آيات من القرآن الكريم

وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ
ﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣ

حَسَنَاتُهُمْ وَكَثُرَتْ وَسَنَذْكُرُ الدَّلِيلَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ [الْوَاقِعَةِ: ٩١]. / ثم قال تعالى:
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٤١ الى ٤٣]
وَأَصْحابُ الشِّمالِ مَا أَصْحابُ الشِّمالِ (٤١) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣)
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: مَا الْحِكْمَةُ فِي ذِكْرِ السَّمُومِ وَالْحَمِيمِ وَتَرْكِ ذِكْرِ النَّارِ وَأَهْوَالِهَا؟ نَقُولُ: فِيهِ إِشَارَةٌ بِالْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى فَقَالَ: هَوَاؤُهُمُ الَّذِي يَهُبُّ عَلَيْهِمْ سَمُومٌ، وَمَاؤُهُمُ الَّذِي يَسْتَغِيثُونَ بِهِ حَمِيمٌ، مَعَ أَنَّ الْهَوَاءَ وَالْمَاءَ أَبْرَدُ الْأَشْيَاءِ، وَهُمَا أَيِ السُّمُومُ وَالْحَمِيمُ مِنْ أَضَرِّ الْأَشْيَاءِ بِخِلَافِ الْهَوَاءِ وَالْمَاءِ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُمَا مِنْ أَنْفَعِ الْأَشْيَاءِ فَمَا ظَنُّكَ بِنَارِهِمُ الَّتِي هِيَ عِنْدَنَا أَيْضًا أَحَرُّ، وَلَوْ قَالَ: هُمْ فِي نَارٍ، كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ نَارَهُمْ كَنَارِنَا لِأَنَّا مَا رَأَيْنَا شَيْئًا أَحَرَّ مِنَ الَّتِي رَأَيْنَاهَا، وَلَا أَحَرَّ مِنَ السَّمُومِ، وَلَا أَبْرَدَ مِنَ الزُّلَالِ، فَقَالَ: أَبْرَدُ الْأَشْيَاءِ لَهُمْ أَحَرُّهَا فَكَيْفَ حَالُهُمْ مَعَ أَحَرِّهَا، فَإِنْ قِيلَ: مَا السَّمُومُ؟ نَقُولُ: الْمَشْهُورُ هِيَ رِيحٌ حَارَّةٌ تَهُبُّ فَتُمْرِضُ أَوْ تَقْتُلُ غَالِبًا، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ:
هِيَ هَوَاءٌ مُتَعَفِّنٌ، يَتَحَرَّكُ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ فَإِذَا اسْتَنْشَقَ الْإِنْسَانُ مِنْهُ يَفْسُدُ قَلْبُهُ بِسَبَبِ الْعُفُونَةِ وَيُقْتَلُ الْإِنْسَانُ، وَأَصْلُهُ مِنَ السُّمِّ كَسُمِّ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَغَيْرِهِمَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا السُّمُّ مِنَ السَّمِّ، وَهُوَ خُرْمُ الْإِبْرَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ [الْأَعْرَافِ: ٤٠] لِأَنَّ سُمَّ الْأَفْعَى يَنْفُذُ فِي الْمَسَامِّ فَيُفْسِدُهَا، وَقِيلَ: إِنَّ السَّمُومَ مُخْتَصَّةٌ بِمَا يَهُبُّ لَيْلًا، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: سَمُومٍ إِشَارَةٌ إِلَى ظُلْمَةِ مَا هُمْ فِيهِ غَيْرَ أَنَّهُ بَعِيدٌ جِدًّا، لِأَنَّ السَّمُومَ قَدْ تُرَى بِالنَّهَارِ بِسَبَبِ كَثَافَتِهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْحَمِيمُ هُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ مِنْ حَمِمَ الْمَاءُ بكسر الميم، أو بمعنى مفعول من حمم الْمَاءَ إِذَا سَخَّنَهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِرَارًا غَيْرَ أن هاهنا لَطِيفَةً لُغَوِيَّةً: وَهِيَ أَنَّ فَعُولًا لَمَّا تَكَرَّرَ مِنْهُ الشَّيْءُ وَالرِّيحَ لَمَّا كَانَتْ كَثِيرَةَ الْهُبُوبِ تَهُبُّ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ خُصَّ السَّمُومُ بِالْفَعُولِ، وَالْمَاءُ الْحَارُّ لَمَّا كَانَ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْوُرُودُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ لَمْ يُقَلْ: فِيهِ حَمُومٌ، فَإِنْ قِيلَ: مَا الْيَحْمُومُ؟ نَقُولُ: فِيهِ وُجُوهٌ أَوَّلُهَا: أَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّمَ ثَانِيهَا: أَنَّهُ الدُّخَانُ ثَالِثُهَا: أَنَّهُ الظُّلْمَةُ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْحُمَمِ وَهُوَ الْفَحْمُ فَكَأَنَّهُ لِسَوَادِهِ فَحْمٌ فَسَمَّوْهُ بِاسْمٍ مُشْتَقٍّ مِنْهُ، وَزِيَادَةُ الْحَرْفِ فِيهِ لِزِيَادَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِيهِ، وَرُبَّمَا تَكُونُ الزِّيَادَةُ فِيهِ جَاءَتْ لِمَعْنَيَيْنِ: الزِّيَادَةُ فِي سَوَادِهِ وَالزِّيَادَةُ فِي حَرَارَتِهِ، وَفِي الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ إِشَارَةٌ إِلَى دُونِهِمْ فِي الْعَذَابِ دَائِمًا لِأَنَّهُمْ إِنْ تَعَرَّضُوا لِمَهَبِّ الْهَوَاءِ أَصَابَهُمُ الْهَوَاءُ الَّذِي هُوَ السَّمُومُ، وَإِنِ اسْتَكَنُّوا كَمَا يَفْعَلُهُ الَّذِي يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ السَّمُومَ بِالِاسْتِكْنَانِ فِي الْكِنِّ يَكُونُوا فِي ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ وَإِنْ أَرَادُوا الرَّدَّ عَنْ أَنْفُسِهِمُ السَّمُومَ بِالِاسْتِكْنَانِ فِي مَكَانٍ مِنْ حَمِيمٍ فَلَا انْفِكَاكَ لَهُمْ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ تَرْتِيبٌ وَهُوَ أَنَّ السَّمُومَ يَضْرِبُهُ فَيَعْطَشُ وَتَلْتَهِبُ نَارُ السَّمُومِ فِي أَحْشَائِهِ فَيَشْرَبُ الْمَاءَ/ فَيُقَطِّعُ أَمْعَاءَهُ وَيُرِيدُ الِاسْتِظْلَالَ بِظِلٍّ فَيَكُونُ ذَلِكَ الظِّلُّ ظِلَّ الْيَحْمُومِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ وَجْهُ اسْتِعْمَالِ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مِنْ يَحْمُومٍ؟ فَنَقُولُ: إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ اسْمُ جَهَنَّمَ فَهُوَ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ كَمَا تَقُولُ:
جَاءَنِي نَسِيمٌ مِنَ الْجَنَّةِ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ دُخَانٌ فَهُوَ كَمَا فِي قَوْلِنَا: خَاتَمٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ الظُّلْمَةُ فَكَذَلِكَ،

صفحة رقم 409
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية