آيات من القرآن الكريم

ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ
ﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳﯴ ﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﰀﰁ ﰃﰄﰅﰆ ﰈﰉﰊﰋﰌ ﭑﭒﭓﭔﭕ ﭗﭘﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭ

ثم فصل ما أبهم من حالهم بقوله:
(فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ. وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ. وَظِلٍّ مَمْدُودٍ. وَماءٍ مَسْكُوبٍ. وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) أي هم يتمتعون بجنات فيها السدر الذي قطع شوكه لا كسدر البرية فى الدنيا، وفيها الموز الذي ملىء ثمرا، فلا تظهر له سيقان، وفيها ظل ظليل يقيهم شديد الحر ووهج الشمس، وفيها ماء مصبوب لا يحتاج أهلها إلى تعب ونصب للحصول عليه، وفيها ضروب من الفاكهة التي لا تنقطع أبدا، ولا تمتنع عنهم فى وقت، فهم يجدونها متى شاءوا وأحبوا.
ثم ذكر ما يمتعون به من الفرش فقال:
(وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) أي وهم يجلسون على فرش وثيرة عالية وطيئة لا تتعب الجالس عليها.
وبعدئذ ذكر ما يمتعون به من النساء فقال:
(إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً. فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً. عُرُباً أَتْراباً. لِأَصْحابِ الْيَمِينِ) أي إنا أعددناهن نساء أبكارا متحببات إلى أزواجهن، إذ هنّ يحسنّ التبعّل، كلهن فى سن واحدة، لا تمتاز واحدة عن أخرى، وأعطيناهن لأصحاب اليمين.
وأعاد ذكر (لِأَصْحابِ الْيَمِينِ) للتأكيد والتحقيق.
(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ. وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) أي أصحاب اليمين جماعة من مؤمنى الأمم السالفة، وجماعة من مؤمنى أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم وإنما لم يقل فى حق هؤلاء جزاء بما كانوا يعملون كما قال ذلك فى حق السابقين إشارة إلى أن عملهم لقصوره عن عمل السابقين لم يعتبر اعتباره.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٤١ الى ٥٦]
وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (٤١) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣) لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (٤٤) إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥)
وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦) وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (٤٨) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٥٠)
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٥٣) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥)
هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (٥٦)

صفحة رقم 139

تفسير المفردات
السموم: حر نار ينفذ فى المسامّ، والحميم: الماء الشديد الحرارة، واليحموم:
دخان أسود كما قال ابن عباس وابن زيد، لا بارد ولا كريم: أي لا هو بارد كسائر الظلال، ولا دافع أذى الحر لمن يأوى إليه، مترفين: أي منعمين مقبلين على لذات أنفسهم لا يلوون على شىء مما جاء به الرسل، يصرون: أي يقيمون ولا يقلعون، والحنث العظيم: أي الذنب العظيم وهو الشرك بالله وجعل الأوثان والأنداد أربابا من دون الله، والميقات: ما وقت به الشيء والمراد به يوم القيامة، وسمى به لأنه وقتت به الدنيا، وشجر الزقوم: شجر ينبت فى أصل الجحيم، والهيم: واحدها أهيم وهو الجمل الذي يصيبه الهيام (بالضم) وهو داء يشبه الاستسقاء يصيب الإبل فتشرب حتى تموت أو تسقم سقما شديدا، والنزل: ما يقدم للضيف إذا نزل تكرمة له، ويوم الدين:
يوم الجزاء.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر زوجين من الأزواج الثلاثة، وبين ما يلقاه كل منهم من عز مقيم، وشرف عظيم، فى جنات ونعيم، فى جملة شئونهم، فى مآكلهم ومشاربهم وفرشهم

صفحة رقم 140

وأزواجهم- أردف ذلك ذكر الزوج الثالث، وبين ما يلقاه من النكال والوبال وسوء الحال، فهو يتظلى فى السموم، ويشرب ماء كالمهل يشوى الوجوه، ثم أعقبه بذكر السبب فى هذا، بأنهم كانوا فى دنياهم مترفين غارقين فى ذنوبهم، منكرين هذا اليوم يوم الجزاء ثم أمره أن يخبرهم بأن هذا اليوم واقع حتما وأن مأكلهم سيكون من شجر الزقوم يملئون منه بطونهم، ثم يشربون ولا يرتوون كالإبل الهيم، وهذا ما أعد لهم من كرم وحسن وفادة فى هذا اليوم.
الإيضاح
(وَأَصْحابُ الشِّمالِ، ما أَصْحابُ الشِّمالِ) أي أصحاب الشمال فى حال لا يستطاع وصفها، ولا يقدر قدرها من نكال ووبال وسوء منقلب.
ثم فسر هذا المبهم بقوله:
(فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ. وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ. لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) أي هم فى حرّ ينفذ فى المسامّ، وماء متناه فى الحرارة، وظل من دخان أسود، ليس بطيّب الهبوب، ولا حسن المنظر، لأنه دخان من سعير جهنم يؤلم من يستظل به.
قال ابن جرير: العرب تتبع هذه اللفظة (الكريم) فى النفي فيقولون هذا الطعام ليس بطيب ولا كريم، وهذا اللحم ليس بسمين ولا كريم، وهذه الدار ليست بواسعة ولا كريمة اه.
وذكر السموم والحميم ولم يذكر النار، إشارة بالأدنى إلى الأعلى، فإن هواءهم إذا كان سموما، وماءهم الذي يستغيثون به حميما، مع أن الهواء والماء من أبرد الأشياء وأنفعها، فما ظنك بنارهم، فكأنه قال: إن أبرد الأشياء لديهم أحرها، فما بالك بحالهم مع أحرّها؟.
ونحو الآية قوله تعالى: «انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ. انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ. لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ. إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ.

صفحة رقم 141

كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ».
والخلاصة- إن السموم تضربهم فيعطشون، وتلتهم تارة أحشاءهم، فيشربون الماء فيقطّع أمعاءهم، ويريدون الاستظلال بظل، فيكون ظل اليحموم.
ثم ذكر السبب فى تعذيبهم فقال:
(إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ. وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ. وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ. أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ؟) أي إنهم كانوا فى الدنيا منعمين بألوان من المآكل والمشارب، والمساكن الطيبة، والمقامات الكريمة، مهمكين فى الشهوات، فلا جرم عذّبوا بنقائضها، إلى أنهم كانوا ينكرون هذا اليوم ويقولون: أنبعث نحن وآباؤنا الأولون ونعود كرّة أخرى، وقد صرنا أجسادا بالية، وعظاما نخرة؟.
والخلاصة- إنهم كانوا يمتّعون بوافر النّعم وجزيل المنن، وهم مع ذلك أصروا على كفرانهم، ولم يشكروا أنعم الله عليهم، فاستحقوا عقاب ربهم، وكانوا مكذبين بهذا اليوم، مستبعدين وقوعه، وركبوا رءوسهم فلم يلووا على شىء، وهاموا فى أودية الضلالة، وساروا فى سبيل الغواية، لا رقيب ولا حسيب.
وقد جرت سنة القرآن أن يذكر أسباب العقاب، ولا يذكر أسباب الثواب، لأن الثواب فضل، والعقاب عدل، والفضل إن ذكر سببه أو لم يذكر لا يتوهم فى المتفضل به نقص ولا ظلم، أما العدل فإن لم يعلم سببه فربما يظن أنه ضرب من الظلم.
وقد ذكروا لاستبعاد هذا البعث أسبابا:
(١) الحياة بعد الموت.
(٢) طول العهد بعد الموت حتى صارت اللحوم ترابا والعظام رفاتا.
(٣) بلغ الأمر منهم أن قالوا متعجبين: أو يبعث آباؤنا الأولون؟
فرد الله عليهم كل هذا وأمر رسوله أن يجيبهم.

صفحة رقم 142

(قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ. لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) أي أجبهم أيها الرسول الكريم قائلا لهم: إن الأولين الذين تستبعدون بعثهم أشد الاستبعاد، والآخرين الذين تظنون أن لن يبعثوا- ليجمعون فى صعيد واحد فى ذلك اليوم المعلوم، ولا شك أن اجتماع عدد لا يحصى كثرة أعجب من البعث نفسه.
ونحو الآية قوله فى سورة الصافات: «فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ. فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ».
ثم بين ما يلقاه أولئك المكذبون من الجزاء فى مآكلهم ومشاربهم فقال:
(ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ. لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ. فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ. فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ. فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) أي أيها الذين ضللتم فأصررتم على الذنب العظيم، إذ لم توحّدوا الله ولم تفعلوا ما يوجب تعظيمه، ثم كذبتم رسله، فأنكرتم البعث والجزاء فى هذا اليوم- إنكم لآكلون من شجر الزقوم، فمالئون منها بطونكم، فشاربون بعد ذلك من ماء حارّ لغلبة العطش عليكم، ولكنه شرب لا يشفى الغليل، ومن ثم تشربون ولا ترتوون، فكأنكم الإبل التي أصيبت بداء الهيام، فلا يروى لها الماء غليلا.
وخلاصة ذلك- إنه لزيادة العذاب لا ترتوون من شرب هذا الماء المنتن الحار فلا تمسكوا عنه، بل يكون شربكم كشرب الإبل التي تشرب ولا تروى.
ثم بين أنه ليس هذا كل العذاب بل هو أوله وقطعة منه فقال:
(هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ) أي هذا الزقوم المأكول، والحميم المشروب، أول الضيافة التي تقدم لهم كما يقدم للنازل مما حضر، فما بالك بهم بعد ما يستقر بهم المقام فى النار؟.
ولا يخفى ما فى هذا من التهكم بهم، والتوبيخ لهم كما قال:

صفحة رقم 143
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية
وكنّا إذا الجبّار بالجيش ضافنا جعلنا القنا والمرهفات له نزلا