آيات من القرآن الكريم

وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮ

[سُورَة الرَّحْمَن (٥٥) : آيَة ٢٤]

وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤)
الْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ [الرَّحْمَن: ٢٢] لِأَنَّ هَذَا مِنْ أَحْوَالِ الْبَحْرِينِ وَقَدْ أَغْنَتْ إِعَادَةُ لَفْظِ الْبَحْرِ عَنْ ذِكْرِ ضَمِيرِ الْبَحْرِينِ الرَّابِطِ لِجُمْلَةِ الْحَالِ بِصَاحِبِهَا.
وَاللَّامُ لِلْمِلْكِ وَهُوَ مِلْكُ تَسْخِيرِ السَّيْرِ فِيهَا، قَالَ تَعَالَى: وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيَاحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا [الشورى: ٣٢- ٣٤]. فَالْمَعْنَى: أَنَّ الْجَوَارِيَ فِي الْبَحْرِ فِي تَصَرُّفِهِ تَعَالَى، قَالَ تَعَالَى: وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ [الْحَج: ٦٥].
وَالْإِخْبَارُ عَنِ الْجَوَارِي بِأَنَّهَا لَهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ إِنْشَاءَ الْبَحْرِ لِلسُّفُنِ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ ملك الله.
والجوار صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ مُتَعَلِّقُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: فِي الْبَحْرِ.
وَالتَّقْدِيرُ: السُّفُنُ الْجَوَارِي إِذْ لَا يَجْرِي فِي الْبَحْرِ غَيْرُ السُّفُنِ.
وَكُتِبَ فِي الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ الْجَوارِ بِرَاءٍ فِي آخِرِهِ دُونَ يَاءٍ وَقِيَاسُ رَسْمِهِ أَنْ يَكُونَ
بِيَاءٍ فِي آخِرِهِ، فَكُتِبَ بِدُونَ يَاءٍ اعْتِدَادًا بِحَالَةِ النُّطْقِ بِهِ فِي الْوَصْلِ إِذْ لَا يَقِفُ الْقَارِئُ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ قُرَاهُ جَمِيعُ الْعَشَرَةِ بِدُونَ يَاءٍ فِي حَالَةِ الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ لِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَيْهِ نَادِرٌ فِي حَالِ قِرَاءَةِ الْقَارِئِينَ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ الْمُنْشَآتُ بِفَتْحِ الشِّينِ، فَهُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ، إِذَا أُوجِدَ وَصُنِعَ، أَيِ الَّتِي أَنْشَأَهَا النَّاسُ بِإِلْهَامٍ مِنَ اللَّهِ فَحَصَلَ مِنَ الْكَلَامِ مِنَّتَانِ مِنَّةُ تَسْخِيرِ السُّفُنِ لِلسَّيْرِ فِي الْبَحْرِ وَمِنَّةُ إِلْهَامِ النَّاس لإنشائها.
وقرأه حَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ بِكَسْرِ الشِّينِ فَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ.
فَيَجُوزُ أَن يكون المنشئات مُشْتَقًّا مَنْ أَنْشَأَ السَّيْرُ إِذَا أَسْرَعَ، أَيِ الَّتِي يَسِيرُ بِهَا النَّاسُ سَيْرًا سَرِيعًا. قَالَ مُجَاهِد: المنشئات الَّتِي رُفِعَتْ قُلُوعُهَا. وَالْآيَةُ تَحْتَمِلُ الْمَعْنَيَيْنِ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِاسْتِعْمَالِ الْاِشْتِقَاقِ فِي مَعْنَيَيِ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ

صفحة رقم 251
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية