آيات من القرآن الكريم

أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ
ﯤﯥﯦﯧ ﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳﯴ ﯶﯷﯸﯹ ﯻﯼﯽﯾﯿ ﰁﰂﰃﰄﰅ ﭑﭒﭓ ﭕﭖﭗ ﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡ

«أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ» ٦٩ له بقدرتنا إذ ننزله لكم بقدر حاجتكم إليه على أنا «لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً» شديد الملوحة مرا لا يشرب ولا ينفع الزرع، فتهلكون عطشا وتنلف زروعكم وأشجاركم، لأنا قادرون على اتلافكم بأنواع شتى، فلو سكنا عنكم الهواء ساعة لهلكتم جميعا «فَلَوْلا تَشْكُرُونَ» ٧٠ نعم الله عليكم التي من جملتها تأمين ضرورياتكم وما تصلحون به مأكولكم
وما تتقون به شدة الحر المنوه عنه بقوله «أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ» ٧١ تقدحون لها الزناد فتتقّد فتستضيؤن بها وتنضجون طعامكم عليها «أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها» التي توقد منها أو شجر المرخ والعقار المار ذكره في الآية ٨٠ من سورة يس المارة «أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ» ٧٢ لها بل نحن أنشأنا شجرها لنفعكم و «نَحْنُ جَعَلْناها» أي تلك النار لكم في الدنيا «تَذْكِرَةً» لنار الآخرة الكبرى ليتعظ بها من له عقل كلما رآها، فيذكر عذابها ويرتدع عما نهي عنه، ولذلك عممنا الحاجة إليها «وَ» جعلناها «مَتاعاً لِلْمُقْوِينَ» ٧٣ المسافرين والفقراء الذين ينزلون (القواء) الأرض القفرة وللأغنياء المقيمين أيضا، إذ لا غنى لأحد عنها، إلا أن المسافر أشد حاجة لها من غيره، لأنه بوقدها للتدفئة ولهروب الهوام عنه لأنها لا تقربه ما دامت النار عنده خشية منها، وإلا افترسته حالا وفيها منفعة أخرى وهي اهتداء الضال بها والاستضاءة بها ليلا وللطبخ والخبز، وتسخين الماء ليلا ونهارا، وكونها تذكرة لنار الآخرة لا يقتضى أن تكون مثلها وقد ذكرنا في الآية ١٣٥ من سورة طه المارة أن المشبه لا يكون كالمشبه به من كل وجه. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: ناركم هذه الذي توقدون جزء من ستين جزءا من نار جهنم، قالوا والله إن كانت لكافية يا رسول الله، قال فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلها مثل حرها. أعاذنا الله منها ولو أن نارنا هذه مثل تلك لما انتفعنا بها أبدا، لأن أجسامنا هذه لا تطيق مقابلتها، ولأن ما يوضع عليها للنضج يحرق حالا، لأنها تذيب الحديد وتفتت الحجارة حالا، ولكانت نقمة علينا لا نعمة لنا. ثم التفت جل شأنه الى حبيبه ﷺ وقال له «فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ»

صفحة رقم 249

٧٤ نزه عما يقول هؤلاء الظالمون من اتخاذ الآلهة من دونه وانكار إعادة خلقه بعد الموت ومن سائر ما يصمونه به من الولد والشريك والصاحبة، ثم أقسم قائلا «فَلا أُقْسِمُ» تقدم البحث فيه مفصلا أول سورة القيامة فراجعه ففيه بحث نفيس «بِمَواقِعِ النُّجُومِ» ٧٥ مساقطها عند غروبها بالنسبة لما نرى قال ابن عباس النجوم نجوم القرآن ومواقعها أوقات نزولها على النبي ﷺ وعليه مشى الشيخ الأكبر وقال يا لها من أوقات! وقد أخرج النسائي وابن جرير والحاكم والبيهقي في الشعب أنه قال: أنزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا الى السماء الدنيا جملة واحدة، ثم فرق في السنين. وفي لفظ ثم نزل من سماء الدنيا إلى الأرض نجوما ثم قرأ هذه الآية، ويستحيل على هذا القول عرد الضمير في «وَإِنَّهُ» للقرآن بالنظر إلى ما يفهم من مواقع النجوم حتى يعد كأنه مذكور أي وأن هذا القسم الذي ذكره الله بعد أن فرغ من ذكر البراهين المسكة الآنفة الذكر التي يخرس عندها كل بليغ ويحجم عنها كل فصيح «لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ» ٧٦ لأن في سقوط النجوم بالنسبة لما نراه زوال أثرها ودلالة على وجود مؤثرها الدائم وقد استدل الخليل عليه السلام بأقوالها على صانعها جل جلاله، كما سيأتي في الآية ٧٦ فما بعدها من سورة الأنعام في ج ٢، وفي هذه الآية دالة على جواز الفعل بين الصفة والموصوف بكلام آخر، لأن عظيما هنا جاء صفة لقسم، والله تعالى يقول هو عظيم جدا لو تعلمون ما يترتب عليه من المصالح فضلا عن أنه وقت قيام المجتهدين المبتهلين الى الله، وآن نزول رحمته، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ ينزل ربنا كل ليلة الى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، وجواب القسم في قوله تعالى «إِنَّهُ» أي المنزل عليك يا سيد الرسل «لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ» ٧٧ لما فيه من النور والهدى والبيان والعلم والحكم والحكمة، لأن الفقيه يستدل به والحكيم يستمد به والأديب يقتبس منه والأريب يتقوى به، والمتعلم يستفيد منه، وكل عالم يطلب أصل علمه من فيضه، ليس بسحر ولا كهانة كما

صفحة رقم 250

يقولون، بل هو مثبت عند الله «فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ» ٧٨ محفوظ مصون «لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ» ٧٩ الملائكة المقربون والسفرة الكرام البررة. ولا هنا نافيه والضمير يعود للأقرب وهو الكتاب أي اللوح المحفوظ، فلو أريد عوده للبعيد وهو
القرآن لقال المتطهرون أو المطهرون بتشديد الطاء والهاء، وعلى قول من أعاد الضمير للقرآن وهو ضعيف جدا فيراد منه الإنسان أي لا يمسه منهم إلا المتطهرون، والصواب الأول وعليه المعول، وبه قال أكثر المفسرين والعارفين.
مطلب مس المصحف والحديث المرسل والموصول:
وأما المنع من مس المصحف لغير المتطهر فقد ثبت بالحديث الآتي لا بنص هذه الآية، وعليه يشمل أهل الدنيا فلا يمسه منهم إلا المتطهرون المتوضئون بالطهارة الحيّة، وعليه فتكون (لا) هنا بمعنى النهي (الحكم الشرعي) المنع من مسه أو مس حرف منه لغير المتوضئ، ويحرم على المحدث أن يمسه بدون غلاف، ولا بأس بمس غير المكتوب منه، وقال الشافعي رحمه الله لا يجوز حمله لغير المتوضئ ولو كان بغلاف ولا يجوز مس شيء منه سواء كان فيه كتابة أم لا. روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر بن عمر بن حزم أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله ﷺ لعمرو بن حزم أن لا يمس القرآن إلا طاهرين أخرجه مالك مرسلا- المرسل أحد أقسام الحديث وهو ما سقط منه الصحابي بعد ذكر التابعي وهو من قسم المقبول، وقد احتج به مالك وأبو حنيفة، وهو موصولا، والموصول ما اتصل سنده بحضرة الرسول بغير انقطاع وهو صالح للاحتجاج به بلا خلاف- وعن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله ﷺ كتب إلى أهل اليمن بهذا والصحيح فيه الإرسال أيضا، وروى الدارقطني بسنده عن سالم عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ لا يمس القرآن إلا طاهر. والمراد بالقرآن المصحف سماه قرآنا على قرب الجوار والاتساع، كما روى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن الى أرض العدو كما أشرنا إليه، في المقدمة وأراد به المصحف، اما المحفوظ بالصدر فلا لأن القصد حفظه عن الامتهان بسبب. لمس غير

صفحة رقم 251
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية