آيات من القرآن الكريم

وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ
ﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝ

قوله تعالى: مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يعني: مقبلين إلى صوت إسرافيل يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ يعني: شديد عَسِر عليه. وروي في الخبر: «أنَّهُمْ إذا خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ، يَمْكِثُونَ وَاقِفِينَ أَرْبَعِينَ سَنَّةً» ويقال: مائة سنة، حتى يقولوا أرحنا من هذا، ولو إلى النار، ثم يؤمرون بالحساب.
ثم عزى نبيه صلّى الله عليه وسلم ليصبر على أذى قومه كما لقي الرسل من قومهم فقال: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ يعني: قبل قومك يا محمد قَوْمُ نُوحٍ حين أتاهم بالرسالة فَكَذَّبُوا عَبْدَنا نوحاً وَقالُوا مَجْنُونٌ يعني: قالوا لنوح: إنك مجنون وَازْدُجِرَ يعني: أوعد بالوعيد. ويقال:
صاحوا به حتى غشي عليه. وقال القتبي: وَازْدُجِرَ أي: زجر. وهو افتعل من ذلك، فلما ضاق صدره فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ يعني: مقهور فيما بينهم فَانْتَصِرْ يعني: أعني عليهم بالعذاب، فأجابه الله كما في سورة الصافات: وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٥٧) [الصافات: ٧٥].
قوله عز وجل: فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ يعني: طرق السماء بِماءٍ مُنْهَمِرٍ يعني:
منصباً كثيراً. وقال القتبي: بِماءٍ مُنْهَمِرٍ أي: كثير، سريع الانصباب. ومنه يقال: همر للرجل إذا كثر من الكلام، وأسرع فيه. قرأ ابن عامر: فَفَتَحْنا بتشديد التاء على تكثير الفعل. وقرأ الباقون: بالتخفيف، لأنها فتحت فتحاً واحدا.
قوله عز وجل: وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً يعني: أخرجنا من الأرض عيوناً مثل الأنهار الجارية فَالْتَقَى الْماءُ يعني: ماء السماء، وماء الأرض، عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ يعني: على وقت قد قضى وَحَمَلْناهُ يعني: حملنا نوحاً عَلى ذاتِ أَلْواحٍ يعني: على سفينة قد اتخذت بألواح وَدُسُرٍ يعني: سفينة قد شدت بالمسامير. وقال بعضهم: كانت سفينة نوح من صاج. وقال بعضهم: من خشب شمشار. ويقال: من الجوز. وقال القتبي: الدسر المسامير، واحدها دسار، وهي أيضاً الشريط الذي يشد بها السفينة.
ثم قال: تَجْرِي بِأَعْيُنِنا يعني: تسير السفينة بمنظر منا، وأمرنا. ويقال: بمراد وحفظ منا. وقال الزجاج في قوله: فَالْتَقَى الْماءُ ولم يقل الماءان، لأن الماء اسم لجميع ماء السماء، وماء الأرض. فلو قال: ماءان لكان جائزاً، لكنه لم يقل.
ثم قال: جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ يعني: الحمل على السفينة، ثواب لنوح الذي كفر به قومه. وقرأ بعضهم: جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ بالنصب يعني: الفرق عقوبة لمن كذب بالله تعالى، وبنوح.
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ١٥ الى ٢٠]
وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٦) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧) كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٨) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩)
تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠)

صفحة رقم 371

قوله تعالى: وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً أي: سفينة نوح أبقيناها عبرة للخلق. وقال بعضهم:
يعني: تلك السفينة بعينها كانت باقية على الجبل إلى قريب من خروج النبيّ صلّى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: يعني: جنس السفينة صارت عبرة، لأن الناس لم يعرفوا قبل ذلك سفينة، فاتخذت الناس السفن بعد ذلك في البحر، فلذلك كانت آية للناس.
ثم قال: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ يعني: هل من معتبر يعتبر بما صنع الله تعالى بقوم نوح، فيترك المعصية. ويقال: فهل من مذكر يتعظ بأنه حق، ويؤمن به. وقال أهل اللغة: أصل مدكر، مفتعل من الذكر، مذتكر، فأدغمت الذال في التاء، ثم قلبت دالاً مشددة.
ثم قال: فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ يعني: كيف رأيت عذابي، وإنذاري لمن أنذرهم الرُّسلُ، فلم يؤمنوا، والنذر بمعنى الإنذار.
قوله عز وجل: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ يعني: هوّنا القرآن لِلذِّكْرِ يعني: للحفظ.
ويقال: هونا قراءاته. وروى الحسن عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «لَوْلا قَوْلُ الله تَعَالَى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ما طاقت الألسن أن تتكلّم بِهِ» ويقال: هوناه لكي يذكروا به ثم قال: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ يعني: متعظ، يتعظ بما هون من قراءة القرآن. وروى الأسود عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنه قال: قرأت على النبيّ صلّى الله عليه وسلم فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ بالدال، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «فَهَلْ مِنْ مُذَّكِر» يعني: بالذال.
قوله تعالى: كَذَّبَتْ عادٌ يعني: كذبوا رسولهم هود فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ يعني:
أليس وجوده حقاً، ونذر جمع نذير قال القتبي: النذر جمع النذير، والنذير بمعنى الإنذار، مثل التنكير بمعنى الإنكار. يعني: كيف كان عذابي، وإنكاري.
ثم بيّن عذابه فقال عز وجل: إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً يعني: سلطنا عليهم ريحاً باردة فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ يعني: شديدة استمرت عليهم، لا تفتر عنهم سبع ليال، وثمانية أيام، حسوماً دائمة تَنْزِعُ النَّاسَ يعني: تنزع أرواحهم من أجسادهم، وهذا قول مقاتل. ويقال: فِي يَوْمِ نَحْسٍ يعني: يوم مشؤوم عليهم: مُسْتَمِرٍّ يعني: استمر عليهم بالنحوسة. وقال القتبي: الصرصر ريح شديدة ذات صوت تنزع الناس. يعني: تقلعهم من مواضعهم. كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ يعني: صرعهم، فكبهم على وجوههم كأنهم أصول نخل منقلعة من الأرض، فشبههم لطولهم بالنخيل الساقطة. وقال مقاتل: كان طول كل واحد

صفحة رقم 372
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية