آيات من القرآن الكريم

فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
ﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄ

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: (مَنْ) لِلْعُقَلَاءِ وَكُلُّ مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَعَ الْأَرْضِ فَانٍ، فَمَا فَائِدَةُ الِاخْتِصَاصِ بِالْعُقَلَاءِ؟ نَقُولُ: الْمُنْتَفِعُ بِالتَّخْوِيفِ هُوَ الْعَاقِلُ فَخَصَّهُ تَعَالَى بِالذِّكْرِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْفَانِي هُوَ الَّذِي فَنِيَ وَكُلُّ مَنْ عَلَيْهَا سَيَفْنَى فَهُوَ بَاقٍ بَعْدُ لَيْسَ بِفَانٍ، نَقُولُ كَقَوْلِهِ: إِنَّكَ مَيِّتٌ [الزُّمَرِ: ٣٠] وَكَمَا يُقَالُ لِلْقَرِيبِ إِنَّهُ وَاصِلٌ، وَجَوَابٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ وُجُودَ الْإِنْسَانِ/ عَرَضٌ وهو غير باق وما ليس بِبَاقٍ فَهُوَ فَانٍ، فَأَمْرُ الدُّنْيَا بَيْنَ شَيْئَيْنِ حُدُوثٍ وَعَدَمٍ، أَمَّا الْبَقَاءُ فَلَا بَقَاءَ لَهُ لِأَنَّ الْبَقَاءَ اسْتِمْرَارٌ، وَلَا يُقَالُ هَذَا تَثْبِيتٌ بِالْمَذْهَبِ الْبَاطِلِ الَّذِي هُوَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْجِسْمَ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ كَمَا قِيلَ فِي الْعَرَضِ، لِأَنَّا نَقُولُ قَوْلُهُ (مَنْ) بَدَلُ قَوْلِهِ (مَا) يَنْفِي ذَلِكَ التَّوَهُّمَ لِأَنِّي قُلْتُ: (مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) لَا بَقَاءَ لَهُ، وَمَا قُلْتُ: مَا عَلَيْهَا فَانٍ، وَمَنْ مَعَ كَوْنِهِ عَلَى الْأَرْضِ يَتَنَاوَلُ جِسْمًا قَامَ بِهِ أَعْرَاضٌ بَعْضُهَا الْحَيَاةُ وَالْأَعْرَاضُ غَيْرُ بَاقِيَةٍ، فَالْمَجْمُوعُ لَمْ يَبْقَ كَمَا كَانَ وَإِنَّمَا الْبَاقِي أَحَدُ جُزْأَيْهِ وَهُوَ الْجِسْمُ وَلَيْسَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ لَفْظَةُ (مَنْ)، فَالْفَانِي لَيْسَ مَا عَلَيْهَا وَمَا عَلَيْهَا لَيْسَ بِبَاقٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: مَا الْفَائِدَةُ فِي بَيَانِ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: فانٍ؟ نَقُولُ: فِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا: الْحَثُّ عَلَى الْعِبَادَةِ وَصَرْفِ الزَّمَانِ الْيَسِيرِ إِلَى الطَّاعَةِ، وَمِنْهَا: الْمَنْعُ مِنَ الْوُثُوقِ بِمَا يَكُونُ لِلْمَرْءِ فَلَا يَقُولُ: إِذَا كَانَ فِي نِعْمَةٍ إِنَّهَا لَنْ تَذْهَبَ فَيَتْرُكَ الرُّجُوعَ إِلَى اللَّهِ مُعْتَمِدًا عَلَى مَالِهِ وَمُلْكِهِ، وَمِنْهَا: الْأَمْرُ بِالصَّبْرِ إِنْ كَانَ فِي ضُرٍّ فَلَا يَكْفُرُ بِاللَّهِ مُعْتَمِدًا عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ ذَاهِبٌ وَالضُّرَّ زَائِلٌ، وَمِنْهَا: تَرْكُ اتِّخَاذِ الْغَيْرِ مَعْبُودًا وَالزَّجْرُ عَلَى الِاغْتِرَارِ بِالْقُرْبِ مِنَ الْمُلُوكِ وَتَرْكِ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ أَمْرَهُمْ إِلَى الزَّوَالِ قَرِيبٌ فَيَبْقَى الْقَرِيبُ مِنْهُمْ عَنْ قَرِيبٍ فِي نَدَمٍ عَظِيمٍ لِأَنَّهُ إِنْ مَاتَ قَبْلَهُمْ يَلْقَى اللَّهَ كَالْعَبْدِ الْآبِقِ، وَإِنْ مَاتَ الْمَلِكُ قَبْلَهُ فَيَبْقَى بَيْنَ الْخَلْقِ وَكُلُّ أَحَدٍ يَنْتَقِمُ مِنْهُ وَيَتَشَفَّى فِيهِ، وَيَسْتَحِي مِمَّنْ كَانَ يَتَكَبَّرُ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَا جَمِيعًا فَلِقَاءُ اللَّهِ عَلَيْهِ بَعْدَ التوفي في غاية الصعوبة، ومنها: حسن التَّوْحِيدِ وَتَرْكُ الشِّرْكِ الظَّاهِرِ وَالْخَفِيِّ جَمِيعًا لِأَنَّ الفاني لا يصلح لأن يعبد. ثم قال تعالى:
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٢٧ الى ٢٨]
وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٨)
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْوَجْهُ يُطْلَقُ عَلَى الذَّاتِ وَالْمُجَسِّمُ يَحْمِلُ الْوَجْهَ عَلَى الْعُضْوِ وَهُوَ خِلَافُ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ أَعْنِي الْقُرْآنَ لِأَنَّ قَوْلُهُ تَعَالَى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: ٨٨] يدل على أن لَا يَبْقَى إِلَّا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى، فَعَلَى الْقَوْلِ الْحَقِّ لَا إِشْكَالَ فِيهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَبْقَى غَيْرُ حَقِيقَةِ اللَّهِ أَوْ غَيْرُ ذَاتِ اللَّهِ شَيْءٌ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَعَلَى قَوْلِ الْمُجَسِّمِ يَلْزَمُ أَنْ لَا تَبْقَى يَدُهُ الَّتِي أَثْبَتَهَا وَرِجْلُهُ الَّتِي قَالَ بِهَا، لَا يُقَالُ: فَعَلَى قَوْلِكُمْ أَيْضًا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَبْقَى عِلْمُ اللَّهِ وَلَا قُدْرَةُ اللَّهِ، لِأَنَّ الْوَجْهَ جَعَلْتُمُوهُ ذَاتًا، وَالذَّاتُ غَيْرُ الصِّفَاتِ فَإِذَا قُلْتَ: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا حَقِيقَةَ اللَّهِ خَرَجَتِ الصِّفَاتُ عَنْهَا فَيَكُونُ قَوْلُكُمْ نَفْيًا لِلصِّفَاتِ، نَقُولُ: الْجَوَابُ عَنْهُ بِالْعَقْلِ وَالنَّقْلِ، أَمَّا النَّقْلُ فَذَلِكَ أَمْرٌ يُذْكَرُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَأَمَّا الْعَقْلُ فَهُوَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: لَمْ يَبْقَ لِفُلَانٍ إِلَّا ثَوْبٌ يَتَنَاوَلُ الثَّوْبَ وَمَا قَامَ بِهِ مِنَ اللَّوْنِ وَالطُّولِ وَالْعَرْضِ، وَإِذَا قَالَ: لَمْ يَبْقَ إِلَّا كُمُّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ جَيْبِهِ وَذَيْلِهِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُنَا: يَبْقَى ذَاتُ اللَّهِ تَعَالَى يَتَنَاوَلُ صِفَاتِهِ وَإِذَا قُلْتُمْ: لَا يَبْقَى غَيْرُ وَجْهِهِ بِمَعْنَى الْعُضْوِ يَلْزَمُهُ أَنْ لَا تَبْقَى يَدُهُ.

صفحة رقم 355

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فَمَا السَّبَبُ فِي حُسْنِ إِطْلَاقِ لَفْظِ الْوَجْهِ عَلَى الذَّاتِ؟ نَقُولُ: إِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ عُرْفِ النَّاسِ، فَإِنَّ الْوَجْهَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعُرْفِ لِحَقِيقَةِ الْإِنْسَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا رَأَى وَجْهَ غَيْرِهِ يَقُولُ: رَأَيْتُهُ، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ الْوَجْهِ مِنَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مَثَلًا لَا يَقُولُ: رَأَيْتُهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اطِّلَاعَ الْإِنْسَانَ عَلَى حَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ يَحْصُلُ بِالْحِسِّ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا رَأَىَ شَيْئًا عَلِمَ مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ حَالَ غَيْبَتِهِ، لِأَنَّ الْحِسَّ لَا يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ الْمَرْئِيِّ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ إِنَّ الْحِسَّ يُدْرِكُ وَالْحَدْسَ يَحْكُمُ فَإِذَا رَأَىَ شَيْئًا بِحِسِّهِ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِأَمْرٍ بِحَدْسِهِ، لَكِنَّ الْإِنْسَانَ اجْتَمَعَ فِي وَجْهِهِ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ كُلُّ وَاحِدٍ يَدُلُّ عَلَى أَمْرٍ، فَإِذَا رَأَى الْإِنْسَانُ وَجْهَ الْإِنْسَانِ حَكَمَ عَلَيْهِ بِأَحْكَامٍ مَا كَانَ يَحْكُمُ بِهَا لَوْلَا رُؤْيَتُهُ وَجْهَهُ، فَكَانَ أَدَلَّ عَلَى حَقِيقَةِ الْإِنْسَانِ وَأَحْكَامِهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَاسْتُعْمِلَ الْوَجْهُ فِي الْحَقِيقَةِ فِي الْإِنْسَانِ ثُمَّ نُقِلَ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَجْسَامِ، ثم نقل لي مَا لَيْسَ بِجِسْمٍ، يُقَالُ فِي الْكَلَامِ هَذَا وَجْهٌ حَسَنٌ وَهَذَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْوَجْهَ مِنَ الْمُوَاجَهَةِ كَمَا هُوَ الْمَسْطُورُ فِي الْبَعْضِ مِنَ الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ إِذِ الْأَمْرُ عَلَى الْعَكْسِ، لِأَنَّ الْفِعْلَ مِنَ الْمَصْدَرِ وَالْمَصْدَرَ مِنَ الِاسْمِ الْأَصْلِيِّ وَإِنْ كَانَ بِالنَّقْلِ، فَالْوَجْهُ أَوَّلُ مَا وُضِعَ لِلْعُضْوِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ وَاشْتُقَّ مِنْهُ غَيْرُهُ، وَيَعْرِفُ ذَلِكَ الْعَارِفُ بِالتَّصْرِيفِ الْبَارِعِ فِي الْأَدَبِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَ: وَيَبْقَى رَبُّكَ أَوِ اللَّهُ أَوْ غَيْرُهُ فَحَصَلَتِ الْفَائِدَةُ مِنْ غَيْرِ وُقُوعٍ فِي توهم ما هو ابتدع، نَقُولُ: مَا كَانَ يَقُومُ مَقَامَ الْوَجْهِ لَفَظٌ آخَرُ وَلَا وَجْهَ فِيهِ إِلَّا مَا قَالَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ سَائِرَ الْأَسْمَاءِ الْمَعْرُوفَةِ لِلَّهِ تَعَالَى أَسْمَاءُ الْفَاعِلِ كَالرَّبِّ وَالْخَالِقِ وَاللَّهُ عِنْدَ الْبَعْضِ بِمَعْنَى الْمَعْبُودِ، فَلَوْ قَالَ: وَيَبْقَى رَبُّكَ رَبُّكَ، وَقَوْلُنَا: رَبُّكَ مَعْنَيَانِ عِنْدَ الِاسْتِعْمَالِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُقَالَ: شَيْءٌ مِنْ كُلِّ رَبِّكَ، ثَانِيهِمَا أَنْ يُقَالَ: يَبْقَى رَبُّكَ مَعَ أَنَّهُ حَالَةَ الْبَقَاءِ رَبُّكَ فَيَكُونُ الْمَرْبُوبَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: يَبْقَى الْخَالِقُ وَالرَّازِقُ وَغَيْرُهُمَا.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: مَا الْحِكْمَةُ فِي لَفْظِ الرَّبِّ وَإِضَافَةِ الْوَجْهِ إِلَيْهِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [الْبَقَرَةِ: ١١٥] وَقَالَ: يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ [الرُّومِ: ٣٨] نَقُولُ: الْمُرَادُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ هُوَ الْعِبَادَةُ. أَمَّا قَوْلُهُ: فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ هُنَاكَ الصَّلَاةُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَالْمَذْكُورُ هُوَ الزَّكَاةُ قَالَ تَعَالَى مِنْ قَبْلُ: فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ [الرُّومِ: ٣٨] ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ [الروم: ٣٨] وَلَفْظُ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى الْعِبَادَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَعْبُودُ، وَالْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ النِّعَمُ الَّتِي بِهَا تَرْبِيَةُ الْإِنْسَانِ فَقَالَ: وَجْهُ رَبِّكَ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: الْخِطَابُ بِقَوْلِهِ: رَبِّكَ مَعَ مَنْ؟ نَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعَ كُلِّ أَحَدٍ كَأَنَّهُ يَقُولُ: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ أَيُّهَا السَّامِعُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ قَالَ: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ خِطَابًا مَعَ الِاثْنَيْنِ، وَقَالَ: وَجْهُ رَبِّكَ خِطَابًا مَعَ الْوَاحِدِ؟ نَقُولُ: عِنْدَ قَوْلِهِ: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ وَقَعَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى فَنَاءِ كُلِّ أَحَدٍ، وَبَقَاءِ اللَّهِ فَقَالَ/ وَجْهُ ربك أي يا أَيُّهَا السَّامِعُ فَلَا تَلْتَفِتْ إِلَى أَحَدٍ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ عَدَاهُ فَانٍ، وَالْمُخَاطِبُ كَثِيرًا مَا يَخْرُجُ عَنِ الْإِرَادَةِ فِي الْكَلَامِ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ: لِمَنْ يَشْكُو إِلَيْكَ مِنْ أَهْلِ مَوْضِعٍ سَأُعَاقِبُ لِأَجْلِكَ كُلَّ مَنْ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ يَخْرُجُ الْمُخَاطِبُ عَنِ الْوَعِيدِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَوْضِعِ فَقَالَ: وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ لِيُعْلِمَ كُلَّ أَحَدٍ أَنَّ غَيْرَهُ فَانٍ، وَلَوْ قَالَ: وَجْهُ رَبِّكُمَا لَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يُخْرِجُ نَفْسَهُ وَرَفِيقَهُ الْمُخَاطَبَ مِنَ الْفَنَاءِ، فَإِنْ قُلْتَ: لَوْ قَالَ وَيَبْقَى وَجْهُ الرَّبِّ مِنْ غَيْرِ خِطَابٍ كَانَ أَدَلَّ عَلَى فَنَاءِ الْكُلِّ؟
نَقُولُ: كَأَنَّ الْخِطَابَ فِي الرَّبِّ إِشَارَةٌ إِلَى اللُّطْفِ وَالْإِبْقَاءَ إِشَارَةٌ إِلَى الْقَهْرِ، وَالْمَوْضِعُ مَوْضُعُ بَيَانِ اللُّطْفِ وَتَعْدِيدِ

صفحة رقم 356
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية