آيات من القرآن الكريم

أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّىٰ
ﯼﯽﯾﯿ

قَالَ الْكِسَائِيُّ: يُقَالُ مِنْهُ ضَازَ يَضِيزُ ضَيْزًا، وَضَازَ يَضُوزُ ضَوْزًا وَضَازَ يُضَازُ ضَازًا إِذَا ظَلَمَ ونقص، وتقدير ضيزى من لكلام فُعْلَى بِضَمِّ الْفَاءِ، لِأَنَّهَا صِفَةٌ وَالصِّفَاتُ لَا تَكُونُ إِلَّا عَلَى فُعْلَى بِضَمِّ الْفَاءِ، نَحْوَ حُبْلَى وَأُنْثَى وَبُشْرَى، أَوْ فَعْلَى بِفَتْحِ الْفَاءِ، نَحْوَ غَضْبَى وَسَكْرَى وَعَطْشَى، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِعْلَى بِكَسْرِ الْفَاءِ فِي النُّعُوتِ، إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَسْمَاءِ مِثْلُ ذِكْرَى وشعرى وكسرى، والضاد هَاهُنَا لِئَلَّا تَنْقَلِبَ الْيَاءُ وَاوًا وَهِيَ مِنْ بَنَاتِ الْيَاءِ [١] كَمَا قَالُوا فِي جَمْعِ أَبْيَضَ بِيضٌ، والأصل بوض مثل جمر وَصُفْرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: ضَازَ يَضُوزُ فَالِاسْمُ مِنْهُ ضُوزَى مِثْلَ شُورَى.
إِنْ هِيَ، مَا هَذِهِ الْأَصْنَامُ، إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ، حجة وبرهان بِمَا تَقُولُونَ إِنَّهَا آلِهَةً، ثُمَّ رجع إلى الخبر بعد المخطابة فَقَالَ: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ، فِي قَوْلِهِمْ إِنَّهَا آلِهَةً، وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ، وَهُوَ مَا زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ، وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى، الْبَيَانُ بِالْكِتَابِ وَالرَّسُولِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بآلهة، وأن الْعِبَادَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِلَّهِ الواحد القهار.
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ٢٤ الى ٣٠]
أَمْ لِلْإِنْسانِ مَا تَمَنَّى (٢٤) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى (٢٥) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لَا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (٢٦) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (٢٧) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (٢٨)
فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا (٢٩) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (٣٠)
أَمْ لِلْإِنْسانِ مَا تَمَنَّى (٢٤)، أَيُظَنُّ الْكَافِرُ أَنَّ لَهُ مَا يَتَمَنَّى وَيَشْتَهِي مِنْ شَفَاعَةِ الْأَصْنَامِ.
فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى (٢٥)، لَيْسَ كَمَا ظَنَّ الْكَافِرُ وَتَمَنَّى، بَلْ لِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأَوْلَى لَا يَمْلِكَ أَحَدٌ فِيهِمَا شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِهِ.
وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ، ممن يَعْبُدُهُمْ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ وَيَرْجُونَ شَفَاعَتَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ، لَا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ، فِي الشَّفَاعَةِ، لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى، أَيْ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ لَا تَشْفَعُ الْمَلَائِكَةُ إِلَّا لِمَنْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَجَمَعَ الْكِنَايَةَ فِي قَوْلِهِ: شَفَاعَتُهُمْ وَالْمَلَكُ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ، الْكَثْرَةُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (٤٧) [الْحَاقَّةِ: ٤٧].
إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (٢٧)، أَيْ بِتَسْمِيَةِ الْأُنْثَى حِينَ قَالُوا إِنَّهُمْ بَنَاتُ اللَّهِ.
وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ، قَالَ مُقَاتِلٌ: مَعْنَاهُ مَا يَسْتَيْقِنُونَ أَنَّهُمْ إناث، إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً، وَالْحَقُّ بِمَعْنَى الْعِلْمِ أَيْ لَا يَقُومُ الظَّنُّ مَقَامَ الْعِلْمِ. وَقِيلَ: الْحَقُّ بِمَعْنَى الْعَذَابِ، أَيْ أن [٢] ظنهم لا ينقذهم من العذاب.
فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ، يَعْنِي الْقُرْآنَ. وَقِيلَ: الْإِيمَانُ، وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا.
ثُمَّ صَغَّرَ رَأْيَهُمْ فَقَالَ: ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ، أَيْ ذَلِكَ نِهَايَةُ عِلْمِهِمْ وَقَدْرُ عُقُولِهِمْ أَنْ آثَرُوا الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ. وَقِيلَ: لَمْ يَبْلُغُوا مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا ظَنَّهُمْ [٣] أن الملائكة بنات الله، وأنه تَشْفَعُ لَهُمْ فَاعْتَمَدُوا عَلَى ذَلِكَ وَأَعْرَضُوا عَنِ الْقُرْآنِ. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى، أي هو عالم

(١) في المطبوع «الباء» والمثبت عن المخطوط وط.
٢ في المطبوع «أظنهم» والمثبت عن المخطوط.
٣ في المطبوع «أظنهم» والمثبت عن المخطوط.

صفحة رقم 310
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي -بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
5
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية