آيات من القرآن الكريم

إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ۚ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَىٰ
ﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ

وَأُمًّا قَوْلُهُ: ﴿الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى﴾ [فَالثَّالِثَةُ] (١) نَعْتٌ لِمَنَاةَ، أَيِ: الثَّالِثَةَ لِلصَّنَمَيْنِ فِي الذِّكْرِ، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَإِنَّ الْعَرَبَ لَا تَقُولُ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى، إِنَّمَا الْأُخْرَى هَاهُنَا نَعْتٌ لِلثَّانِيَةِ. قَالَ الْخَلِيلُ: فالياء لوفاق رؤوس الْآيِ، كَقَوْلِهِ: "مَآرِبُ أُخْرَى" (طه-١٨) وَلَمْ يَقُلْ: أُخَرُ. وَقِيلَ: فِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهَا: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى الْأُخْرَى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ.
وَمَعْنَى الْآيَةِ: "أَفَرَأَيْتُمْ": أَخْبِرُونَا يَا أَيُّهَا الزَّاعِمُونَ أَنَّ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ بَنَاتُ اللَّهِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ بِمَكَّةَ يَقُولُونَ: الْأَصْنَامُ وَالْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ إِذَا بُشِّرَ بِالْأُنْثَى كَرِهَ ذَلِكَ.
﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (٢١) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (٢٢) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (٢٣) ﴾
فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ: ﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وقَتَادَةُ: أَيْ قِسْمَةٌ جَائِرَةٌ حَيْثُ جَعَلْتُمْ لِرَبِّكُمْ مَا تَكْرَهُونَ لِأَنْفُسِكُمْ. قَالَ مُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ: قِسْمَةٌ عَوْجَاءُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: غَيْرُ مُعْتَدِلَةٍ.
قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ: "ضِئْزَى" بِالْهَمْزِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِغَيْرِ هَمْزٍ.
قَالَ الْكِسَائِيُّ: يُقَالُ مِنْهُ ضَازَ يَضِيزُ ضَيْزًا، وَضَازَ يَضُوزُ ضَوْزًا، وَضَازَ يُضَازُ ضَازًا إِذَا ظَلَمَ وَنَقَصَ، وَتَقْدِيرُ ضِيزَى مِنَ الْكَلَامِ فُعْلَى بِضَمِّ الْفَاءِ، لِأَنَّهَا صِفَةٌ وَالصِّفَاتُ لَا تَكُونُ إِلَّا عَلَى فُعْلَى بِضَمِّ الْفَاءِ، نَحْوَ حُبْلَى وَأُنْثَى وَبُشْرَى، أَوْ فَعْلَى بِفَتْحِ الْفَاءِ، نَحْوَ غَضْبَى وَسَكْرَى وَعَطْشَى، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِعْلَى بِكَسْرِ الْفَاءِ فِي النُّعُوتِ، إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَسْمَاءِ، مِثْلُ: ذِكْرَى وَشِعْرَى، وَكَسْرِ الضَّادِ هَاهُنَا لِئَلَّا تَنْقَلِبَ الْيَاءُ وَاوًا وَهِيَ مِنْ بَنَاتِ الْيَاءِ كَمَا قَالُوا فِي جَمْعِ أَبْيَضَ بِيضٌ، وَالْأَصْلُ بُوضٌ مِثْلُ حُمْرٌ وَصُفْرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: ضَازَ يَضُوزُ فَالِاسْمُ مِنْهُ ضُوزَى مِثْلَ شُورَى.
﴿إِنْ هِيَ﴾ مَا هَذِهِ الْأَصْنَامُ ﴿إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾ حُجَّةً بِمَا تَقُولُونَ إِنَّهَا آلِهَةً. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْخَبَرِ بَعْدَ الْمُخَاطَبَةِ فَقَالَ: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ﴾ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّهَا آلِهَةً ﴿وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ﴾ وَمَا زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾ الْبَيَانُ بِالْكِتَابِ وَالرَّسُولِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِآلِهَةٍ، فَإِنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ.

(١) زيادة من "ب".

صفحة رقم 409
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
محمد عبد الله النمر
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1417
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية