
أنه منكور غير معروف ولا مرئي مثله. قال الخليل: النكر: نعت للأمر الشديد والرجل الداهية. وقال مالك بن عوف النصري: [الرجز]
أقدم محاج إنه يوم نكر... مثلي على مثلك يحمى ويكر
ونكر فعل وهو صفة، وذلك قليل في الصفات، ومنه مشية سجح وقال الشاعر [حسان بن ثابت الأنصاري] :[البسيط]
دعوا التخاجؤ وامشوا مشية سجحا... إن الرجال ذوو عصب وتذكير
ومنه رجل شلل وناقة أجد.
وقرأ جمهور القراء: «خشعا» وهي قراءة الأعرج وأبي جعفر وشيبة والحسن وقتادة. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: «خاشعا»، وهي قراءة ابن عباس وابن جبير ومجاهد والجحدري، وهو إفراد بمعنى الجمع، ونظيره قول الشاعر [الحارث بن أوس الإيادي] :[الرمل]
وشباب حسن أوجههم... من إياد بن نزار بن معد
ورجح أبو حاتم هذه القراءة وذكر أن رجلا من المتطوعة قال قبل أن يستشهد: رأيت النبي ﷺ في النوم فسألته عن «خشعا وخاشعا» فقال: «خاشعا» بالألف، وفي مصحف أبيّ بن كعب وعبد الله: «خاشعة».
وخص الأبصار بالخشوع لأنه فيها أظهر منه في سائر الجوارح، وكذلك سائر ما في نفس الإنسان من حياء أو صلف أو خوف ونحوه إنما يظهر في البصر. و: الْأَجْداثِ جمع جدث وهو القبر، وشبههم بالجراد المنتشر، وقد شبههم في أخرى ب الفراش الْمَبْثُوثِ [القارعة: ٤]، وفيهم من كل هذا شبه، وذهب بعض المفسرين إلى أنهم أولا كالفراش حين يموجون بعض في بعض ثم في رتبة أخرى كالجراد إذا توجهوا نحو المحشر والداعي، وفي الحديث: إن مريم بنت عمران دعت للجراد فقالت: اللهم اعشها بغير رضاع وتابع بينها بغير شباع.
والمهطع: المسرع في مشيه نحو الشيء مع هز ورهق ومد بصر نحو المقصد، إما لخوف أو طمع أو نحوه، ويَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ لما يرون من مخايل هوله وعلامات مشقته.
قوله عز وجل:
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٩ الى ١٧]
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣)
تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (١٤) وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٦) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧)
سوق هذه القصة وعيد لقريش وضرب مثل لهم، وقوله: وَازْدُجِرَ إخبار من الله أنهم زجروا نوحا

بالسب والنجه والتخويف، قاله ابن زيد وقرأ: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ [الشعراء: ١١٦]، وذهب مجاهد إلى أن وَازْدُجِرَ من كلام قَوْمُ نُوحٍ، كأنهم قالوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ، والمعنى: استطير جنونا واستعر جنونا، وهذا قول فيه تعسف وتحكم.
وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم والأعرج والحسن «أني» بفتح الألف، أي «بأنه» كأن دعاءه كان هذا المعنى. وقرأ عاصم أيضا وابن أبي إسحاق وعيسى «إني» بكسر الألف كأن دعاءه كان هذا اللفظ قال سيبويه: المعنى قال إني.
وذهب جمهور المفسرين إلى أن المعنى أني قد غلبني الكفار بتكذيبهم وتخويفهم، انتصر لي منهم بأن تهلكهم، ويحتمل أن يريد: فانتصر لنفسك إذ كذبوا رسولك. ويؤيده قول ابن عباس إن المراد بقوله:
لمن كان كفر الله تعالى، فوقعت الإجابة على نحو ما دعا نوح عليه السلام، وذهبت المتصوفة إلى أن المعنى: إني قد غلبتني نفسي في إفراطي في الدعاء على قومي فانتصر مني يا رب بمعاقبة إن شئت.
والقول الأول هو الحق إن شاء الله يدل على ذلك اتصال قوله: فَفَتَحْنا الآية، وذلك هو الانتصار من الكفار.
وقرأ جمهور القراء: «ففتحنا» بتخفيف التاء. وقرأ ابن عامر وأبو جعفر والأعرج: «ففتّحنا» بشدها على المبالغة ورجحها أبو حاتم لقوله تعالى: مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ [ص: ٥٠]، قال النقاش: يعني بالأبواب المجرة وهي شرج السماء كشرج العبية، وقال قوم من أهل التأويل: الأبواب حقيقة فتحت في السماء أبواب جرى منها الماء. وقال جمهور المفسرين: بل هو مجاز وتشبيه، لأن المطر كثر كأنه من أبواب. والمنهمر الشديد الوقوع الغزير. قال امرؤ القيس: [الرمل]
راح تمريه الصبا ثم انتحى | فيه شؤبوب جنوب منهمر |
وقوله: عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ قال فيه الجمهور على رتبة وحالة قد قدرت في الأزل وقضيت. وقال جمهور من المتأولين المعنى: على مقادير قد قدرت ورتبت وقت التقائه، ورووا أن ماء الأرض علا سبعة عشر ذراعا وكان ماء السماء ينزل عليه بقية أربعين ذراعا أو نحو هذا لأنه مما اختلفت فيه الروايات ولا خبر يقطع العذر في شيء من هذا التحرير. وقرأ أبو حيوة: «قدّر» بشد الدال. وذات الألواح والدسر: هي السفينة قيل كانت ألواحها وخشبها من ساج، والدسر: المسامير، واحدها: دسار، وهذا هو قول الجمهور، وهو عندي من الدفع المتتابع، لأن المسمار يدفع أبدا حتى يستوي. وقال الحسن وابن عباس أيضا:
الدسر: مقادم السفينة، لأنها تدسر الماء أي تدفعه. والدسر: الدفع. وقال مجاهد وغيره: نطق السفينة.
وقال أيضا: هو أرض السفينة. وقال أيضا: أضلاع السفينة، وقد تقدم القول في شرح قصة السفينة مستوعبا، وجمهور الناس على أنها كانت على هيئة السفن اليوم كجؤجؤ الطائر، وورد في بعض الكتب أنها صفحة رقم 214