آيات من القرآن الكريم

وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى
ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮ

المولى فكانوا احسن نية وعملا هذا صراط مستقيم اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى تعليل للامر بالاعراض وتكرير قوله وهو اعلم لزيادة التقرير والإيذان بكمال تباين المعلومين والمراد بمن ضل من أصر عليه ولم يرجع الى الهدى أصلا وبمن اهتدى من من شأنه الاهتداء في الجملة اى هو المبالغ في العلم بمن لا يرعوى عن الضلال ابدا وبمن يقبل الاهتداء في الجملة لا غيره فلا تتعب نفسك في دعوتهم فانه من القبيل الاول وفيه اشارة الى النفس الكافرة ويهود صفاتها فانهم لا يقبلون الدعوة لانتفاء استعدادهم لقبولها فمن كان مظهر القهر في الأزل لا يكون مظهر اللطف في الابد وبالعكس وفي الحديث القدسي (خلقت الجنة وخلقت لها أهلا وخلقت النار وخلقت لها أهلا فطوبى لمن جعلته أهلا للجنة وويل لمن جعلته أهلا للنار) قال بعض الكبار النفس لا تفعل الشر الا لجاجة من القرين واللجاج ممن لا قدرة على منعه ومخالفته بمنزلة الإكراه والمكره غير مؤاخذ بالشرع والعقل ولذا قال عليه السلام الخير عادة والشر لجاجة فهو بشارة عظيمة من العالم بالأمور عليه السلام فانه اخبر ان النفس خيرة بالذات لان أباها الروح القدسي الطاهر وما نقبل الشر الا لجاجة من القرين فلم يجعل عليه السلام الشر من ذاتها وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ اى خلقا وملكا لا لغيره أصلا لا استقلالا ولا اشتراكا لِيَجْزِيَ إلخ متعلق بما دل عليه اعلم إلخ وما بينهما اعتراض مقرر لما قبله فان كون الكل مخلوقا له تعالى مما يقرر علمه تعالى بأحوالهم ألا يعلم من خلق كأنه قيل فيعلم ضلال من ضل واهتداء من اهتدى ويحفظهما ليجزى الَّذِينَ أَساؤُا بد كردند بِما عَمِلُوا اى بعقاب ما عملوا من الضلال الذي عبر عنه بالاساءة بيانا لحاله او بسبب ما عملوا شبه نتيجة علمه بكل واحد من الفريقين وهى مجازاته على حسب حاله بعلته الغائبة فأدخل لام العلة عليها وصح بذلك تعلقها بقوله اعلم

هين مراقب باش گر دل بايدت كز پى هر فعل چيزى زايدت
وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا اى اهتدوا بِالْحُسْنَى اى بالمثوبة الحسنى التي هى الجنة فالحسنى للزيادة المطلقة والباء لتعدية الجزاء او بسبب أعمالهم الحسنى فالباء للسببية والمقابلة الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ صفة للذين أحسنوا او بدل منه لكن قال سعدى المفتى لا حسن في جعل الذين إلخ مقصودا بالنسبة وجعل الذين أحسنوا في حكم المتروك ولو كان النظم على العكس لكان لها وجه انتهى يقول الفقير الاجتناب من باب التخلية بالمعجمة وهى اقدم فلذا جعلت مقصودة بالنسبة وصيغة الاستقبال في صلته دون صلة الموصوف او المبدل منه للدلالة على تجدد الاجتناب واستمراره يعنى للاشعار بأن ترك المعصية سوآء كانت بارتكاب المحرمات او بترك الواجبات ينبغى أن يستمر عليه المؤمن ويجعل الاجتناب عنها دأبا له وعادة حتى يستحق المثوبة الحسنى فان من اجتنب عنها مرة وانهمك عليها في باقى الأزمان لا يستحقها بخلاف الحسنات المتطوع بها فان من أتى بها ولو مرة يؤجر عليها وكبائر

صفحة رقم 241

الإثم ما يكبر عقابه من الذنوب وهو ما رتب عليه الوعيد بخصوصه كالشرك والزنى مطلقا خصوصا بحليلة جاره وقتل النفس مطلقا لا سيما الأولاد وهى الموءودة وقال ابن جبير هى مالا يستغفر منه لقوله عليه السلام لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع اصرار وفي الحديث إياكم والمحقرات من الذنوب قال ابن عباس رضى الله عنهما هى الى سبعين اقرب وتمام التفصيل سبق في حمعسق في نظير الآية وَالْفَواحِشَ وما فحش من الكبائر خصوصا الزنى والقتل بغير حق وغيرهما فهو من قبيل التخصيص بعد التعميم قال الراغب الفحش والفحشاء والفاحشة ما عظم قبحه من الافعال والأقوال إِلَّا اللَّمَمَ اللمم مقاربة المعصية ويعبر به عن الصغيرة من قولك ألممت بكذا اى نزلت به وقاربته من غير مواقعة وألم الغلام قارب البلوغ والاستثناء منقطع لان المراد باللمم الصغائر وهى لا تدخل في الكبائر والمعنى الا ما قل وصغر فانه مغفور ممن يجتنب الكبائر يعنى ان الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنب الكبائر قال تعالى ان الحسنات يذهبن السيئات
وقال ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وقيل هى النظر بلا تعمد فان أعاد النظر فليس بلمم وهو مذنب والغمزة والقبلة كما روى ان نبهان التمار أتته امرأة لتشترى التمر فقال لها ادخلى الحانوت فعانقها وقبلها فقالت المرأة خنت أخاك ولم تصب حاجتك فندم وذهب الى رسول الله عليه السلام فنزلت وقيل هى الخطرة من الذنب اى ما خطره من الذنب على القلب بلا عزم واز قوت بفعل نيايد وقيل كل ذنب لم يذكر الله عليه حدا ولا عذابا وقال بعضهم اللمم والإلمام ما يعمله الإنسان الحين بعد الحين ولا يكون له عادة ولا اقامة عليه قال محمد بن الحنفية كل ما هممت به من خير وشر فهو لمم دليله قوله عليه السلام ان للشيطان وللملك لمة فلمة الشيطان الوسوسة ولمة الملك الإلهام وقال ابن عباس رضي الله عنهما معناه الا أن يلم بالفاحشة مرة ثم يتوب ولم يثبت عليها فان الله يقبل توبته ويؤيده قوله عليه السلام ان تغفر اللهم فاغفر جما واى عبدلك لا الما فالاستثناء على هذا متصل وقال ابن عباس رضى الله عنهما ما رأيت شيأ أشبه باللمم مما نقله ابو هريرة رضى الله عن رسول الله عليه السلام ان الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى فزنى العينين النظر وزنى اللسان النطق وزنى الشفتين القبلة وزنى اليدين البطش وزنى الرجلين المشي والنفس تتمنى وتشتهى والفرج يصدق ذلك كله او يكذبه فان تقدم فرجه كان زانيا والا فهو اللمم وفي الاسئلة المقحمة الذنوب كلها كبائر على الحقيقة لان الكل تتضمن مخالفة امر الله تعالى لكن بعضها اكبر من بعض عند الاضافة ولا كبيرة أعظم من الشرك واما اللمم فهو من جملة الكبائر والفواحش ايضا الا ان الله تعالى أراد باللمم الفاحشة التي يتوب عنها مرتكبها ومجترحها وهو قول مجاهد والحسن وجماعة من الصحابة منهم ابو هريرة رضى الله عنه إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ حيث يغفر الصغائر باجتناب الكبائر فالجملة تعليل لاستثناء اللمم وتنبيه على ان إخراجه من حكم المؤاخذة به ليس لخلوه عن الذنب في نفسه بل لسعة المغفرة الربانية وفي التأويلات النجمية كبائر الإثم ثلاث مراتب محبة النفس الامارة بالسوء ومحبة الهوى النافخ في نيران

صفحة رقم 242

النفس ومحبة الدنيا التي هى رأس كل خطيئة ولكل واحدة من هذه المحبات الثلاث فاحشة لازمة غير منفكة عنها اما فاحشة محبة النفس الامارة بالسوء فموافقة الطبيعة ومخالفة الشريعة واما فاحشة محبة الهوى فحب الدنيا وشهواتها واما فاحشة محبة الدنيا فالاعراض عن الله والإقبال على ما سواه قوله الا اللمم اى الميل اليسير الى النفس والهوى والدنيا بحسب الضرورة البشرية من استراحة البدن ونيل قليل من حظوظ الدنيا بحسب الحقوق لا بحسب الحظوظ فان مباشر الحقوق مغفور ومبادر الحظوظ مغرور كما قال ان ربك واسع المغفرة ومن سعة غفرانه ستر ظلمة الوجود المجازى بنور الوجود الحقيقي بالفناء عن ناسوتيته والبقاء بلا هوتيته انتهى قال بعض الكبار من استرقه الكون بحكم مشروع كالسعى في مصالح العباد والشكر لاحد من المخلوقين من جهة نعمة أسداها اليه فهو لم يبرح عن عبوديته لله تعالى لانه في أداء واجب أوجبه الحق عليه واما تعبد العبد فمخلوق عن امر الله لا يقدح فى العبودية بخلاف من استرقه الكون لغرض نفسى ليس للحق فيه رائحة امر فان ذلك يقدح في عبوديته لله تعالى ويجب عليه الرجوع الى الحق تعالى وقال بعض العارفين من المحال ان يأتى مؤمن معصية توعد الله عليها بالعقوبة فيفرغ منها الا ويجد في نفسه الندم على وقوعها منه وقد قال صلّى الله عليه وسلّم الندم توبة وقد قام بهذا المؤمن الندم فهو تائب بلا شك فسقط حكم الوعيد لهذا الندم فانه لا بد للمؤمن أن يكره المخالفة ولا يرضى بها فهو من كونه كار هالها ومؤمنا بأنها معصية ذو عمل صالح وهو من كونه فاعلا لها ذو عمل سيئ فهو من الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا وقد قال تعالى فيهم عيسى الله أن يتوب عليهم يعنى ليتوبوا والله غفور رحيم انتهى فعلى العاقل أن يندم على المعاصي الواقعة منه ولا يغتر بالرب الكريم وان كان الله واسع المغفرة فانه تعالى ايضا شديد البطش والاخذ نسأ
الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة هُوَ تعالى أَعْلَمُ منكم بِكُمْ اى بأحوالكم يعلمها إِذْ أَنْشَأَكُمْ اى خلقكم في ضمن إنشاء أبيكم آدم عليه السلام مِنَ الْأَرْضِ إنشاء اجماليا وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ ووقت كونكم اجنة فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ على أطوار مختلفة مترتبة لا يخفى عليه حال من أحوالكم وعمل من أعمالكم التي من جملتها اللمم الذي لولا المغفرة الواسطة لاصابكم وباله وضروره والاجنة جمع جنين مثل اسرة وسرير والجنين الولد ما دام في البطن وهو فعيل بمعنى مفعول اى مدفون مستتر والجنين الدفين في الشيء المستتر فيه من جنه إذا ستره وإذا خرج من بطن امه لا يسمى الا ولدا او سقطا وفي الأشباه هو جنين ما دام في بطن امه فاذا انفصل ذكرا فصبى ويسمى رجلا كما في آية الميراث الى البلوغ فغلام الى تسعة عشر فشاب الى أربعة وثلاثين فكهل الى أحد وخمسين فشيخ الى آخر عمره هذا في اللغة وفي الشرع يسمى غلاما الى البلوغ وبعده شابا وفتى الى ثلاثين فكهل الى خمسين فشيخ وتمامه في ايمان البزازية فان قيل الجنين إذا كان اسما له مادام في البطن فما فائدة قوله تعالى في بطون أمهاتكم قلنا فائدته المبالغة في بيان كمال علمه وقدرته فان بطون الأمهات في غاية الظلمة ومن علم حال الجنين فيها لا يخفى عليه

صفحة رقم 243

شيء من أحواله فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ الفاء لترتيب النهى عن تزكية النفس على ما سبق من أن عدم المؤاخذة باللمم ليس لعدم كونه من قبيل الذنوب بل لمحض مغفرته تعالى مع علمه بصدوره عنكم اى إذا كان الأمر كذلك فلا تثنوا عليها بالطهارة من المعصية بالكلية او بما يستلزمها من زكاء العمل ونماء الخير بل اشكروا الله تعالى على فضله ومغفرته وبالفارسية پس ستايش مكنيد نفسهاى خود را به بي كناهى وبسيارى خير وخوبى أوصاف وقال الحسن رحمه الله علم الله من كل نفس ما هى صانعة والى ماهى صائرة فلا تزكوا أنفسكم ولا تطهروها من الآثام ولا تمدحوها بحسن الأعمال لان كل واحد من التخلية والتحلية انما يعتدبه إذا كان خالصا الله تعالى وإذا كان هو أعلم بأحوالكم منكم فأى حاجة الى التزكية

همان به كر آبستن كوهرى كه همچون صدف سر بخود در برى
اگر مسك خالص ندارى مكوى وكر هست خود فاش كردد ببوى
منه آب زر جان من بر پشيز كه صراف دانا نكيرد بچيز
واما من زكاه الغير ومدحه فقد ورد فيه احثوا في وجه المداحين اى الذين يمدحون بما ليس في الممدوح التُّرابِ على حقيقته او هو مجاز عن ردهم عن المدح لئلا يغتر الممدوح فيتجبر وقيل المراد به أن لا يعطوهم شيأ لمدحهم او معناه الأمر بدفع المال إليهم لينقطع لسانهم ولا يشتغلوا بالهجو وفيه اشارة الى أن المال حقير في الواقع كالتراب قال ابو الليث فى تفسيره المدح على ثلاثة أوجه الاول أن يمدحه في وجهه فهو الذي نهى عنه والثاني أن يمدحه بغير حضرة ويعلم انه يبلغه فهذا ايضا ينهى عنه ومدح يمدحه في حال غيبته وهو لا يبالى بلغه او لم يبلغه ومدح يمدحه بما هو فيه فلا بأس بهذا انتهى (وفي المثنوى)
خلق مادر صورت خود كرد حق وصف ما از وصف او كيرد سبق
چونكه آن خلاق شكر وحمد جوست آدمي را مدح جويى نيز خوست
خاصه مرد حق كه در فضلست چست پر شود زان باد چون خيك درست
ور نه باشد اهل زان باد دروغ خيك بدريدست كى كيرد فروغ
واما المدح بعد الموت فلا بأس به إذا لم يجاوز الحد كالروافض في مدح اهل البيت هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى المعاصي جميعا وهو استئناف مقرر للنهى ومشعر بأن فيهم من يتقيها بأسرها وقيل كان ناس يعملون أعمالا حسنة ثم يقولون صلاتنا وصيامنا وحجنا فنزلت وهذا إذا كان بطريق الاعجاب او الرياء فأما من اعتقد أن ما عمله من الأعمال الصالحة من الله تعالى وبتوفيقه وتأييده ولم يقصد به التمدح لم يكن من المزكين أنفسهم فان المسرة بالطاعة طاعة وذكرها شكر وفي التأويلات النجمية يشير به الى أن علم الإنسان بنفسه علم اجمالى وعلمه تعالى به تفصيلى والعلم التفصيلي أكمل وأشمل من العلم الإجمالي وايضا علم الإنسان بنفسه علم مقيد بقواه البشرية وهو متناه بحسب تناهى قواه البشرية وعلمه تعالى به علم مطلق إذ علمه عين ذاته في مقام الواحدية غير ذاته في مقام الواحدية والعلم المطلق أحوط وأجمع من العلم المقيد وايضا الإنسان مخلوق على صورة الله كما قال عليه السلام ان الله خلق آدم على صورته وفي رواية اخرى على صورة

صفحة رقم 244
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية