
الإحسان إلّا الإحسان، وقال: هل تدرون ما قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة» أخرجه ابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقي،
وروى عن ابن عباس «هل جزاء من قال: لا إله إلا الله فى الدنيا إلا الجنة فى الآخرة؟».
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٦٢ الى ٧٨]
وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (٦٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٣) مُدْهامَّتانِ (٦٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٥) فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (٦٦)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٧) فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٩) فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (٧٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧١)
حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (٧٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٣) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٧٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٥) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (٧٦)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٧) تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٧٨)
تفسير المفردات
ومن دونهما: أي من ورائهما وأقل منهما، مدهامتان: أي خضراوان بسواد لأن الخضرة إذا اشتدت ضربت إلى السواد من كثرة الري بالماء ونحوه، نضاختان:
أي فوارتان بالماء، والنضخ: فوران الماء، حور واحدتهن حوراء: أي بيضاء.
قال ابن الأثير: الحوراء هى الشديدة بياض العين والشديدة سوادها، خيرات: أي

خيّرات بالتشديد فخفف كما
جاء فى الحديث «هينون لينون»
، مقصورات فى الخيام:
أي مخدّرات، يقال امرأة قصيرة ومقصورة: أي مخدرة ملازمة بيتها لا تطوف فى الطرق. قال قيس بن الأسلت:
وتكسل عن جاراتها فيزرنها | وتعتلّ من إتيانهن فتعذر |
المعنى الجملي
هذا تتميم لوصف الجنات بما يشوق الراغبين فيها، ليعملوا ما يوصلهم إليها، ويرضى ربهم عنهم، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
الإيضاح
(وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ. مُدْهامَّتانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي ومن وراء هاتين الجنتين وأقل منهما فضلا جنتان تنبتان النبات والرياحين الخضراء التي تضرب إلى السواد من شدة خضرتها، لكثرة الري، وأما الجنتان السابقتان ففيهما أشجار وفواكه، وفرق ما بين الحالين، فبأى هذه النعم تكذبان وهى نعم واضحة لا تجحد ولا تنكر.
قال الحسن: الأوليان للسابقين والأخريان للتابعين لهم.
وعن أبى أيوب الأنصاري قال: «سألت النبي صلّى الله عليه وسلّم عن قوله مدهامتان؟ قال: خضراوان» أخرجه الطبراني وابن مردويه. صفحة رقم 128

(فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) النضح كالرش فهو دون الجري، ومن ثم قال البراء بن عازب فيما أخرجه عنه ابن المنذر وابن أبى حاتم: «العينان اللتان تجريان خير من النضاختين».
أي فيهما عينان تفوران بالماء. وقال مجاهد: نضاختان بالخير والبركة.
(فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) خص النخل والرمان مع دخولهما فى الفاكهة، تنبيها إلى ما لهما من ميزة عن غيرهما من الفواكه، لأنهما يوجدان فى الخريف والشتاء، ولأنهما فاكهة وإدام، وقد جاء مثل هذا فى قوله تعالى:
«حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى» وقوله: «وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ».
(فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي فى تلك الجنات نساء خيّرات الأخلاق، حسان الوجوه.
روى الحسن عن أمه عن أم سلمة قالت: «قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم:
يا رسول الله أخبرنى عن قوله تعالى خيرات حسان؟ قال: خيّرات الأخلاق حسان الوجوه».
وقال الرازي: فى باطنهن الخير، وفى ظاهرهن الحسن. وروى أن الحور يغنّين:
نحن الخيّرات الحسان، خلقن لأزواج كرام.
(حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي وهؤلاء الخيّرات الحسان واسعات العيون مع صفاء البياض حول السواد، محبوسات فى الحجال، فلسن بطوّافات فى الطرقات، والعرب يمدحون النساء الملازمات للبيوت للدلالة على شدة الصيانة.
(لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) تقدم الكلام فى نظيره قبل.
(٩- مراغى- السابع والعشرون)

(مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي وهم يتكئون على ثياب ناعمة وفرش رقيقة النسج من الديباج، ووسائد عظيمة، وبسط لها أطراف فاخرة، غاية فى كمال الصنعة وحسن المنظر.
(تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) أي تعالى ربك ذو الجلال والعظمة والتكريم على ما أنعم به وتفضل من نعم غوال، ومنن عظام.
وهذا تعليم منه لعباده بأن كل هذا من رحمته، فهو قد خلق السماء والأرض والجنة والنار، وعذّب العاصين، وأثاب المطيعين، وآتاهم من فضله ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
سورة الواقعة
هى مكية إلا قوله: «أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ. وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ» فمدنية، وآيها ست وتسعون، نزلت بعد طه.
ووجه مناسبتها ما قبلها:
(١) أن فى كل منهما وصف القيامة والجنة والنار.
(٢) أنه ذكر فى السورة السابقة عذاب المجرمين ونعيم المتقين، وفاضل بين جنتى بعض المؤمنين وجنتى بعض آخر منهم، وبين هنا انقسام المكلفين إذ ذاك إلى أصحاب ميمنة وأصحاب مشأمة وسابقين.
(٣) أنه ذكر فى سورة الرحمن انشقاق السماء، وذكر هنا رجّ الأرض، فكأنّ السورتين لتلازمهما واتحادهما موضوعا سورة واحدة مع عكس فى الترتيب، فقد ذكر فى أول هذه ما فى آخر تلك، وفى آخر هذه ما فى أول تلك.