آيات من القرآن الكريم

أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ
ﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺ ﯼﯽﯾﯿﰀ

ولما أمره سبحانه بالإعراض عمن تولى عن التشرف بذكر الملك

صفحة رقم 69

الأعظم واللجاء إليه، ونهى عن التزكية للجهل بالعواقب، وكان قد ارتد ناس عن الإسلام، كان سبب ارتدادهم إخباره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بعض ما رأى من الآيات الكبرى ليلة الإسراء، وكان لما نزلت عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجدة النجم وسجد فيها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سجد معه - كما في البخاري - المسلمون والمشركون والجن والإنس، ولم يكن في ظن أحد من الخلق انقلابهم على أدبارهم بعد حتى ولا في ظن المرتدين، سبب عن ذلك قوله: ﴿أفرأيت﴾ أي أخبروني ﴿الذي تولّى *﴾ أي عن ذكرنا بعد أن كان حريصاً عليه، يظن هو وأهله أنه عريق في أهله بإيمانه وأعماله في أيام إيمانه ﴿وأعطى قليلاً وأكدى *﴾ أي قطع ذلك العطاء على مكده وقلته وأبطله وأفسده فصار كالحافر الذي وصل في حفره إلى كدية، يقال لحافر البئر: أجبل - إذا وصل إلى جبل، وأكدى - إذا وصل إلى كدية أي صفاة عظيمة شديدة لا تعمل فيها المعاول، فصار لا يقدر معها على شيء من علمه، ولا يستطيع النفوذ فيها بشيء من حيله، وقد كان قبل ذلك لما صادف التراب الليل يظن أنه لا يمنعه مانع مما يريد، فهذا دليل خبري شهودي على أنه لا علم لأحد من الخلق بما حباه الله في نفسه فضلاً عن غيره، فلا ينبغي لأحد أن يزكي نفسه ولا غيره، قيل: نزلت في الوليد بن المغيرة أسلم ثم ارتد لتعيير بعض المشركين له، وقوله له «ارجع وأنا أتحمل عنك العذاب» وهي تصلح لكل من ارتد ظاهراً أو نافق أو انهمك في المعاصي بعد

صفحة رقم 70

إيمانه معرضاً عن الأعمال الصالحة.
ولما كان هذا - وقد وقع في خطر عظيم من إفساد العمل في الماضي وتركه في المستقبل فصار على خطأ عظيم في أحدهما - يتعلق بأصل الدين: الكفر والإيمان، وكان مثل هذا لا يفعله عاقل بنفسه إلا عن بصيرة، قال تعالى موبخاً له مقرعاً: ﴿أعنده﴾ أي خاصة ﴿علم الغيب﴾ أي كله بحيث لا يشاركه في مشارك يمكن أن يخفى عليه شيء منه ﴿فهو﴾ أي فيتسبب عن ذلك أنه ﴿يرى *﴾ أي الرؤية الكاملة فيعلم جميع ما ينفعه فيرتكبه وجميع ما يضره فيجتنبه ويعلم أن هذا القليل الذي أعطاه قد قبل وأمن به من العطب فاكتفى به.
ولما كان الغبي قد يظن أن عمل غيره ينفعه، عبر عنه جامعاً للوعظ والتهويل بقوله: ﴿أم لم ينبأ﴾ أي يخبر إخباراً عظيماً متتابعاً ﴿بما في صحف موسى *﴾ أي التوراة المنسوبة إليه بإنزالها عليه وكذا ما يتبعها من أسفار الأنبياء الذين جاؤوا بعده بتقريرها.
ولما قدم كتاب موسى عليه السلام لكونه أعظم كتاب بعد القرآن مع أنه موجود بين الناس يمكن مراجعته، قال: ﴿وإبراهيم﴾ ومدحه بقوله دالاً بتشديد الفعل على غاية الوفاء: ﴿الذي وفى﴾ أي أتم ما أمر به وما امتحن به وما قلق شيئاً من قلق، وكان أول من هاجر قومه وصبر على حر ذبح الولد وكذا على حر النار ولم يستعن بمخلوق، وخص هذين النبيين لأن المدعين من بني إسرائيل اليهود

صفحة رقم 71

والنصارى يدعون متابعة عيسى عليه السلام، ومن العرب يدعون متابعة إبراهيم عليه السلام، ومن عداهم لا متمسك لهم ولا سلف في نبوة محققة ولا شريعة محفوظة، ثم فسر الذي في الصحف أو استأنف بقوله: ﴿ألا تزر﴾ أي تأثم وتحمل ﴿وازرة﴾ أي نفس بلغت مبلغاً تكون فيه حاملة ﴿وزر أخرى *﴾ أي حملها الثقيل من الإثم، يعني فمن يحمل عنه أثم أحد الشقين الذي لزمه فلا بد أن يكون آثماً وهما قبل التولي وما بعده.

صفحة رقم 72
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن، برهان الدين إبراهيم بن عمر بن حسن الرُّبَاط بن علي بن أبي بكر البقاعي
الناشر
دار الكتاب الإسلامي، القاهرة
عدد الأجزاء
22
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية