جوهرة أحقاقها الخدور ومن ذهب إلى تفضيل الأخيرتين يقول: هذا أمدح لعموم خَيْراتٌ حِسانٌ الصفات الحسنة خلقا وخلقا ويدخل في ذلك قصر الطرف وغيره مما يدل عليه التشبيه بالياقوت والمرجان، والمراد بالقاصر على التفسير الثاني لمقصورات القاصر الطبيعي بقرينة المقام فيكون فيه إشارة إلى تعذر ترك القصر منهن، وقاصِراتُ الطَّرْفِ ربما يوهم أن القصر باختيارهن فمتى شئن قصرن ومتى لم يشأن لم يقصرن.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وقوله تعالى: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ الكلام فيه كالكلام في نظيره فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وقوله سبحانه: مُتَّكِئِينَ قيل: بتقدير يتنعمون متكئين أو أعني متكئين، والضمير لأهل الجنتين المدلول عليهم بذكرهما عَلى رَفْرَفٍ اسم جنس أو اسم جمع واحده رفرفة، وعلى الوجهين يصح وصفه بقوله تعالى: خُضْرٍ وجعله بعضهم جمعا لهذا الوصف ولا يخفى أن أمر الوصفية لا يتوقف على ذلك الجعل،
وفسره في الآية علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس والضحاك بفضول المحابس وهي ما يطرح على ظهر الفراش للنوم عليه
، وقال الجوهري: الرفرف ثياب خضر تتخذ منها المحابس واشتقاقه من رف إذا ارتفع، وقال الحسن- فيما أخرجه ابن المنذر وغيره عنه- هي البسط.
وأخرج عن عاصم الجحدري أنها الوسائد، وروي ذلك عن الحسن أيضا وابن كيسان وقال الجبائي: الفرش المرتفعة، وقيل: ما تدلى من الأسرّة من غالي الثياب، وقال الراغب: ضرب من الثياب مشبهة بالرياض، وأخرج ابن جرير وجماعة عن سعيد بن جبير أنه قال: الرفرف رياض الجنة، وأخرج عن عبد بن حميد نحوه عن ابن عباس وهو عليه- كما في البحر- من رف النبت نعم وحسن، ويقال الرفرف لكل ثوب عريض وللرقيق من ثياب الديباج ولأطراف الفسطاط والخباء الواقعة على الأرض دون الأطناب والأوتاد، وظاهر كلام بعضهم أنه قيل بهذا المعنى هنا وفيه شيء وَعَبْقَرِيٍّ هو منسوب إلى عبقر تزعم العرب أنه اسم بلد الجن فينسبون إليه كل عجيب غريب من الفرش وغيرها فمعناه الشيء العجيب النادر، ومنه ما جاء في عمر الفاروق رضي الله تعالى عنه فلم أر عبقريا يفري فريه، ولتناسي تلك النسبة قيل: إنه ليس بمنسوب بل هو مثل كرسي وبختي كما نقل عن قطرب، والمراد الجنس ولذلك وصف بالجمع وهو قوله تعالى: حِسانٍ حملا على المعنى، وقيل: هو اسم جمع أو جمع واحده عبقرية، وفسره الأكثرون بعتاق الزرابي وعن أبي عبيدة هو ما كله وشي من البسط.
وروى غير واحد عن مجاهد أنه الديباج الغليظ، وعن الحسن أنها بسط فيها صور وقد سمعت ما نقل عنه في الرفرف فلا تغفل عما يقتضيه العطف.
وقرأ عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ونصر بن عاصم الجحدري ومالك بن دينار وابن محيصن وزهير الفرقبي وغيرهم رفارف جمع لا ينصرف «خضر» بسكون الضاد، «وعباقري» بكسر القاف وفتح الياء مشددة، وعنهم أيضا ضم الضاد، وعنهم أيضا فتح القاف قاله صاحب اللوامح ثم قال أما منع الصرف من عباقري فلمجاورته لرفارف يعني للمشاكلة وإلا فلا وجه لمنع الصرف مع ياءي النسب إلا في ضرورة الشعر انتهى.
وقال ابن خالويه قرأ- على رفارف خضر وعباقري- النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، الجحدري وابن
محيصن، وقد روي عمن ذكرنا- على رفارف خضر وعباقري- بالصرف، وكذلك روي عن مالك بن دينار، وقرأ أبو محمد المروزي وكان نحويا- على رفارف خضار- بوزن فعال، وقال صاحب الكامل: قرأ رفارف بالجمع ابن مصرف وابن مقسم وابن محيصن، واختاره شبل وأبو حيوة والجحدري والزعفراني وهو الاختيار لقوله تعالى:
خُضْرٍ، و «عباقريّ» بالجمع وبكسر القاف من غير تنوين ابن مقسم وابن محيصن، وروي عنهما التنوين.
وقال ابن عطية: قرأ زهير القرقبي (١) رفارف بالجمع وترك الصرف، وأبو طعمة المدني وعاصم فيما روي عنه رفارف بالصرف وعثمان رضي الله تعالى عنه كذلك، وعباقري بالجمع والصرف، وعنه وعباقري بفتح القاف والياء على أن اسم الموضع عباقر بفتح القاف، والصحيح فيه عبقر، وقال الزمخشري: قرىء عباقري كمدائني.
وروى أبو حاتم عباقري بفتح القاف ومنع الصرف وهذا لا وجه لصحته، وقال الزجاج: هذه القراءة لا مخرج لها لأن ما جاوز الثلاثة لا يجمع بياء النسب فلو جمعت عبقري قلت: عباقرة نحو مهلبي ومهالبة ولا تقول مهالبي.
وقال ابن جني: أما ترك صرف عباقري فشاذ في القياس ولا يستنكر شذوذه مع استعماله، وقال ابن هشام: كونه من النسبة إلى الجمع كمدائني باطل فإن من قرأ بذلك قرأ رفارف خضر بقصد المجانسة ولو كان كما ذكر كان مفردا ولا يصح منع صرفه كمدايني وقد صحت الرواية بمنعه الصرف عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فهو من باب كرسي وكراسي وهو من صيغة منتهى الجموع لكنها خالفت القياس في زيادة ما بعد الألف على المعروف كما ذكره السهيلي، وقال صاحب الكشف فتح القاف لا وجه له بوجه والمذكور في المنتقى عن النبي صلّى الله عليه وسلم الكسر.
وأما منع الصرف فليس بمتعين ليرد بل وجهه أنه نصب على محل رفرف على حد: يذهبن في نجد وغورا.
وإضافته إلى حِسانٍ مثل إضافة حور إلى عين في قراءة عكرمة كأنه قيل: عباقري مفارش، أو نمارق حسان فهو من باب أخلاق ثياب لأن أحد الوصفين قائم مقام الموصوف، ولعل عبقر وعباقر مثل عرفة وعرفات انتهى، فأحط بجوانب الكلام ولا تغفل، وقرأ ابن هرمز خضر بضم الضاد وهي لغة قليلة ومن ذلك قول طرفة:
أيها القينات في مجلسنا | جرّدوا منها ورادا وشقر |
وما انتميت إلى خود ولا كشف | ولا لئام غداة الروع أوزاع |
خاف بمن له شدة الخوف بحيث يختص بأفضل المؤمنين وأجلهم. أو يقال: إنهما مع الأوليين لمن خاف مقام ربه ويكون المعنى وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ أيضا جَنَّتانِ صفتهما كيت وكيت من دون تينك الجنتين، وعليه قيل:
جَنَّتانِ عطف على جَنَّتانِ قبله وَمِنْ دُونِهِما في موضع الحال، وذهب بعضهم إلى أن هاتين الجنتين سواء كانتا أفضل من الأوليين أم لا لمن خاف مقام ربه عز وجل فله يوم القيامة أربع جنان.
قال الطبرسي: والأخيرتان دون الأوليين أي أقرب إلى قصره ومجالسه ليتضاعف له السرور بالتنقل من جنة إلى جنة على ما هو معروف من طبع البشر من شهوة مثل ذلك وهو أبعد عن الملل الذي طبع عليه البشر، وأنت تعلم أن الآية تحتمل ذلك احتمالا ظاهرا لكن ما تقدم من حديث أبي موسى رضي الله تعالى عنه يأباه فإذا صح ولو موقوفا- إذ حكم مثله حكم المرفوع- لم يكن لنا العدول عما يقتضيه، وقد روي عنه أيضا حديث مرفوع ذكره الجلال السيوطي في الدر المنثور يشعر بأن الجنان الأربع هي جنان الفردوس.
وأخرج عنه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم أنه قال: إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «جنان الفردوس أربع جنتان من ذهب حليتهما وآنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة حليتهما وآنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنه عدن»
والظاهر على هذا أنه يشترك الألوف في الجنة الواحدة من هذه الجنان، ومعنى قوله تعالى: وَلِمَنْ خافَ إلخ عليه مما لا يخفى، ثم إن قاصرات الطرف إن كنّ من الإنس فهنّ أجل قدرا وأحسن منظرا من الحور المقصورات في الخيام بناء على أنهن النساء المخلوقات في الجنة.
فقد جاء من حديث أم سلمة «قلت يا رسول الله: أنساء الدنيا أفضل أم الحور العين؟ قال: نساء الدنيا أفضل من الحور العين كفضل الظهارة على البطانة، قلت: يا رسول الله وبم ذاك؟ قال: بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن ألبس الله وجوههن النور وأجسادهن الحرير بيض الوجوه خضر الثياب صفر الحلي مجامرهن الدر وأمشاطهن الذهب يقلن ألا نحن الخالدات فلا نموت أبدا ألا ونحن الناعمات فلا نيأس أبدا طوبى لمن كنا له وكان لنا»
إلى غيره من الأخبار ويكون هذا مؤيدا للقول بتفضيل الجنتين الأوليين على الأخيرتين ولعله إنما قدم سبحانه ذكر الاتكاء أولا على ذكر النساء لأنه عز وجل ذكر في صدر الآية الخوف حيث قال سبحانه: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ فناسب التعجيل بذكر ما يشعر بزواله إشعارا ظاهرا وهو الاتكاء فإنه من شأن الآمنين، وأخر سبحانه ذكره ثانيا عن ذكرهن لعدم ما يستدعي التقديم وكونه مما يكون للرجل عادة بعد فراغ ذهنه عما يحتاجه المنزل من طعام وشراب وقينة تكون فيه، وإذا قلنا: إن الحور كالجواري في المنزل كان أمر التقديم والتأخير أوقع، وقال الإمام في ذلك: إن أهل الجنة ليس عليهم تعب وحركة فهم متنعمون دائما لكن الناس في الدنيا على أقسام منهم من يجتمع مع أهله اجتماع مستوفز وعند قضاء وطره يغتسل وينتشر في الأرض للكسب، ومنهم من يكون مترددا في طلب الكسب وعند تحصيله يرجع إلى أهله ويستريح عما لحقه من تعب قبل قضاء الوطر أو بعده فالله عز وجل قال في أهل الجنة: مُتَّكِؤُنَ قيل اجتماعهم بأهاليهم متكئون بعد الاجتماع ليعلم أنهم دائمون على السكون، ولا يخفى أن هذا على ما فيه لا يحسم السؤال إذ لقائل أن يقول لم لم يعكس أمر التقديم والتأخير في الموضعين مع أنه يتضمن الإشارة إلى ذلك أيضا، ثم ذكر في ذلك وجها ثانيا وهو على ما فيه مبني على ما لا مستند له فيه من الآثار فتدبر فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ وقوله عز وجل: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ تنزيه وتقديس له تعالى فيه تقرير لما ذكر في هذه السورة الكريمة من آلائه جل شأنه الفائضة على الأيام،- فتبارك- بمعنى تعالى لأنه يكون بمعناه وهو أنسب بالوصف الآتي، وقد ورد في
الأحاديث «تعالى اسمه» أي تعالى اسمه الجليل الذي من جملته ما صدرت به السورة من اسم الرَّحْمنُ المنبئ عن إفاضة الآلاء المفصلة، وارتفع مما لا يليق بشأنه من الأمور التي من جملتها جحود نعمائه وتكذيبها، وإذا كان حال اسمه تعالى بملابسة دلالته عليه سبحانه كذلك فما ظنك بذاته الأقدس الأعلى؟؟.
وقيل: الاسم بمعنى الصفة لأنها علامة على موصوفها، وقيل: هو مقحم كما في قول من قال: ثم اسم السلام عليكما، وقيل: هو بمعنى المسمى، وزعم بعضهم أن الأنسب بما قصد من هذه السورة الكريمة هو تعدد الآلاء والنعم تفسير تَبارَكَ بكثرت خيراته ثم إنه لا بعد في إسناده بهذا المعنى لاسمه تعالى إذ به يستمطر فيغاث ويستنصر فيعان، وقوله سبحانه: ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ صفة للرب ووصف جل وعلا بذلك تكميلا لما ذكر من التنزيه والتقرير، وقرأ ابن عامر وأهل الشام- ذو- بالرفع على أنه وصف للاسم ووصفه بالجلال والإكرام بمعنى التكريم واضح.
هذا «ومن باب الإشارة» في بعض الآيات الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ إشارة إلى ما أودعه سبحانه في الأرواح الطيبة القدسية من العلوم الحقانية الإجمالية عند استوائه عز وجل على عرش الرحمانية خَلَقَ الْإِنْسانَ الكامل الجامع عَلَّمَهُ الْبَيانَ وهو تفصيل تلك العلوم الإجمالية فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ
[القيامة: ١٨، ١٩] الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ يشير إلى شمس النبوة وقمر الولاية الدائرتين في فلك وجود الإنسان بحساب التجليات ومراتب الاستعدادات، والنَّجْمُ القوى السفلية وَالشَّجَرُ الاستعدادات العلوية يَسْجُدانِ يتذللان بين يديه تعالى عند الرجوع إليه سبحانه وَالسَّماءَ سماء القوى الإلهية القدسية رَفَعَها فوق أرض البشرية وَوَضَعَ الْمِيزانَ القوة المميزة أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ لا تتجاوزوا عند أخذ الحظوظ السفلية وإعطاء الحقوق العلوية.
وجوز أن يكون الْمِيزانِ الشريعة المطهرة فإنها ميزان يعرف به الكامل من الناقص وَالْأَرْضَ أرض البشرية وَضَعَها بسطها وفرشها لِلْأَنامِ للقوى الإنسانية فِيها فاكِهَةٌ من فواكه معرفة الصفات الفعلية وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ وهي الشجرة الإنسانية التي هي المظهر الأعظم وذات أطوار كل طور مستور بطور آخر وَالْحَبُّ هو حب الحب المبذور في مزارع القلوب السليمة من الدغل ذُو الْعَصْفِ أوراق المكاشفات وَالرَّيْحانُ ريحان المشاهدة رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ رب مشرق شمس النبوة ومشرق قمر الولاية في العالم الجسماني ورب مغربهما في العالم الروحاني مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ بحر سماء القوى العلوية وبحر أرض القوى السفلية يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ حاجز القلب يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ أنواع أنوار الأسرار ونيران الأشواق وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ سفن الخواطر المسخرة في بحر الإنسان كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ما شم رائحة الوجود وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ الجهة التي تليه سبحانه وهي شؤوناته عز وجل ذُو الْجَلالِ أي الاستغناء التام عن جميع المظاهر وَالْإِكْرامِ الفيض العام يفيض على القوابل حسبما استعدت له وسألته بلسان حالها، وإليه الاشارة بقوله تعالى: يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إلخ، واستدل الشيخ الأكبر محيي الدين قدس سره بقوله سبحانه:
كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ على شرف التلون، وكذا استدل به على عدم بقاء الجوهر آنين، وعلى هذا الطراز ما قيل في الآيات بعد، وذكر بعض أهل العلم أن قوله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ قد ذكر إحدى وثلاثين مرة، ثمانية منها عقيب تعداد عجائب خلقه تعالى وذكر المبدأ والمعاد، وسبعة عقيب ذكر ما يشعر بالنار وأهوالها على عدد أبواب جهنم، وثمانية في وصف الجنتين الأوليين ومثلها في وصف الجنتين اللتين دونهما على عدد أبواب الجنة
فكأنه أشير بذلك إلى أن من اعتقد الثمانية الأولى وعمل بموجبها استحق كلتا الجنتين من الله تعالى ووقاه جهنم ذات الأبواب السبعة والله تعالى أعلم بإشارات كتابه وحقائق خطابه ودقائق كلامه التي لا تحيط بها الأفهام وتبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام.
صفحة رقم 127
سورة الواقعة
«مكية» كما أخرجه البيهقي في الدلائل وغيره عن ابن عباس وابن مردويه عن ابن الزبير، واستثنى بعضهم قوله تعالى: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ [الواقعة: ٣٩، ٤٠] كما حكاه في الإتقان وكذا استثني قوله سبحانه: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ إلى تُكَذِّبُونَ [الواقعة: ٧٥، ٨٢] لما أخرجه مسلم في سبب نزوله وسيأتي إن شاء الله تعالى، وفي مجمع البيان حكاية استثناء قوله تعالى: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ [الواقعة: ٨٢] عن ابن عباس وقتادة وعدد آيها تسع وتسعون في الحجازي والشامي، وسبع وتسعون في البصري، وست وتسعون في الكوفي، وتفصيل ذلك فيما أعد لمثله، وهي وسورة الرحمن متواخية في أن في كل منهما وصف القيامة والجنة والنار، وقال في البحر: مناسبتها لما قبلها أنه تضمن العذاب للمجرمين والنعيم للمؤمنين، وفاضل سبحانه بين جنتي بعض المؤمنين وجنتي بعض آخر منهم فانقسم المكلفون بذلك إلى كافر ومؤمن فاضل ومؤمن مفضول وعلى هذا جاء ابتداء هذه السورة من كونهم أصحاب ميمنة وأصحاب مشأمة وسابقين، وقال بعض الأجلة انظر إلى اتصال قوله تعالى: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ [الواقعة: ١٠] بقوله سبحانه: فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ [الرحمن: ٣٧] وأنه اقتصر في الرحمن على ذكر انشقاق السماء، وفي الواقعة على ذكر رج الأرض فكأن السورتين لتلازمهما واتحادهما سورة واحدة فذكر في كل شيء، وقد عكس الترتيب فذكر في أول هذه ما في آخر تلك وفي آخر هذه ما في أول تلك فافتتح في سورة الرحمن بذكر القرآن، ثم ذكر الشمس والقمر، ثم ذكر النبات، ثم خلق الإنسان والجان، ثم صفة يوم القيامة، ثم صفة النار، ثم صفة الجنة، وهذه ابتداؤها بذكر القيامة، ثم صفة الجنة، ثم صفة النار ثم خلق الإنسان، ثم النبات، ثم الماء، ثم النار، ثم ذكرت النجوم ولم تذكر في الرحمن كما لم يذكر هنا الشمس والقمر، ثم ذكر الميزان فكانت هذه كالمقابلة لتلك وكالمتضمنة لرد العجز على الصدر، وجاء في فضلها آثار.
أخرج أبو عبيد في فضائله وابن الضريس والحارث بن أبي أسامة وأبو يعلى وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: «سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا»
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس نحوه مرفوعا، وأخرج ابن مردويه عن أنس عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «سورة الواقعة سورة الغنى فاقرؤوها وعلموها أولادكم».
وأخرج الديلمي عنه مرفوعا «علموا نساءكم سورة الواقعة فإنها سورة الغنى»