آيات من القرآن الكريم

وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً
ﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉ ﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬ ﮮﮯ ﮱﯓﯔ

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة الواقعة
وهي مكية بإجماع ممن يعتد بقوله من المفسرين. وقيل إن فيها آيات مدنية، أو مما نزل في السفر، وهذا كله غير ثابت. وروي عن النبي ﷺ أنه قال: «من داوم على سورة الواقعة لم يفتقر أبدا». ودعا عثمان بن مسعود إلى عطائه، فأبى أن يأخذ. فقيل له: خذ للعليا، فقال: إنهم يقرؤون سورة الواقعة، سمعت النبي ﷺ يقول: «من قرأها لم يفتقر أبدا».
قال القاضي أبو محمد: فيها ذكر القيامة، وحظوظ النفس في الآخرة، وفهم ذلك غنى لا فقر معه، ومن فهمه شغل بالاستعداد.
قوله عز وجل:
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ١ الى ١٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (٢) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (٣) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤)
وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (٥) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (٦) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (٧) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (٩)
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢)
الْواقِعَةُ: اسم من أسماء القيامة ك الصَّاعِقَةُ [البقرة: ٥٥، النساء: ١٥٣] والْآزِفَةِ [غافر: ١٨، النجم: ٥٧] والطَّامَّةُ [النازعات: ٣٤] قاله ابن عباس، وهذه كلها أسماء تقتضي تعظيمها وتشنيع أمرها. وقال الضحاك: الْواقِعَةُ: الصيحة وهي النفخة في الصور. وقال بعض المفسرين: الْواقِعَةُ: صخرة بيت المقدس، تقع عند القيامة، فهذه كلها معان لأجل القيامة.
و: كاذِبَةٌ يحتمل أن يكون مصدرا كالعاقبة والعافية وخائنة الأعين. فالمعنى ليس لها تكذيب ولا رد مثنوية، وهذا قول قتادة والحسن ويحتمل أن يكون صفة لمقدر، كأنه قال: لَيْسَ لِوَقْعَتِها حال كاذِبَةٌ، ويحتمل الكلام على هذا معنيين: أحدهما كاذِبَةٌ، أي مكذوب فيما أخبر به عنها فسماها كاذِبَةٌ بهذا، كما تقول هذه قصة كاذبة أي مكذوب فيها، والثاني حالة كاذبة أي لا يمضي وقوعها، كما تقول: فلان إذا حمل لم يكذب.
وقوله: خافِضَةٌ رافِعَةٌ رفع على خبر ابتداء، أي هي خافِضَةٌ رافِعَةٌ.

صفحة رقم 238

وقرأ الحسن وعيسى الثقفي وأبو حيوة: «خافضة رافعة» بالنصب على الحال بعد الحال التي هي لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ ولك أن تتابع الأحوال. كما لك أن تتابع أخبار المبتدأ، والقراءة الأولى أشهر وأبرع معنى، وذلك أن موقع الحال من الكلام موقع ما لم يذكر لاستغني عنه وموقع الجمل التي يجزم الخبر بها موقع ما يتهمم به.
واختلف الناس في معنى هذا الخفض والرفع في هذه الآية، فقال قتادة وعثمان بن عبد الله بن سراقة: القيامة تخفض أقواما إلى النار، وترفع أقواما إلى النار، وترفع أقواما إلى الجنة. وقال ابن عباس وعكرمة والضحاك: الصيحة تخفض قوتها لتسمع الأدنى وترفعها لتسمع الأقصى. وقال جمهور من المتأولين: القيامة بتفطر السماء والأرض والجبال انهدام هذه البنية، ترفع طائفة من الأجرام وتخفض أخرى، فكأنها عبارة عن شدة الهول والاضطراب، والعامل في قوله: إِذا رُجَّتِ، وَقَعَتِ، لأن إِذا هذه بدل من إِذا الأولى، وقد قالوا: إن وَقَعَتِ هو العامل في الأولى، وذلك لأن معنى الشرط فيها قوي، فهي ك «من» و «ما» في الشرط، يعمل فيها ما بعدها من الأفعال، وقد قيل إن إِذا مضافة إلى وَقَعَتِ فلا يصح أن يعمل فيها، وإنما العامل فيها فعل مقدر. ومعنى: رُجَّتِ زلزلت وحركت بعنف، قاله ابن عباس، ومنه ارتج السهم في الغرض إذا اضطرب بعد وقوعه، والرجة في الناس الأمر المحرك.
واختلف اللغويون في معنى: بُسَّتِ فقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة معناه: فتتت، كما تبس البسيسة وهي السويق، ويقال بسست الدقيق إذا ثريته بالماء وبقي مفتتا، وأنشد الطبري في هذا: [الرجز] لا تخبزا خبزا وبسّا بسّا وقال هذا قول لص أعجله الخوف عن العجين، فقال لصاحبه هذا. وقال بعض اللغويين: بُسَّتِ معناه سيرت قالوا والخبز سير الشديد وضرب الأرض بالأيدي، والبس: السير الرفيق، وأنشد البيت:
[الرجز]

لا تخبزا خبزا وبسّا بسّا وجنباها نهشلا وعبسا
ولا تطيلا بمناخ حبسا ذكر هذا أبو عثمان اللغوي في كتابه في الأفعال.
و «الهباء» : ما يتطاير في الهواء من الأجزاء الدقيقة، ولا يكاد يرى إلا في الشمس إذا دخلت من كوة، قاله ابن عباس ومجاهد. وقال قتادة: الهباء: ما تطاير من يبس النبات. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه الهباء: ما تطاير من حوافر الخيل والدواب. وقال ابن عباس أيضا، الهباء: ما تطاير من شرر النار، فإذا طفي لم يوجد شيئا. والمنبث: بالتاء المثلثة، الشائع في جميع الهواء.
وقرأ النخعي: «منبتا» بالتاء بنقطتين، أي متقطعا، ذكر ذلك الثعلبي.
قال القاضي أبو محمد: والقول الأول في هباء أحسن الأقوال.

صفحة رقم 239
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية