
اللفظة قول النبي عليه السلام: «لقاب قوس أحدكم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها» وفي حديث آخر:
«لقاب قوس أحدكم في الجنة».
وقوله: أَوْ أَدْنى معناه: على مقتضى نظر البشر، أي لو رآه أحدكم لقال في ذلك قوسان أو أدنى من ذلك، وقال أبو زيد ليست بهذه القوس، ولكن قدر الذراعين أو أدنى، وحكى الزهراوي عن ابن عباس أن القوس في هذه الآية ذراع تقاس به الأطوال، وذكره الثعلبي وأنه من لغة الحجاز.
وقوله تعالى: فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
، قال ابن عباس المعنى: فَأَوْحى
الله إِلى عَبْدِهِ
جبريل ما أَوْحى
. وفي قوله: ما أَوْحى
إبهام على جهة التفخيم والتعظيم، والذي عرف من ذلك فرض الصلاة، وقال الحسن المعنى: فأوحى جبريل إلى عبد الله محمد ما أوحى كالأولى في الإبهام، وقال ابن زيد المعنى: فأوحى جبريل إلى عبد الله محمد ما أوحى الله إلى جبريل.
وقوله تعالى: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى قرأ جمهور القراء بتخفيف الذال على معنى لم يكذب قلب محمد الشيء الذي رأى، بل صدقه وتحققه نظرا، وكَذَبَ يتعدى، وقال أهل التأويل ومنهم ابن عباس وأبو صالح: رأى محمد الله تعالى بفؤاده. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «جعل الله نور بصري في فؤادي، فنظرت إليه بفؤادي». وقال آخرون من المتأولين المعنى: ما رأى بعينه لم يكذب ذلك قلبه، بل صدقه وتحققه، ويحتمل أن يكون التقدير فيما رأى، وقال ابن عباس فيما روي عنه وعكرمة وكعب الأحبار إن محمدا ﷺ رأى ربه بعيني رأسه. وبسط الزهراوي هذا الكلام عنهم وأبت ذلك عائشة، وقالت: أنا سألت رسول الله ﷺ عن هذه الآيات، فقال لي: «هو جبريل فيها كلها». وقال الحسن المعنى: ما رأى من مقدورات الله وملكوته. وسأل أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ قال: هو نور إني أراه، وهذا قول الجمهور، وحديث عائشة عن النبي ﷺ قاطع بكل تأويل في اللفظ، لأن قول غيرها إنما هو منتزع من ألفاظ القرآن. وقرأ ابن عامر فيما روى عنه هشام: «ما كذّب» بشد الذال، وهي قراءة أبي رجاء وأبي جعفر وقتادة والجحدري وخالد، ومعناه بين على بعض ما قلناه، وقال كعب الأحبار: إن الله تعالى قسم الكلام والرؤية بين موسى ومحمد، فكلم موسى مرتين، ورآه محمد مرتين، وقالت عائشة رضي الله عنها: لقد وقف شعري من سماع هذا وتلت:
لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ، وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ [الأنعام: ١٠٣]. وذهبت هي وابن مسعود وقتادة وجمهور العلماء إلى أن المرئي هو جبريل عليه السلام في المرتين: في الأرض وعند سدرة المنتهى ليلة الإسراء، وقد ذكرتها في سورة «سبحان» وهي مشهورة في الكتب الصحاح.
وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر هذه السورة كلها بفتح أواخر آيها وأمال عاصم في رواية أبي بكر:
«رأى». وقرأ نافع وأبو عمرو بين الفتح. وأمال حمزة والكسائي جميع ما في السورة، وأمال أبو عمرو فيما روى عنه عبيد: «الأعلى» و: «تدلى».
قوله عز وجل:
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ١٢ الى ١٨]
أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى (١٢) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (١٦)
ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (١٨)

قوله تعالى: أَفَتُمارُونَهُ خطاب لقريش، وهو من الصراء والمعنى أتجادلونه في شيء رآه وأبصره، وهذه قراءة الجمهور وأهل المدينة، وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس وابن مسعود وحمزة والكسائي:
«أفتمرونه» بفتح التاء دون ألف بعد الميم، والمعنى: أفتجدونه؟ وذلك أن قريشا لما أخبرها رسول الله ﷺ بأمره في الإسراء مستقصى، كذبوا واستخفوا حتى وصف لهم بيت المقدس وأمر عيرهم وغير ذلك مما هو في حديث الإسراء مستقصى، ورواها سعيد عن النخعي: «أفتمرونه» بضم التاء، قال أبو حاتم: وذلك غلط من سعيد. وقوله: يَرى مستقبلا والرؤية قد مضت عبارة تعم جميع ما مضى وتشير إلى ما يمكن أن يقع بعد، وفي هذا نظر.
واختلف الناس في الضمير في قوله: وَلَقَدْ رَآهُ حسبما قدمناه، فقال ابن عباس وكعب الأحبار: هو عائد على الله، وقال ابن مسعود وعائشة ومجاهد والربيع: هو عائد على جبريل. و: نَزْلَةً معناه: مرة، ونصبه على المصدر في موضع الحال. و: سِدْرَةِ الْمُنْتَهى هي شجرة نبق، قال كعب: هي في السماء السابعة، وروى ذلك مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن مسعود: في السماء السادسة. وقيل لها: سِدْرَةِ الْمُنْتَهى لأنها إليها ينتهي علم كل عالم، ولا يعلم ما وراءها صعدا إلا الله تعالى. وقيل سميت بذلك لأنها إليها ينتهي من مات على سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد: هم المؤمنون حقا من كل جيل.
وقيل سميت بذلك، لأن ما نزل من أمر الله فعندها يتلقى ولا يتجاوزها ملائكة العلو، وما صعد من الأرض فعندها يتلقى ولا يتجاوزها ملائكة السفل. وروي عن النبي عليه السلام أن الأمة من الأمم تستظل بظل الفنن منها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رفعت لي سِدْرَةِ الْمُنْتَهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة».
وقوله تعالى: عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى قال الجمهور: أراد أن يعظم مكان السدرة ويشرفه بأن جَنَّةُ الْمَأْوى عندها. قال الحسن: وهي الجنة التي وعد بها العالم المؤمن. وقال قتادة وابن عباس بخلاف هي جنة يأوي إليها أرواح الشهداء والمؤمنين، وليست بالجنة التي وعد بها المؤمنون جنة النعيم، وهذا يحتاج إلى سند وما أراه يصح عن ابن عباس.
وقرأ علي بن أبي طالب وابن الزبير بخلاف، وأنس بن مالك بخلاف، وأبو الدرداء وزر بن حبيش وقتادة ومحمد بن كعب: «جنه المأوى» بالهاء في جنة، وهو ضمير محمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى:
ستره وضمه إيواء الله تعالى وجميل صنعه به، يقال: جنه وأجنه، وردت عائشة وصحابة معها هذه القراءة وقالوا: أجن الله من قرأها. والجمهور قرأ: «جنة» كالآية الأخرى: فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا [السجدة: ١٩] وحكى الثعلبي أن معنى «جنه المأوى» : ضمه المبيت والليل.
وقوله: إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى التعامل في: إِذْ، رَآهُ. المعنى: رآه في هذه الحال.