آيات من القرآن الكريم

وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى
ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ

يخبر تعالى أنه مالك السماوات والأرض، وأنه الغني عما سواه، الحاكم في خلقه بالعدل، وخلق الخلق بالحق ﴿ لِيَجْزِيَ الذين أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِيَ الذين أَحْسَنُواْ بالحسنى ﴾ أي يجازي كلاً بعمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، ثم فسر المحسنين بأنهم الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، أي لا يتعاطون المحرمات الكبائر، وإن وقع بعض الصغائر فإنه يغفر لهم ويستر عليهم كما قال في الآية الأُخْرى :﴿ إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً ﴾ [ النساء : ٣١ ]، وقال هاهنا :﴿ الذين يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثم والفواحش إِلاَّ اللمم ﴾، وهذا استثناء منقطع لأن اللمم من صغائر الذنوب ومحقرات الأعمال، عن ابن عباس قال : ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي ﷺ : قال :« إن الله تعالى كتب على أبن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنَّفْس تمنّى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه » وقال عبد الرحمن بن نافع : سألت أبا هريرة عن قوله الله :﴿ إِلاَّ اللمم ﴾، قال : القُبْلة، والغمزة، والنظرة، والمباشرة، فإذا مس الختان الختان، فقد وجب الغسل وهو الزنا، وقال ابن عباس :﴿ إِلاَّ اللمم ﴾ إلا ما سلف، وكذا قال زيد بن أسلم، وروى ابن جرير، عن مجاهد أنه قال في هذه الآية :﴿ إِلاَّ اللمم ﴾ قال : الذي يلم بالذنب ثم يدعه، قال الشاعر :

إن تغفر اللهم تغفرجماً وأيّ عبد لك ما ألما؟
وعن الحسن في قوله الله تعالى :﴿ الذين يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثم والفواحش إِلاَّ اللمم ﴾ قال : اللمم من الزنان، أو السرقة، أو شرب الخمر ثم لا يعود، وروى ابن جرير، عن عطاء، عن ابن عباس :﴿ إِلاَّ اللمم ﴾ يلم بها في الحين. قلت : الزنا؟ قال : الزنا ثم يتوب. وعنه قال : اللمم الذي يلم المرأة، وقال السدي، قال أبو صالح : سئلت عن اللمم، فقلت : هو الرجل يصيب الذنب ثم يتوب، وأخبرت بذلك ابن عباس فقال : لقد أعانك عليها ملك كريم.
وقوله تعالى :﴿ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ المغفرة ﴾ أي رحمته وسعت كل شيء، ومغفرته تسع الذنوب كلها لمن تاب منها، كقوله تعالى :﴿ قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم ﴾ [ الزمر : ٥٣ ]، وقوله تعالى :﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأرض ﴾ أي هو مصير بكم، عليم بأحوالكم وأفعالكم حين أنشأ أباكم آدم من الأرض، واستخرج ذريته من صلبه أمثال الذر، ثم قسمهم فريقين : فريقاً للجنة، وفريقاً للسعير، وكذا قوله :﴿ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ﴾ قد كتب الملك الذي يوكل به رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد.

صفحة رقم 2434

وقوله تعالى :﴿ فَلاَ تزكوا أَنفُسَكُمْ ﴾ أي تمدحوها وتشكروها وتمنوا بأعمالكم ﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتقى ﴾، كما قال تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ ﴾ [ النساء : ٤٩ ] الآية. روى مسلم في « صحيحه »، عن محمد بن عمرو بن عطاء قال :« سميت ابنتي برة، فقالت لي زينب بنت أبي سلمة : إن رسول الله ﷺ نهى عن هذا الاسم، وسميت برة، فقال رسول الله ﷺ :» لا تزكوا أنفسكم إن الله أعلم بأهل البر منكم «، فقالوا : بما نسميها؟ قال :» سموها زينب « » وقد ثبت أيضاً، عن أبي بكرة قال : مدح رجل رجلاً عند النبي ﷺ فقال رسول الله ﷺ :« ويلك قطعت عنق صاحبك مراراً إذا كان أحدكم مادحاً صاحبه لا حالة فليقل أحسب فلاناً والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحداً، أحسبه كذا وكذا إن كان يعلم ذلك » وروى الإمام أحمد، عن همام بن الحارث قال :« جاء رجل إلى عثمان فأثنى عليه في وجهه، قال : فجعل المقداد بن الأسود يحثو في وجهه التراب، ويقول : أمرنا رسول الله ﷺ إذا لقينا المداحين أن نحثو في وجوههم التراب ».

صفحة رقم 2435
تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد نسيب بن عبد الرزاق بن محيي الدين الرفاعي الحلبي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية