
وفوض أمرهم إلى الله ونعم المفوض إليه، فإنه أكرم من أن يعذبهم «بِأَكْوابٍ» متعلق بيطوف وهي الأواني التي لا عرى لها ولا خرطوم كالأقداح المستديرة «وَأَبارِيقَ» الأواني ذات العرى والخراطيم وهي معروفة، وسميت أباريق لبريق لونها وصفائها إذ يرى باطنها من ظاهرها «وَكَأْسٍ» هو الإناء المملوء شرابا وإلا فلا يسمى كأسا بل قدحا أو زجاجة «مِنْ مَعِينٍ» ١٨ نبع عين ظاهرة كثير ماؤها لا ينضب لأنها ليست من عمل البشر، وهؤلاء الذين يشربون هذا الشراب «لا يُصَدَّعُونَ عَنْها» لا يصيبهم صداع في رأسهم بسبب شربها كخمرة الدنيا القبيحة «وَلا يُنْزِفُونَ» ١٩ ولا تذهب عقولهم بسببها، ومعنى نزف الرجل ذهب عقله بالسكر، وقرىء بكسر الزاي، أي لا ينغذ ذلك الشراب مهما شربوا منه، فيكون الفعل من انزف ينزف بمعنى فني ونفد وخلص، وهذه التي يقول فيها ابن الفارض رحمه الله:
تهذب أخلاق الندامى فيهتدي | بها لطريق العزم من لا له عزم |
ولو نضحوا منها ثرى قبر ميت | لعادت إليه الروح وانتعش الجسم |
على نفسه فليبك من ضاع عمره | وليس له فيها نصيب ولا سهم |
ولهذا بسنّ في كل الأحوال أن يأكل الرجل مما يليه، وإلا فقد أساء الأدب وصار شرها مخالفا لنهي الرسول ﷺ وهذا هو الحكم الشرعي في الأكل
«وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ» ٢١ ويخطر في بالهم أكله ويتمنونه من جميع أصناف الطيور، فإنه يحضر أمامهم حالا على الصّفة التي يريدونها من أنواع الطهي «وَحُورٌ عِينٌ» بيض واسعات الأعين وهي في الصفاء «كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ» ٢٣ المخزون صفحة رقم 241