آيات من القرآن الكريم

وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ
ﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋ ﮍﮎ ﮐﮑ ﮓﮔ ﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟ ﮡﮢﮣ ﮥﮦ ﮨﮩ ﮫﮬ ﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕ

أنواع نعيم أصحاب اليمين
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٢٧ الى ٤٠]
وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (٢٧) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) وَماءٍ مَسْكُوبٍ (٣١)
وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (٣٣) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (٣٤) إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (٣٥) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (٣٦)
عُرُباً أَتْراباً (٣٧) لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (٣٨) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠)
الإعراب:
إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً هنّ: يعود على «الحور» المذكورات في نعيم السابقين، أو على أصحاب اليمين، أو على فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ واختار ابن الأنباري أن يكون الضمير غير عائد إلى مذكور على ما جرت به عادتهم إذا فهم المعنى، كقوله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ [الرحمن ٥٥/ ٢٦] وأراد به الأرض، ولم يسبق ذكرها، وقوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ
[القدر ٩٧/ ١] وأراد به القرآن، وإن لم يجر له ذكر، لأن هذا أول السورة، ولم يتقدم للقرآن ذكر فيه، وكقوله تعالى: حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ [ص ٣٨/ ٣٢] أراد به الشمس، وإن لم يجر لها ذكر، فكذلك ها هنا أريد بالضمير «الحور» في هذه القصة، وإن لم يجر لهن ذكر، لما عرف المعنى.
فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً، عُرُباً أَتْراباً، لِأَصْحابِ الْيَمِينِ أَبْكاراً جمع بكر، وعُرُباً جمع عروب، لأن فعولا يجمع على فعل، كرسول ورسل، ويجوز «عربا» بضم العين وسكون الراء.
وأَتْراباً جمع ترب، يقال: هي تربه ولدته وقرنه، أي على سنّه. ولِأَصْحابِ الْيَمِينِ:
إما صله لما قبله أو خبر لقوله تعالى: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ.
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ خبر لمبتدأ محذوف أي هم ثلة.
البلاغة:
وَأَصْحابُ الْيَمِينِ، ما أَصْحابُ الْيَمِينِ كرره بطريق الاستفهام للتفخيم والتعظيم.
وَأَصْحابُ الْيَمِينِ.. بعد قوله: فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ.. تفنن في العبارة، كما في أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ وأَصْحابُ الشِّمالِ.

صفحة رقم 252

فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ، وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ، وَظِلٍّ مَمْدُودٍ سجع لطيف غير متكلف، أو ما يسمى توافق الفواصل في الحرف الأخير، مما يزيد في تأثير الكلام وجماله.
المفردات اللغوية:
سِدْرٍ شجر النبق: وهو شجر يمتاز بكثرة أوراقه وأغصانه، إلا أن له شوكا.
مَخْضُودٍ لا شوك فيه، مقطوع الشوك، من خضد شوكة، أي قطع. وَطَلْحٍ شجر الموز.
مَنْضُودٍ متراكب الثمر، نضّد حمله من أسفله إلى أعلاه، فليست له سوق بارزة، بل ثمره مرصوص بعضه فوق بعض بنظام جميل. مَمْدُودٍ دائم باق، لا يزول، منبسط لا يتقلص ولا يتفاوت. مَسْكُوبٍ جار دائم لا ينقطع، مصبوب يسكب لهم.
وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ كثيرة الأجناس والكميات. لا مَقْطُوعَةٍ لا تنقطع في وقت.
وَلا مَمْنُوعَةٍ ولا تمتنع عن متناولها بوجه كثمن أو غيره، فهي مباحة سهلة التناول. وَفُرُشٍ جمع فراش كسرج وسراج. مَرْفُوعَةٍ عالية منضدة مرفوعة على السرر. إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً خلقناهن خلقا جديدا من غير ولادة، وهن الحور العين. أَبْكاراً عذارى، كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن عذارى. عُرُباً جمع عروب، وقرئ «عربا» متحبّبات إلى أزواجهن عشقا له.
أَتْراباً مستويات السن، جمع ترب.
سبب النزول:
نزول الآية (٢٧) :
وَأَصْحابُ الْيَمِينِ..: أخرج سعيد بن منصور في سننه والبيهقي في البعث عن عطاء ومجاهد قالا: لما سأل أهل الطائف الوادي يحمى لهم، وفيه عسل، ففعل، وهو واد معجب، فسمعوا الناس يقولون: في الجنة كذا وكذا، قالوا: يا ليت لنا في الجنة مثل هذا الوادي، فأنزل الله: وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ، فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ الآيات.
نزول الآية (٢٩) :
وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ: أخرج البيهقي من وجه آخر عن مجاهد قال: كانوا

صفحة رقم 253

يعجبون بوجّ- واد مخصب في الطائف- وظلاله وطلحة وسدره، فأنزل الله:
وَأَصْحابُ الْيَمِينِ، ما أَصْحابُ الْيَمِينِ، فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ، وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ، وَظِلٍّ مَمْدُودٍ.
المناسبة:
لما بيّن الله تعالى حال السابقين وأوصاف نعيمهم، شرع في بيان حال أصحاب اليمين من الأصناف الثلاثة في الآخرة، وعدد أوصاف نعمهم من فواكه وظلال ومياه وفرش ونساء حسان عذارى في سن واحدة.
التفسير والبيان:
وَأَصْحابُ الْيَمِينِ، ما أَصْحابُ الْيَمِينِ هذا عطف على السابقين المقربين، وهم أصحاب اليمين الأبرار الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم، منزلتهم دون المقربين، فهم أقل درجة في النعيم من السابقين، لأنهم كانوا في الدنيا أضعف إيمانا، وأقل إخلاصا وعملا، فأشجارهم وفواكههم وما يؤتون به من النعيم لا يبلغ درجة ما يناله أصحاب السبق.
ومع ذلك، فهم في درجة عالية ومنزلة رفيعة، لذا جاء الكلام في مدحهم على نحو هذا الأسلوب العربي لإفادة المبالغة في المدح، كما يقال: فلان ما فلان؟
والمعنى: وأما أصحاب اليمين السعداء، فما أدراك ما هم، وأي شيء هم، وما حالهم، وكيف مآلهم؟! وهذا يلفت النظر ويثير الانتباه للتعرف على مصيرهم. لذا جاء التفصيل لبيان ما أبهم من حالهم، فقال تعالى:
فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ، وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ، وَظِلٍّ مَمْدُودٍ، وَماءٍ مَسْكُوبٍ، وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ، لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ أي هم يتمتعون في جنات ذات شجر مورق كثير الورق، مقطوع الشوك، وشجر موز منضد متراكب الثمر بعضه فوق بعض،

صفحة رقم 254

وظل دائم باق لا يزول، وماء منصبّ يجري بالليل والنهار أينما شاؤوا، لا تعب فيه، وفاكهة متنوعة وكثيرة، لا تنقطع أبدا في وقت من الأوقات، كما تنقطع فواكه الدنيا في بعض الأوقات، ولا تمتنع على من أرادها في أي وقت، على أي صفة، بل هي معدّة لمن أرادها. أما فاكهة السابقين فإنهم يتخيرونها تخيرا.
ويلاحظ أنه قدم الشجر المورق على الشجر المثمر، على طريقة الارتقاء من نعمة إلى نعمة فوقها، والفواكه أتم نعمة، وذكر الأشجار المورقة بأنفسها وذكر أشجار الفاكهة بثمارها، لأن حسن الأوراق عند كونها على الشجر، وأما الثمار فهي في أنفسها مطلوبة، سواء كانت عليها أو مقطوعة.
ووصف الفاكهة بالكثرة لا بالطيب واللذة، لأن طيبها معروف بالطبيعة، والمقصود بيان الكثرة والتنوع لإفادة التنعم الواسع، ووصفها بقوله:
لا مَقْطُوعَةٍ للدلالة على أنها ليست كفواكه الدنيا، فإنها تنقطع في أكثر الأوقات والأزمان، وفي كثير من المواضع والأماكن، كما أنه وصفها بكونها غير ممنوعة بثمن أو عوض أو غيره، خلافا لفاكهة الدنيا التي تمنع عن البعض، وقدم كونها غير مقطوعة على المنع، لأن القطع للموجود، والمنع بعد الوجود، لأنها توجد أولا، ثم تمنع.
ثم ذكر الله تعالى وسائل التمتع في المجالس، فقال:
وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ أي وأهل اليمين يجلسون وينامون على فرش مرفوعة على الأسرّة، ورفيعة القدر والثمن. والفرش جمع فراش: وهو ما يفترش للجلوس عليه والنوم. وقيل: الفرش مجاز عن النساء، والمعنى: ونساء مرتفعات الأقدار في حسنهن وكمالهن.
ثم ذكر تمتعهم بالنساء، فقال:
إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً، فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً، عُرُباً أَتْراباً، لِأَصْحابِ الْيَمِينِ

صفحة رقم 255

أي خلقنا الحور العين خلقا جديدا من غير توالد، وجعلناهن بكارى عذارى لم يطمثهن قبلهم إنس ولا جان، وكلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكارا من غير وجع، كما في حديث رواه الطبراني «١»، ومتحببات إلى أزواجهن، وأنشأهن الله لأجل أصحاب اليمين الأبرار الذين آمنوا وعملوا الصالحات. وكرر ذكر أَصْحابُ الْيَمِينِ للتأكيد. والإنشاء: هو الاختراع الذي لم يسبق بخلق، وذلك مخصوص بالحور اللاتي لسن من نسل آدم عليه السلام.
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ أي إن أصحاب اليمين جماعة من الأولين، وهم مؤمنو الأمم الماضية، وجماعة من الآخرين، وهم المؤمنون بالنّبي ﷺ إلى قيام الساعة.
ولا تنافي بين قوله: وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ وقوله قبل: وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ لأن قوله: مِنَ الْآخِرِينَ هو من السابقين، وقوله: وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ هو في أصحاب اليمين «٢». وإنما لم يذكر هنا كون الجزاء مقابل العمل، كما فعل في حق السابقين، لأن عمل أصحاب اليمين أقل من عمل السابقين، فلم يحتج للتنويه به، وإشارة إلى أن الله غمر أهل اليمين بالفضل والرحمة والإحسان.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١- أشاد الله تعالى بأهل اليمين وخصالهم ومنازلهم، ومدحهم مدحا عظيما.

(١)
روى الطبراني عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عدن أبكارا».
(٢) البحر المحيط: ٨/ ٢٠٧

صفحة رقم 256

٢- ذكر الله تعالى أنواع نعيم أهل اليمين في البيئة والطعام والشراب والمجلس والزواج، فهم في ظل ناعم من شجر كثير الورق كشجر السدر أي النبق، ولكن قد خضد شوكة، أي قطع، وذلك الظل ممدود، أي دائم باق لا يزول ولا تنسخه الشمس.
وهم يستمتعون بأشجار الموز وأنواع الفواكه الكثيرة الطازجة التي لم تقطع عن الشجر، ولا تنقطع في وقت من الأوقات، كانقطاع فواكه الصيف في الشتاء، ولا تمنع ولا تحظر عن أحد كثمار الدنيا.
ويجلسون وينامون على فرش مرفوعة على السرر.
ولهم نساء حوريات رائعات الجمال خلقهن الله خلقا جديدا، وأبدعهن إبداعا فريدا لم يسبق، وجعلهن أبكارا عواشق لأزواجهن، متحببات إليهم، مستويات أو متماثلات متشابهات في السن والأخلاق، لا تباغض بينهن ولا تحاسد، وهن بنات ثلاث وثلاثين كأزواجهن.
٣- أصحاب اليمين في الجنة هم جماعة عظيمة من الأمم السابقة، وجماعة أخرى من الأمم اللاحقة. قال الواحدي: أصحاب الجنة نصفان: نصف من الأمم الماضية، ونصف من هذه الأمة.

صفحة رقم 257
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية