
ربكما تكذبان؟ يخرج من مجموع البحرين اللؤلؤ والمرجان، فبأى آلاء ربكما تكذبان؟ ولله جل جلاله في البحر عذبه وملحه السفن متى تجرى على سطح الماء وتتهادى كالعروس، هذه السفن المرفوعات الشراع في البحر كالجبال تغدو وتروح حاملة الخير والبركات، ولو شاء لجعل البحر ساكنا ولما استطاعت السفن أن تطفو على الماء، فبأى آلاء ربكما تكذبان؟
هو الذي خلق الموت والحياة، والحياة نعمة بلا شك، ولكن هل الموت نعمة؟ نعم الموت نعمة للمتقين فسينقلون من حياة التعب والنصب إلى حياة الهدوء والاستقرار والثواب الجزيل والعطاء الكثير، وهو للمرضى والمتعبين نعمة، وعلى العموم فالدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، والموت من أجل النعم على الخلق ولذا حكم الحي القيوم الباقي بعد فناء خلقه بأن كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون، كل شيء هالك إلا ذاته القدسية فإنها باقية، ويبقى ذات ربك ذي الجلال، والتعظيم والإكبار من خلقه، فبأى آلاء ربكما تكذبان؟!.
من نعم الله يوم القيامة [سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٢٩ الى ٤٥]
يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٠) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (٣٣)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٦) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (٣٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٨)
فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٠) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (٤١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣)
يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٥)

المفردات:
سَنَفْرُغُ المراد: سنقصد لمجازاتكم أو محاسبتكم الثَّقَلانِ: الجن والإنس، سميا بذلك لعظم شأنهما بسبب التكليف شُواظٌ: هو اللهب الذي لا دخان له وَنُحاسٌ: هو الدخان الذي لا لهب فيه فَلا تَنْتَصِرانِ: فلا تمتنعان انْشَقَّتِ السَّماءُ: انصدعت كَالدِّهانِ: جميع دهن بِسِيماهُمْ:
علامتهم بِالنَّواصِي: جمع ناصية وهي مقدم الرأس حَمِيمٍ: ماء حار آنٍ قيل: إنه واد في جهنم.
المعنى:
إن الله- جل جلاله- مصدر الوجود ومنشئه، وخالقه ومبدئه، فالكل منه وإليه، يسأله من في السموات والأرض بلسان الحال أو بلسان المقال سؤالا مستمرّا وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه بحيث لو تركهم لحظة واحدة لاختل النظام وانهدم الوجود، والله جل جلاله- كل يوم- والمراد كل وقت ولحظة- هو في شأن من شئون خلقه، فهو يعطى من سأل إذا شاء ويمنع من يسأل إذا شاء، وهو ينشئ خلقا، ويفنى آخرين، ويرفع قوما، ويخفض غيرهم،
وروى أن من شأنه أن يغفر ذنبا، ويفرج كربا، ويرفع قوما ويضع آخرين على أن شئون الإله لا يحيط بها وصف ولا يدركها حد، فهي

شئون صاحب الملك والملكوت الذي بيده الأمر، وإليه يرجع الأمر تبارك الله رب العالمين
، وإذا كان الأمر كذلك فبأى آلاء ربكما ونعمه تكذبان مما يجيب به سؤالكما أيها الثقلان؟
الله سبحانه لا يشغله شأن عن شأن، ولكن شئون العالم كله من حياة وموت ورزق وغيره ستنتهى يوم القيامة ويفرغ الحق- تبارك وتعالى- إلى جزاء المكلفين فقط سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ أى: سنحاسبكم لا يشغلنا شيء عن شيء، ولأتفرغن لكم يوم القيامة «١» فبأى آلاء ربكما تكذبان التي من جملتها التنبيه على ما سيلقاه الناس يوم القيامة تحذيرا عما يؤدى إلى سوء الحساب.
يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض، وتخرجوا من جوانبها هاربين من الله تعالى فاخرجوا منها، وخلصوا أنفسكم من عقابه عز وجل، لا تقدرون على النفوذ إلا بسلطان، أى: بقوة وقهر منكم وأنتم لا تقدرون على ذلك إذ أقطار السموات والأرض فوق ما يتصور الإنسان، ومن حاول الصعود إلى القمر أو صعد إليه أو إلى غيره، فإنه أشبه بذبابة تطير وسط الحجرة فقط!! فبأى آلاء ربكما تكذبان؟!.
وما الداعي إلى طلبهم الفرار ومحاولتهم له! ثم لا يقدرون! والجواب أنه يرسل عليكم أيها العصاة شواظ من نار، ولهب خالص، بلا دخان، يشبه النحاس في اللون فلا تقدرون على الامتناع مما يرسل عليكم، فبأى آلاء ربكما تكذبان؟ ولا شك أن التهديد بالعقاب، والتمييز بين المطيع والعاصي بالجزاء الكامل من عداد النعم الجليلة.
فإذا انشقت السماء وانصدعت يوم القيامة فكانت كالوردة في الحمرة، تذوب مع الانشقاق حتى تصير حمراء من حرارة نار جهنم، وتصير مثل الدهن لرقتها وذوبانها فبأى آلاء ربكما تكذبان؟ فيوم إذ تنشق السماء لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان لأنهم يعرفون بسيماهم، وهذا عند الخروج من القبر وما يدل على السؤال كقوله: فوربك لنسألنهم أجمعين: في موقف آخر وهو موقف الحساب.