آيات من القرآن الكريم

أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ
ﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺ ﯼﯽﯾﯿﰀ ﰂﰃﰄﰅﰆﰇ ﰉﰊﰋﰌ ﰎﰏﰐﰑ ﰓﰔﰕﰖ ﰘﰙﰚﰛ ﰝﰞﰟﰠ ﭑﭒﭓﭔﭕ ﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩ ﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀ ﮂﮃﮄ

والنهى عن تزكية النفس إنما يكون إذا أريد بها الرياء أو الإعجاب بالعمل، وإلا فلا بأس بها ولا تكون منهيا عنها، ومن ثم قيل: المسرة بالطاعة طاعة، وذكرها شكر.
ونحو الآية قوله: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا».
أخرج أحمد ومسلم وأبو داود وابن مردويه وابن سعد عن زينب بنت أبى سلمة أنها سمّيت (برّة) فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تزكّوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البرّ منكم، سمّوها زينب».
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٣٣ الى ٥٤]
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣) وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى (٣٤) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (٣٥) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (٣٦) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧)
أَلاَّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (٣٨) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (٤٠) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (٤١) وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (٤٢)
وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (٤٣) وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (٤٤) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٤٥) مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى (٤٦) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى (٤٧)
وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى (٤٨) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى (٤٩) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى (٥٠) وَثَمُودَ فَما أَبْقى (٥١) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (٥٢)
وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى (٥٣) فَغَشَّاها ما غَشَّى (٥٤)

صفحة رقم 61

تفسير المفردات
تولى: أي أعرض عن اتباع الحق والثبات عليه، وأكدى: أي قطع العطاء من قولهم: حفر فأكدى. أي بلغ إلى كدية أي صخرة تمنعه من إتمام العمل، ينبأ: أي يخبر، وصحف موسى هى التوراة، وصحف إبراهيم ما نزل عليه من الشرائع، ووفّى:
أي أتم ما أمر به، أن لا تزر وازرة وزر أخرى: أي لا تحمل نفس حمل نفس أخرى، يرى: أي يراه حاضرو القيامة ويطلعون عليه تشريفا للمحسن، وتوبيخا للمسىء، يجزاه: أي يجزى سعيه يقال جزاه الله بعمله، وجزاه على عمله، وجزاه عمله، المنتهى:
أي المعاد يوم القيامة والجزاء حين الحشر، تمنى: أي تدفع فى الرحم من قولهم: أمنى الرجل ومنى: أي صبّ المنىّ، والنشأة الأخرى: هى إعادة الأرواح إلى الأجساد حين البعث، أغنى وأقنى: أي أغنى من شاء وأفقر من شاء، والشعرى: هى الشعرى العبور وهى ذلك النجم الوضاء الذي يقال له مرزم الجوزاء وقد عبدته طائفة من العرب، وعاد الأولى: هم قوم هود وهم ولد عاد بن إرم بن عوف بن سام بن نوح، وعاد الأخرى: من ولد عاد الأولى، والمؤتفكة هى قرى قوم لوط، سميت بذلك، لأنّها ائتفكت بأهلها:
أي انقلبت بهم، ومنه الإفك لأنه قلب الحق، أهوى: أي أسقط فى الأرض، غشاها:
أي غطّاها.
المعنى الجملي
بعد أن بين سبحانه علمه وقدرته، وأن الجزاء واقع على الإساءة والإحسان، وأن المحسن هو الذي يجتنب كبائر الإثم، وهذا لا يعرف إلا بالوحى من الله تعالى. ذكر هنا أن من العجب العاجب بعد هذا أن يسمع سامع، ويرجو عاقل أن غيره يقوم مقامه

صفحة رقم 62

فى تحمل وزره ويعطيه جعلا، لكنه ما أعطاه إلا قليلا حتى وقف عن العطاء، ومن ثم وبخه على ذلك، بأن علم هذا لا يكون إلا بوحي، فهل علم منه صحة ما اعتقد؟ كلا فجميع الشرائع المعروفة لكم كشريعة موسى وإبراهيم على غير هذا، وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، فمن أين وصل له أن ذلك مجز له.
قال مجاهد وابن زيد: إن الآية نزلت فى الوليد بن المغيرة، وكان قد سمع قراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجلس إليه ووعظه فلان قلبه للإسلام فطمع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إنه عاتبه رجل من المشركين وقال له: أتترك ملة آبائك؟ ارجع إلى دينك، واثبت عليه، وأنا أتحمل عنك كل شىء تخافه فى الآخرة لكن على أن تعطينى كذا وكذا من المال، فوافقه الوليد على ذلك، ورجع عما همّ به من الإسلام، وضل ضلالا بعيدا، وأعطى بعض المال لذلك الرجل ثم أمسك عنه وشح.
وقد ذكر سبحانه ما تضمنته صحف إبراهيم وموسى:
(١) ألا يؤاخذ امرؤ بذنب غيره.
(٢) ألا يثاب امرؤ إلا بعمله.
(٣) إن العامل يرى عمله فى ميزانه، خيرا كان أو شرا.
(٤) إنه يجازى عليه الجزاء الأوفى فتضاعف له حسناته إلى سبعمائة ضعف، ويجازى بمثل سيئاته.
(٥) إن الخلائق كلهم راجعون يوم المعاد إلى ربهم، ومجازون بأعمالهم.
(٦) إنه تعالى خلق الضحك والبكاء والفرح والحزن.
(٧) إنه سبحانه خلق الذكر والأنثى من نطفة تصب فى الأرحام.
(٨) إنه تعالى خلق الموت والحياة.
(٩) إنه هو الذي أعطى الغنى والفقر، وكلاهما بيده وتحت قبضته.

صفحة رقم 63

(١٠) إنه هو رب الشعرى، وكانت خزاعة تعبدها (١١) إنه أهلك عادا الأولى، وقد كانوا أول الأمم هلاكا بعد قوم نوح.
(١٢) إنه أهلك ثمود فما أبقاهم، بل أخذهم بذنوبهم.
(١٣) إنه أهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود، وقد كانوا أظلم من الفريقين.
(١٤) إنه أهلك المؤتفكة وهى قرى قوم لوط وقد انقلبت بأهلها، وغطّاها بحجارة من سجيل.
الإيضاح
(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى: وَأَعْطى قَلِيلًا وَأَكْدى. أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى؟) أي أعلمت شأن هذا الكافر؟ وهل بلغك شأنه العجيب، فقد أشرف على الإيمان واتباع هدى الرسول، فوسوس له شيطان من شياطين الإنس بألا يقبل نصح الناصح، ويرجع إلى دين آبائه، ويتحمل ما عليه من وزر إذا هو أعطاه قليلا من المال، فقبل ذلك منه، لكنه ما أعطاه إلا قليلا حتى امتنع من إعطائه شيئا بعد ذلك، أفعنده علم بأمور الغيب، فهو يعلم أن صاحبه يتحمل عنه ما يخاف من أوزاره يوم القيامة؟.
وقصارى ذلك- أخبرنى بأمر هذا الكافر وحاله العجيبة، إذ قبل أن سواه يحمل أوزاره إذا أدّى له أجرا معلوما، أأنزل عليه وحي فرأى أن ما صنعه حق؟
ثم أكد هذا الإنكار فذكر أن الشرائع التي يعرفونها على غير هذا فقال:
(أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) أي ألم يخبر بما نصت عليه التوراة، وما ذكر فى شرائع إبراهيم الذي وفّى بما عاهد الله عليه، وأتم ما أمر به، وأدى رسالته على الوجه المرضى، يدل على ذلك قوله: «وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً».

صفحة رقم 64

قال ابن عباس: وفّى بسهام الإسلام كلها وهى ثلاثون سهما لم يوفّها أحد غيره، منها عشرة فى براءة «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ» الآيات، وعشرة فى الأحزاب «إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ» الآيات، وستة فى «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ» الآيات، وأربعة فى سأل سائل «وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ» الآيات.
وتخصيصه عليه السلام بهذا الوصف لاحتماله ما لم يحتمل غيره، وفى قصة الذبح ما فيه الغناء فى ذلك.
وإنما ذكر ما جاء فى شريعتى هذين النبيين فحسب، لأن المشركين كانوا يدّعون أنهم على شريعة أبيهم إبراهيم، وأهل الكتاب كانوا يدعون أنهم متبعون ما فى التوراة وصحفها قريبة العهد منهم.
ثم فصل ما جاء فى هاتين الشريعتين فقال:
(١) (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي لا تحمل نفس ذنوب نفس أخرى، فكل نفس اكتسبت إثما بكفر أو معصية فعليها وزرها لا يحمله عنها أحد كما قال:
«وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى»، (٢) (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) أي كما لا يحمل على الإنسان وزر غيره، لا يحصل له من الأجر إلا ما كسب لنفسه، ومن هذا استنبط مالك والشافعي ومن تبعهما أن القراءة لا يصح إهداء ثوابها إلى الموتى، لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم، وهكذا جميع العبادات البدنية كالصلاة والحج والتلاوة، ومن ثم لم يندب إليها رسول الله صلى الله عليه وسلّم أمته ولا حثهم عليها ولا أرشدهم إليها بنص ولا إيماء، ولم ينقل عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، أما الصدقة فإنها تقبل وما
رواه مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة من قوله صلّى الله عليه وسلم «إذا مات ابن آدم

صفحة رقم 65

انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعوله، وصدقة جارية من بعده، وعلم ينتفع به»
فهى فى الحقيقة من سعيه وكدّه وعمله، كما
جاء فى الحديث: «إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولد الرجل من كسبه»
والصدقة الجارية كالوقف ونحوه على أعمال البرهى من آثار عمله، وقد قال تعالى: «إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ» الآية، والعلم الذي نشره فى الناس فاقتدوا به واتبعوه- هو من سعيه،
فقد ثبت فى الصحيح «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجر من اتبعه من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئا».
ومذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء أن ثواب القراءة يصل إلى الموتى إن لم تكن القراءة بأجر، أما إذا كانت به كما يفعله الناس اليوم من إعطاء الأجر للحفاظ للقراءة على المقابر وغيرها- فلا يصل إلى الميت ثوابها، إذ لا ثواب لها حتى يصل إليهم، لحرمة أخذ الأجر على قراءة القرآن وإن لم يحرم على تعليمه.
(٣) (وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى) أي إن عمله سيعرض يوم القيامة على أهل المحشر ويطلعون عليه، فيكون فى ذلك إشادة بفضل المحسنين، وتوبيخ للمسيئين.
ونحو هذا قوله: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ، وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ».
(٤) (ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى) أي ثم يجزى بعمله أوفى الجزاء وأوفره، فيضاعف الله له الحسنة ويبلغها سبعمائة ضعف، ويجازى بالسيئة مثلها أو يعفو عنها كما قال:
«نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ».
(٥) (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) أي وأن مرجع الأمور يوم الميعاد إلى ربك، فيحاسبهم على النقير والقطمير، ويثيبهم أو يعاقبهم بالجنة أو النار.
وفى هذا تهديد بليغ للمسىء، وحث شديد للمحسن، وتسلية لقلبه صلّى الله عليه وسلم، كأنه يقول له: لا تحزن أيها الرسول، فإن المنتهى إلى الله.

صفحة رقم 66

ونحو الآية قوله: «فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ. إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ» إلى أن قال فى آخر السورة «وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» وأمثال ذلك كثيرة فى القرآن.
(٦) (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى) أي وأنه خلق فى عباده الضحك والبكاء وسببهما، والمراد أنه خلق ما يسرّ وما يحزن من الأعمال الصالحة، والأعمال الطالحة.
(٧) (وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا) أي وأنه خلق الموت والحياة كما جاء فى قوله:
«الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ» فهو يميت من يشاء موته، ويحيى من يشاء حياته، فينفخ الروح فى النطفة الميتة فيجعلها حية.
(٨) (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى. مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى) أي وأنه خلق الذكر والأنثى من الإنسان وغيره من الحيوان من المنى الذي يدفق فى الأرحام.
(٩) (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى) أي وأن عليه الإحياء بعد الإماتة، ليجازى كل من المحسن والمسيء على ما عمل.
(١٠) (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى) أي وأنه تعالى يغنى من يشاء من عباده، ويفقر من يشاء بحسب ما يرى من استعداد كل منهما ومقدرته على كسب المال بحسب السنن المعروفة فى هذه الحياة.
وفى هذا تنبيه إلى كمال القدرة، فإن النطفة جسم متناسب الأجزاء فى الظاهر، ويخلق الله تعالى منها أعضاء مختلفة، وطباعا متباينة من ذكر وأنثى، ومن ثم لم يدّع أحد خلق ذلك، كما لم يدّع خلق السموات والأرض كما قال: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ».
ونحو الآية قوله: «أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً؟ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى؟ ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى، فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى؟».
(١١) (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) أي وأنه تعالى رب هذا الكوكب الوهاج الذي تطلع خلف الجوزاء فى شدة الحر.

صفحة رقم 67

وإنما خصها بالذكر من بين الأجرام السماوية، وفيها ما هو أكبر منها جرما وأكثر ضوءا، لأنها عبدت من دون الله فى الجاهلية، فقد عبدتها حمير وخزاعة، وأول من سن عبادتها أبو كبشة وكان من أشراف العرب، وكانت قريش تقول لرسول الله ﷺ ابن أبى كبشة تشبيها له به، لمخالفته دينهم كما خالفهم أبو كبشة، وكان من أجداد النبي صلّى الله عليه وسلّم من قبل أمه، ومن ذلك قول أبى سفيان حين دخوله على هرقل: لقد أمر أمر ابن أبى كبشة.
ومن العرب من كانوا يعظمونها، ويعتقدون أن لها تأثيرا فى العالم ويتكلمون على المغيبات حين طلوعها.
وهى شعريان إحداهما شامية، وثانيتهما يمانية وهى المرادة هنا وهى التي كانت تعبد من دون الله.
(١٢) (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) وهى قوم هود عليه السلام، وعاد الأخرى هى إرم بن سام بن نوح كما قال: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ. إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ. الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ؟» وقد كانوا من أشد الأمم وأقواهم وأعتاهم على الله ورسوله، فأهلكهم «بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ. سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً» أي متتابعة.
وقال المبرد: وعاد الأخرى هى ثمود، وقيل عاد الأخرى من ولد عاد الأولى.
(١٣) (وَثَمُودَ فَما أَبْقى) أي وأهلك ثمود فما أبقى عليهم، بل أخذهم بذنوبهم أخذ عزيز مقتدر.
ونحو الآية قوله: «فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ».
(١٤) (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى) أي وأهلكنا قوم نوح من قبل عاد وثمود، وكانوا أظلم من هذين، لأنهم بدءوا بالظلم، و «من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها» وأطغى منهما وأكثر تجاوزا للحد، لأنهم سمعوا المواعظ

صفحة رقم 68
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية