آيات من القرآن الكريم

فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
ﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡ

شواظ من نار ونحاس وإنما حقّ ذلك أن يذكر بعد تعديد النعم، والجواب عن الأول أنه قيل: معناه أن السماء تتلوّن من الفزع الأكبر كما تتلوّن الدهان المختلفة وأن الدهان جمع دهن فهو كقوله تعالى:
يوم تكون السماء كالمهل فيمن قال: المهل الزيت المغلي وقيل الدهان الجلد الأحمر، وأما الجواب عن الثاني فإن من أنذرك وخوفك من عاقبة ما تصير إليه فقد أنعم عليك، ألا تراه سبحانه قد قال: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، وقد علمنا أنه بعث بشيرا لمن آمن ونذيرا لمن كفر فجعل الإنذار رحمة كما جعل التبشير وكذا كل من عليها فان، فإذا انشقّت السماء، فيه إنعام على الخلق حيث أعلمهم بما كانوا يجهلونه وحذّرهم بما يصيرون إليه وقد جعل سبحانه التحذير رأفة بقوله:
ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٤٦ الى ٦١]
وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٧) ذَواتا أَفْنانٍ (٤٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٩) فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (٥٠)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥١) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (٥٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٣) مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (٥٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٥)
فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٥٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٧) كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (٥٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٩) هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (٦٠)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦١)

صفحة رقم 412

اللغة:
(أَفْنانٍ) أغصان جمع فنن أو هي الأغصان الدقيقة التي تتفرغ من فروع الشجر، وخصّت بالذكر لأنها تورق وتثمر وتمدّ الظل.
(إِسْتَبْرَقٍ) ديباج غليظ والبطان جمع بطانة وهو باطن الظهارة وقيل إن الظهار من سندس وهو مارق من الديباج.
(جَنَى) الجنى: الثمرة التي قد أدركت على الشجرة.
(دانٍ) قريب يناله القائم والقاعد والنائم.
(قاصِراتُ الطَّرْفِ) المقصورة المحبوسة ويقال قصيرة وقصورة أي مخدّرة قال كثير:

وأنت التي حبّبت كل قصيرة إليّ ولم تشعر بذاك القصائر
عنيت قصيرات الحجال ولم أرد قصار الخطا شر النساء البحاتر
وقال امرؤ القيس:
من القاصرات الطرف لو دبّ محول من الذر فوق الأتب منها لأثرا
والطرف أصله مصدر فلذلك وحّد، والظاهر أنهنّ اللواتي يقصرن أعينهنّ على أزواجهنّ فلا ينظرن إلى غيرهم وقيل الطرف طرف غيرهنّ أي قصرن عيني من ينظر إليهنّ عن النظر إلى غيرهنّ.
(لَمْ يَطْمِثْهُنَّ) لم يفتضهن وهنّ من الحور أو من نساء الدنيا

صفحة رقم 413

المنشآت وفي المصباح: «طمث الرجل امرأته طمثا من بابي ضرب وقتل افتضّها وافترعها ولا يكون الطمث نكاحا إلا بالتدمية وعليه قوله تعالى: لم يطمثهنّ».
(الْياقُوتُ) جوهر نفيس أحمر اللون يقال أن النار لا تؤثر فيه قال:

ألقني في لظى فإن غيّرتني فتيقن أن لست بالياقوت
ومن خواصّه أنه يقطع جميع الحجارة إلا الماس فإنه يقطعه لصلابته وقلّة مائة وشدة الشعاع والثقل والصبر على النار، قال بعضهم في مليح اسمه ياقوت:
ياقوت ياقوت قلب المستهام به من المروءة أن لا يمنع القوت
سكنت قلبي وما تخشى تلهبه وكيف يخشى لهيب النار ياقوت
والمرجان صفار اللؤلؤ وهو أشدّ بياضا ويطلق على الآخر أيضا وسيأتي المزيد من سرّ هذا التشبيه في باب البلاغة.
الإعراب:
(وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) الواو عاطفة ولمن خبر مقدم وجملة خاف صلة من ومقام ربه مفعول به وهو يحتمل أن يكون اسم مكان وأن يكون مصدرا ميميا وعندئذ يحتمل معنيين الأول أنه بمعنى قيام الله عزّ وجلّ على الخلائق والثاني أنه بمعنى قيام الخلائق بين يديه تعالى وجنتان مبتدأ مؤخر والمراد جنة واحدة وإنما ثنّى مراعاة للفواصل، وعبارة الزمخشري «فإن قلت لم قال جنتان قلت: الخطاب للثقلين فكأنه قيل لكل خائفين منكما جنتان جنة للخائف الإنسي وجنة للخائف الجنّي ويجوز أن يقال جنة لفعل الطاعات وجنة لترك المعاصي» (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) تقدّم إعرابها (ذَواتا أَفْنانٍ) ذواتا صفة لجنتان وأفنان

صفحة رقم 414

مضاف إليه وخصّ الأفنان بالذكر لأنها هي التي تمرع وتورق ومنها تمتد الظلال وتجنى الثمار وقيل الأفنان أنواع النعيم وألوانه مما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين قال:

ومن كل أفنان اللذاذة والصبا لهوت به والعيش أخضر ناضر
وذات مؤنث ذو التي بمعنى صاحب، ولا تكون إلا مضافة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) تقدّم إعرابها (فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ) فيهما خبر مقدّم وعينان مبتدأ مؤخر وجملة تجريان نعت عينان أي في الأعالي والأسافل، والأقوال كثيرة في العينين ولعلّ ما أوردناه أقرب إلى المنطق (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) تقدم إعرابها (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ) فيهما خبر مقدّم ومن كل فاكهة حال لأنه كان في الأصل صفة لزوجان وتقدم وزوجان مبتدأ مؤخر أي صنفان وكلاهما مستلذ معذوذب (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) تقدم إعرابها (مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ) متكئين منصوب على المدح بفعل محذوف أو حال من قوله ولمن خاف لأن من فيها معنى الجمع وقيل العامل محذوف أي يتنعمون متكئين وعلى فرش متعلقان بمتكئين وبطائنها مبتدأ ومن إستبرق خبر والجملة صفة لفرش والواو حالية أو عاطفة وجنى مبتدأ والجنتين مضاف إليه ودان خبر وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) تقدم إعرابها (فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ) فيهنّ خبر مقدّم والضمير يعود على الجنتين وما اشتملتا عليه من قصور ومقاصير أو على الجنات المدلول عليها بقوله «ولمن خاف مقام ربه جنتان» وإذا كان لكل فرد من الخائفين جنتان فصحّ أنها جنات كثيرة، وقاصرات الطرف مبتدأ مؤخر ولم حرف نفي وقلب وجزم ويطمثهنّ فعل مضارع مجزوم بلم والجملة صفة لقاصرات الطرف لأن الإضافة لفظية فلا تتعرف ويجوز أن تكون

صفحة رقم 415

حالية لأن النكرة قد تخصصت بالإضافة وإنس فاعل وقبلهم ظرف زمان متعلق بيطمثهنّ، ولا جان عطف على إنس (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) تقدّم إعرابها (كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ) الجملة نعت لقاصرات الطرف أو حال منها وكأن واسمها والياقوت خبرها والمرجان عطف على الياقوت (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) تقدم إعرابها (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) هل حرف استفهام معناه الجحد والنفي وجزاء مبتدأ والإحسان مضاف إليه وإلا أداة حصر والإحسان خبر جزاء (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) تقدم إعرابها.
البلاغة:
١- في قوله «فيهنّ قاصرات الطرف» فن الإرداف وقد تقدم أنه أن يريد المتكلم معنى فلا يعبّر عنه بلفظه الموضوع له بل بلفظ هو ردف المعنى الخاص وتابعه قريب من لفظ المعنى الخاص قرب الرديف من الردف، والمعنى في الآية- كما قلنا- فيهنّ عفيفات قد قصرت عفّتهنّ طرفهن على بعولتهنّ، وعدل عن المعنى الخاص إلى لفظ الإرداف لأن كلّ من عفّ غضّ الطرف عن الطموح، فقد يمتد نظر الإنسان إلى شيء وتشتهيه نفسه ويعفّ عنه مع القدرة عليه لأمر آخر، وقصر طرف المرأة على بعلها أو قصر طرفها حياء وخفرا أو قصر عيني من ينظر إليهنّ عن النظر إلى غيرهنّ أمر زائد على العفّة لأن من لا يطمح طرفها لغير بعلها أو لا يطمح حياء وخفرا فإنها ضرورة تكون عفيفة، فكل قاصرة الطرف عفيفة وليست كل عفيفة قاصرة الطرف فلذلك عدل عن اللفظ الخاص إلى لفظ الإرداف.
٢- في قوله «كأنهنّ الياقوت والمرجان» تشبيه مرسل مجمل لوجود الأداة، أما وجه الشبه فهو الصفاء، وعن ابن مسعود رضي الله

صفحة رقم 416
إعراب القرآن وبيانه
عرض الكتاب
المؤلف
محيي الدين بن أحمد مصطفى درويش
الناشر
دار الإرشاد للشئون الجامعية - حمص - سورية ، (دار اليمامة - دمشق - بيروت) ، ( دار ابن كثير - دمشق - بيروت)
سنة النشر
1412 - 1992
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية