آيات من القرآن الكريم

أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَٰئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ
ﯠﯡﯢﯣﯤﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴ ﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﯽﯾﯿﰀﰁ ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ ﰍﰎﰏﰐﰑ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵ

تهديد المشركين مع بيان عاقبة المتقين [سورة القمر (٥٤) : الآيات ٤٣ الى ٥٥]
أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (٤٦) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٤٧)
يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩) وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢)
وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (٥٥)
المفردات:
بَراءَةٌ المراد: سلامة من العذاب مكتوبة. فِي الزُّبُرِ: في الكتب.
أَدْهى مأخوذ من الداهية، وهي الأمر الفظيع الذي لا يهتدى للخلاص منه.
وَأَمَرُّ: أشد مرارة، والمراد أكثر صعوبة على النفس، وقيل المراد: أقوى.
وَسُعُرٍ المراد هنا: النيران المستعرة. مَسَّ سَقَرَ والمراد: ألمها وعذابها «١».
بِقَدَرٍ: بمقدار معين مكتوب. أَشْياعَكُمْ والمراد: أشباههم في الكفر من الأمم السابقة. مُسْتَطَرٌ أى: مسطور ومكتوب. مُقْتَدِرٍ أى: قادر عظيم.

(١) فالمس مجاز مرسل من الألم وعلاقته السببية، فإن مسها سبب للألم، وتعلق الذوق بمثل ذلك شائع في اللغة العربية.

صفحة رقم 575

المعنى:
لقد كذب الكفار بالنبوة، وكانوا كلما رأوا آية يعرضون ويقولون: سحر مستمر، فخوفهم الله بذكر أخبار الذين كذبوا بالآيات وأعرضوا عنها من الأمم الماضية، وطالبهم بالعبرة والموعظة مرارا، ثم أنحى عليهم باللائمة قائلا ما معناه: لم لا تخافون أن يحل بكم ما حل بغيركم؟ أأنتم أقل كفرا وعنادا من قوم عاد وثمود وقوم فرعون وإخوان لوط؟! حتى يصح لكم أن تأمنوا مكر الله بكم؟! بل أأعطاكم الله- عز وجل- براءة من عذابه مكتوبة حتى تكون حجة في أيديكم؟ بل أيقولون واثقين بشوكتهم: نحن جماعة أمرنا مجتمع لا يرام، ونحن جماعة جمعنا منصور لا يضام «١».
ولقد رد الله عليهم هذا الزعم الفاسد بقوله: سيهزم الجمع ويولون الدبر وقد روى عن عمر بن الخطاب أنه ما كان يعرف معنى هذه الآية وهو في مكة حتى وقعت غزوة بدر وسمعت النبي يقرأ هذه الآية، فعرفت تأويلها، وقد كانت من دلائل النبوة، فهزمت جموعهم، وولوا الأدبار، وليس هذا تمام عقوبتهم، بل الساعة موعد عذابهم، والساعة أدهى من ذلك العذاب الدنيوي وأمر.
ولا عجب أن يعذب الله الكفار في الدنيا والآخرة، فإن لله قانونا حكم به عباده لن يتخلف وهو: إن المجرمين المكذبين في ضلال عن الحق ونيران حامية مسعرة وهم يعذبون يوم يسحبون في النار على وجوههم إهانة لهم حالة كونهم يقال لهم تبكيتا وإيلاما: ذوقوا مس سقر. إنا خلقنا كل شيء خلقناه بقدر، أى: بتقدير منا وإحكام وعلم فكل فعل أو أى شيء يصدر في هذا الكون خيرا كان أو شرا إنما هو بقدر الله، وواقع بعلمه، وسيجازى عليه جزاء وافيا، ويدخل في ذلك أفعال العباد كلهم.
وليس هذا بكثير على قدرة الله وعلمه وإرادته، فما أمره- سبحانه وتعالى- إلا فعلة واحدة، وعلى نهج لا يختلف، وهو الإيجاد لجميع الأشياء بلا معالجة ولا تعب

(١) الاستفهام في الآية إنكارى وجميع خبر نحن، ومنتصر خبر لمحذوف تقديره: أمرنا أو جمعنا.

صفحة رقم 576

ولا مشقة بل بقوله للشيء: كن، فيكون كلمح البصر في السرعة والتنفيذ، وفي الحقيقة هذا تقريب للعقول في سرعة تعلق القدرة بالمقدور على وفق الإرادة الأزلية، ولقد أهلكنا أشياعكم وأشباهكم من الأمم السابقة فهل من مدكر؟ وكل شيء فعلوه في الدنيا مسجل عليهم في الزبر وصحائف الأعمال، وكل صغير وكبير من الأعمال مسطور ومكتوب في اللوح وعند الحفظة من الملائكة وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً!!
«١».
وهذه حال المتقين بعد حال الكافرين المذنبين ليظهر الفرق جليا بين الفريقين، وبهذا يتم الترهيب والترغيب.
إن الذين اتقوا الله فابتعدوا عن الكفر والمعاصي في جنات عظيمة الشأن، وأنهار تجرى في وسطها وهم في مقعد صدق، أى: مكان مرضى،
روى أن جعفر الصادق- رضى الله تعالى عنه- قال في هذه الآية: مدح الله المكان بالصدق، فلا يقعد عليه إلا أهل الصدق، وهو المقعد الذي يصدق الله فيه مواعيد أوليائه، ويتمتعون فيه بالنظر إلى وجهه الكريم، يقعدون فيه عند مليك مقتدر قادر عظيم القدرة،
وما أروع هذا التعبير حيث أفهم العندية والقرب، وذكر مليكا مقتدرا للإشارة إلى أن ملكه تعالى وقدرته لا تدركها الأفهام، ولا تحيط بها العقول والأبصار.

(١) - سورة الكهف آية ٤٩.

صفحة رقم 577
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية