وتحقيقه ان الهاء اشارة الى الهوية الالهية فانه لا يمس سرها الا المطهرون عن جنابة كل مقام من المقامات الوجودية وهى التعلق به والبعد بواسطته عن الحق المطلق والمطهر بالفتح لا بد له من المطهر بالكسر وهو الله تعالى فالعبد لا يطهر نفسه ولا يزكيها وانما يطهره الله ويزكيه فاذا طهره الله وزكاه فهم مراد القرآن ولذا قال بعض الكبراء ان القرآن بكر اى بالنسبة الى علماء الظاهر والرسم فان الذي فهموه من القرآن انما هو ظاهره ومزاياه المتعلقة به وانما حل عقدته علماء الباطن والحقيقة لان الله تعالى قال واتقوا الله ويعلمكم الله فهم اهل التقوى الحقيقي ولذا علمهم الله ما لم يعلم أحدا من العالمين وان كان القرآن لا تنقضى عجائبه وقس عليه الحديث فان مراد رسول الله عليه السلام على الحقيقة لا يفهمه الا أهل الحقيقة ومن ثمة اقتصر علماء الحديث وشراحه على بيان الاعراب والمفهوم الظاهري من غير أن يتعرضوا لحقائقه فأين شرح النووي والكرماني وابن حجر ونحوهم من شرح الصدر القنوى ونحوه رضى الله عنهم تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ صفة اخرى للقرءآن وهو مصدر نعت به حتى جرى مجرى اسمه يعنى ان التنزيل بمعنى المنزل سمى المنزل تنزيلا على اتساع اللغة كما يقال للمقدور قدر وللمخلوق خلق على قول من يجيزه أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ الذي ذكرت نعوته الجليلة الموجبة لاعظامه وإجلاله وهو القرآن الكريم وسماه حديثا لان فيه حوادث الأمور كما في كشف الاسرار وهو متعلق بقوله مدهنون وجاز تقديمه على المبتدأ لان عامله يجوز فيه ذلك والأصل أفأنتم مدهنون بهذا الحديث أَنْتُمْ يا اهل مكة مُدْهِنُونَ الادهان في الأصل مثل التدهين لكن جعل عبارة عن المداراة والملاينة وترك الجد والمعنى متهاونون به ومستحقرون كمن يدهن في الأمر اى يلين جانبه ولا يتصلب فيه تهاونا به وفي تاج المصادر الادهان مداهنت كردن وغسل كردن قال في الاحياء الفرق بين المداهنة والمداراة بالغرض الباعث على الإغضاء فان أغضيت السلامة دينك ولما ترى فيه من إصلاح أخيك بالإغضاء فانت مدار وان أغضيت لحظ نفسك واجتلاب شهواتك وسلامة جاهك فأنت مداهن قال ابو الدرداء رضى الله عنه انا لنبش في وجوه أقوام وان قلوبنا لتعلنهم وهذا معنى المدارة وهو منع شر من يخاف شره وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ اى شكر رزقكم بتقدير المضاف ليصح المعنى والرزق في الأصل مصدر سمى به ما يرزق والمراد نعمة القرآن أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ اى تضعون التكذيب لرازقه موضع الشكر او تجعلون شكر رزقكم الصوري انكم تكذبون بكونه من الله حيث تنسبونه الى الأنواء وكان عليه السلام يقول لو حبس الله القطر عن أمتي عشر سنين ثم انزل لا صبحت طائفة منهم يقولون سقينا بنوء كذا وقال عليه السلام أخوف ما أخاف على أمتي حيف الائمة والتكذيب بالقدر والايمان بالنجوم (روي) انه عليه السلام صلّى صلاة الصبح بالحديبية في اثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا
صفحة رقم 338
قال ربكم قالوا الله ورسوله اعلم قال أصبح من عبادى مؤمن بي وكافر فاما من قال مطرنا بفضل الله وبرحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب واما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب وفي الحديث (ثلاث من امر الجاهلية الطعن في الأنساب والنياحة والأنواء) فالطعن معروف والنياحة البكاء على الميت مع تعديد محاسنه والأنواء جمع نوء المنازل الثماني والعشرون للقمر والعرب كانت تعتقد ان الأمطار والخير كله يجيئ منها وفي حواشى ابن الشيخ في سورة الفرقان الأنواء النجوم التي يسقط واحد منها فى جانب المغرب وقت طلوع الفجر ويطلع رقيبه في جانب المشرق من ساعته والعرب كانت تضيف الأمطار والرياح والحر والبرد الى الساقط منها وقيل الى الطالع منها انتهى وفي القاموس النوء النجم مال للغروب او سقوط النجم في المغرب مع الفجر وطلوع آخر يقابله من ساعته في المشرق انتهى فظهر ان التأثير من الله تعالى في الأشياء فيجيب على المؤمن أن يعتقده منه تعالى لا من الافلاك والنجم والدهر ونحوها وفي هدية المهديين لو صاحت الهامة او طير آخر فقال رجل يموت المريض يكفر ولو خرج الى السفر ورجع فقال ارجع لصياح العقعق كفر عند بعضهم وقيل لا ولو قال عند صياح الطير غله كران مى خواهد شد فقد اختلف المشايخ في كفره وجه الكفر ظاهر لانه ادعى الغيب انتهى والناس يتشاءمون بأصوات بعض الطيور كالهامة والبوم (كما قال الشيخ سعدى)
بلبلا مژده بهار بيار
خبرى بد ببوم باز كذار
فان يكن هناك اعتقاد التأثير منها فذلك كفر والا فمجرد التشاؤم لا يوجب الكفر خصوصا إذا كان القول بطريق الاستدلال من الأمارات والأليق بحال المؤمن حمل مثل ذلك على التنبيهات الالهية فان لله في كل شيء حكمة لا القطع على المقدورات والجزم فيما لا يبلغ علمه كنهه فان الله يحيى ويميت ويوقظ وينيم بأسباب وبغيرها فَلَوْلا پس چرا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ لولا للتحضيض لاظهار عجزهم وإذا ظرفية والحلقوم مجرى الطعام وفي كشف الاسرار مجرى النفس والبلعوم مجرى الطعام اى فهلا إذا بلغت النفس اى الروح او نفس أحدكم وروحه الحلقوم وتداعت الى الخروج وهو كناية عن غير مذكور وفي الحديث (ان ملك الموت له أعوان يقطعون العروق ويجمعون الروح شيأ فشيا حتى ينتهى بها الى الحلقوم فيتوفاها ملك الموت وَأَنْتُمْ الواو للحال من فاعل بلغت اى والحال أنتم أيها الحاضرون حول صاحبها حِينَئِذٍ آن هنكام تَنْظُرُونَ الى ما هو فيه من الغمرات ولكم تعطف عليه ووفور رغبة في انجائه من المهالك وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ اى الى المحتضر علما وقدرة وتصرفا قال بعضهم عبر عن العلم بالقرب الذي هو أقوى سبب الاطلاع مِنْكُمْ حيث لا تعرفون حاله الا ما تشاهدونه من آثار الشدة من غير أن تقفوا على كنهها وكيفيتها وأسبابها ولا أن تقدروا على دفع أدنى شيء منها ونحن المتولون لتفاصيل أحواله بعلمنا وقدرتنا او بملائكة الموت الذين يقبضون روحه وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ لا تدركون كنه ما يجرى عليه لجهلكم بشؤوننا فقوله لا تبصرون من البصيرة لا من البصر
صفحة رقم 339