
البيان الذي عَلّمه الإنسان، فمن ذلك البيان: كونُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ: وهذا ابتداء تعديد نِعَمٍ، قال قتادة «١» : بِحُسْبانٍ: مصدر كالحساب، وقال أبو عبيدةَ معمر بن المثنى والضَّحَّاك «٢» : هو جمع حساب، والمعنى: أَنَّ هذين لهما في طلوعهما وغروبهما وقطعهما البروجَ وغيرِ ذلك حساباتٌ شَتَّى، وهذا مذهب ابن عباس وغيرِهِ «٣»، وقال قتادة:
الحسبان «٤» : الفلك المستدير، شَبَّهَهُ بحُسْبَان الرَّحَى، وهو العود المستدير الذي باستدارته تستدير المطحنة.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٦ الى ١٣]
وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (٧) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩) وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠)
فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣)
وقوله سبحانه: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ قال ابن عباس وغيره «٥» : النجم: النباتُ الذي لا ساقَ له. قال ع «٦» : وسُمِّيَ نَجْماً لأَنَّه نَجَمَ، أي: ظَهَر، وهو مناسب للشجر نسبةً بَيِّنَةً، وقال مجاهد وغيره: النجم: اسم الجنس من نجوم السماء «٧» : قال- عليه السلام «٨» -: والنسبة التي لها من السَّمَاءِ هي التي للشَّجَرِ من الأرض لأَنَّهُمَا في ظاهرهما، وسُمِّيَ الشَّجَرَ من اشتجار غصونه، وهو تداخُلُها، قال مجاهد «٩» : وسجودهما عبارة عن التذلّل والخضوع.
(٢) ذكره ابن عطية (٥/ ٢٢٤).
(٣) أخرجه الطبري (١١/ ٥٧٣) برقم: (٣٢٨٦٠)، وذكره البغوي (٤/ ٢٦٧)، وابن عطية (٥/ ٢٢٤)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ١٩٠)، وعزاه للفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه.
(٤) أخرجه الطبري (١١/ ٥٧٤) عن مجاهد برقم: (٣٢٨٦٧).
(٥) أخرجه الطبري (١١/ ٥٧٥) برقم: (٣٢٨٦٩)، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٢٤)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٧٠)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ١٩١)، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ في «العظمة» عن ابن رزين، والحاكم وصححه.
(٦) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٢٤).
(٧) أخرجه الطبري (١١/ ٥٧٥) برقم: (٣٢٨٧٣)، وذكره البغوي (٤/ ٢٦٧)، وابن عطية (٥/ ٢٢٤)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٧٠)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ١٩١)، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر.
(٨) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٢٤). [.....]
(٩) ذكره ابن عطية (٥/ ٢٢٤).

وقوله سبحانه: وَوَضَعَ/ الْمِيزانَ: يريد به العدل قاله أكثرُ الناسَ.
وقوله: أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ وقوله: وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ، وقوله: وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ يريد به الميزانَ المعروفَ وأَلاَّ هو بتقدير لئلاَّ، أو مفعول من أجله، وفي مصحف ابن مسعود «١» :«لاَ تَطْغَوا في المِيزَانِ» وقرأ بلال بن أبي بُردَةَ «٢» :«تَخْسِرُوا» - بفتح التاء وكسر السين- من خَسَرَ، ويقال: خَسَرَ وَأَخْسَرَ بمعنى نَقَصَ، وأفسد كَجَبَرَ وأَجْبَرَ.
والأنام: قال الحسن بن أبي الحَسَنِ «٣» : هم الثقلان، الإنْسُ والْجِنُّ، وقال ابن عباس، وقتادة وابن زيد والشَّعْبِيُّ «٤» : هم الحيوانُ كلُّه.
وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ وذلك أَنَّ طَلْعَهَا في كُمٍّ وفروعَها أيضاً في أكمامٍ مِنْ ليفِهَا، والكُمُّ من النَّبَاتِ: كلُّ ما التف على شَيْءٍ وَسَتَرَهُ: ومنه كمائم الزَّهْرِ، وبه شُبِّهَ كُمُّ الثوب.
وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ: هو الْبُرُّ والشَّعِيرُ وما جرى مجراه، قال ابن عباس «٥» :
العَصْفُ: التِّبْنُ، واخْتُلِفَ في الرَّيْحَان، فقال ابن عَبَّاس وغيره «٦» : هو الرِّزْق، وقال الحسن: هو رَيْحَانُكُمْ «٧» هذا، وقال ابن زيد وقتادة «٨» : الريحانُ هو كلّ مشموم طيّب، قال
(٢) ينظر: «الشواذ» ص: (١٤٩)، و «المحتسب» (٢/ ٣٠٣)، و «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٢٥)، و «البحر المحيط» (٨/ ١٨٨)، و «الدر المصون» (٦/ ٢٣٧).
(٣) أخرجه الطبري (١١/ ٥٧٧) برقم: (٣٢٨٩٣)، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٢٥)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ١٩٢)، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر.
(٤) أخرجه الطبري (١١/ ٥٧٧) برقم: (٣٢٨٩١)، عن ابن عبّاس، وعن قتادة برقم: (٣٢٨٩٥)، وعن ابن زيد (١١/ ٥٧٨) برقم: (٣٢٨٩٦)، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٢٥)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٧٠)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ١٩٢)، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٥) أخرجه الطبري (١١/ ٥٧٧) برقم: (٣٢٩٠٤)، وذكره البغوي (٤/ ٢٦٨)، وابن عطية (٥/ ٢٢٥)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٧١)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ١٩٢)، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٦) أخرجه الطبري (١١/ ٥٨٠) برقم: (٣٢٩١٥)، وذكره البغوي (٤/ ٢٦٨)، وابن عطية (٥/ ٢٢٥)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ١٩٢)، وعزاه لابن جرير.
(٧) أخرجه الطبري (١١/ ٥٨٠) برقم: (٣٢٩٢٢)، وذكره البغوي (٤/ ٢٦٨)، وابن عطية (٥/ ٢٢٥)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٧١)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ١٩٢)، وعزاه لابن جرير.
(٨) أخرجه الطبري (١١/ ٥٨٠) برقم: (٣٢٩٢٣)، عن ابن زيد، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٢٥).