَقْرَبُ إِلَيْهِ للمحتضر غَيْرَ مَدِينِينَ غير مربوبين، من دان السلطان الرعية إذا ساسهم. وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ «١» يا أهل الميت بقدرتنا وعلمنا، أو بملائكة الموت. والمعنى: إنكم في جحودكم أفعال الله تعالى وآياته في كل شيء إن أنزل عليكم كتابا معجزا قلتم: سحر وافتراء. وإن أرسل إليكم رسولا قلم: ساحر كذاب، وإن رزقكم مطرا يحييكم به قلتم: صدق نوء كذا، على مذهب يؤدى إلى الإهمال والتعطيل فما لكم لا ترجعون الروح إلى البدن بعد بلوغه الحلقوم إن لم يكن ثم قابض وكنتم صادقين في تعطيلكم وكفركم بالمحيى المميت المبدئ المعيد فَأَمَّا إِنْ كانَ المتوفى مِنَ الْمُقَرَّبِينَ من السابقين من الأزواج الثلاثة المذكورة في أوّل السورة فَرَوْحٌ فله استراحة. وروت عائشة رضى الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فروح، «٢» بالضم. وقرأ به الحسن وقال:
الروح الرحمة، لأنها كالحياة للمرحوم. وقيل: البقاء، أى: فهذان له معا، وهو الخلود مع الرزق «٣» والنعيم. والريحان: الرزق فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ أى: فسلام لك يا صاحب اليمين من إخوانك أصحاب اليمين، أى: يسلمون عليك، كقوله تعالى إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً.
فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ كقوله تعالى هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ وقرئ بالتخفيف وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ قرئت بالرفع والجر عطفا على نزل وحميم إِنَّ هذا الذي أنزل في هذه السورة لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ أى الحق الثابت من اليقين.
(٢). أخرجه الترمذي والنسائي وإسحاق والحاكم من رواية بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن عائشة، زاد إسحاق «برفع الراء».
(٣). قوله «وهو الخلود مع الرزق» لعله: وهما. (ع)