
نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (١٤) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (١٦) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (١٧) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (١٨)
شرح الكلمات:
والنجم إذا هوى: أي والثريا إذا غابت بعد طلوعها.
ما ضل صاحبكم: أي ما ضل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن طريق الهدى.
وما غوى: أي وما لابس الغى وهو جهل من اعتقاد فاسد.
وما ينطق عن الهوى: أي عن هوى نفسه أي ما يقوله عن الله تعالى لم يصدر فيه عن هوى نفسه.
إن هو إلا وحي يوحى: أي ما هو إلا وحي إلهي يوحى إليه.
علمه شديد القوى: أي علمه ملك شديد القوى وهو جبريل عليه السلام.
ذو مرةٍ: أي لسلامة في جسمه وعقله فكان بذلك ذا قوة شديدة.
فاستوى وهو بالافق الأعلى: أي استقر وهو بأفق الشمس عند مطلعها على صورته التي خلقه الله عليها فرآه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان بجياد قد سد الأفق إلى المغرب وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الذي طلب من جبريل أن يريه نفسه في صورته التي خلقه الله عليها.
ثم دنا فتدنى: أي وقرب منه فتدلى أي زاد في القرب.
فكان قاب قوسين أو أدنى: أي فكان في القرب قاب قوسين أي مقدار قوسين.
فأوحى إلى عبده ماأوحى: أي فأوحى الله تعالى إلى عبده جبريل ماأوحاه جبريل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ما كذب الفؤاد ما رأى: أي ماكذب فؤاد النبي ما رأى ببصره من صورة جبريل عليه السلام:
أفتمارونه على ما يرى: أي أفاتجادلونه أيها المشركون على مايرى من صورة جبريل.

ولقد رآه نزلة أخرى: أي على صورته مرة أخرى وذلك في السماء ليلة أسري به.
عند سدرة المنتهى: وهي شجرة نبق عن يمين العرش لا يتجاوزها أحد من الملائكة.
عندها جنة المأوى: أي تأوى إليها الملائكة وأرواح الشهداء والمتقين أولياء الله.
إذ يغشى السدرة ما يغشى: أي من نور الله تعالى ما يغشى.
ما زاغ البصر وما طغى: أي ما مال بصر محمد يميناً ولا شمالاً، ولا ارتفع عن الحد الذي حدد له.
لقد رأى من آيات ربه الكبرى: أي رأى جبريل في صورته ورأى رفرفاً أخضر سد أفق السماء.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿وَالنَّجْمِ١﴾ إلى قوله ﴿مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ يقرر به تعالى نبوة محمد عبده ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد أقسم بالنجم إذا هوى وهو نجم الثريا إذا غاب في الأفق على أنه ما ضل محمد صاحب قريش الذي صاحبته منذ ولادته ولم يغب عنها ولم تغب عنه مدة تزيد على الأربعين سنة فهي صحبة كاملة ما ضل عن طريق الهدى وهم يعرفون هذا، وما غوى٢ أيضا أية رواية وما لابسه جهل في قول ولا عمل فغوى به. وما ينطق بالقرآن وغيره مما يقوله ويدعوا إليه عن هوى٣ نفسه كما قد يقع من غيره من البشر إن هو إلا وحي يوحى أي ما هو أي الذي ينطق به ويدعوا إله ويعمله إلا وحي يوحى إليه. علمه إياه ملك شديد القوى٤ ذو مرة أي سلامة عقل وبدن وكان بذلك قوياً روحياً وعقلياً وذاتياً وهو جبريل عليه والسلام وقوله: ﴿فَاسْتَوَى﴾ أي جبريل ﴿وهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى﴾ ومعنى استوى استقر ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى﴾ أي تدلى فدنا أي قرب شيئاً فشيئاً حتى كان من الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاب قوسين أي قدر قوسين والقوس معروف آلة للرمي ﴿أَوْ أَدْنَى﴾ أي من قاب قوسين٥.
٢ الغي: ضد الرشد، والغواية مثله: وهو فساد الرأي وتعاطي الإنسان الباطل من الأقوال والأفعال مما لا خير فيه البتة.
٣ الهوى: ميل النفس إلى ما تحبه أو تحب أن تفعله دون اقتضاء العقل السليم الحكيم له وفعله: هوى يهوي كرضي يرضى هواىً.
(شديد القوى) صفة لموصوف محذوف أي: علمه ملك شديد القوى وهو جبريل إجماعا، والمرة: تطلق على قوة الذات وعلى متانة العقل معاً، وعليهما كان جبريل عليه السلام.
٥ أي: مقدار قوسين.

وقوله تعالى ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى١﴾ أي فأوحى الله تعالى إلى جبريل ما أوحى إلى نبيه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوله ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ أي ما كذب فؤاد محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما رآه محمد ببصره وهو جبريل في صورته التي خلقه الله تعالى عليها ذات الستمائة جناح طول الجناح ما بين المشرق والمغرب. وقوله تعالى: ﴿أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى﴾ هذا خطاب للمشركين المنكرين لرؤية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينكر تعالى ذلك عليهم بقوله ﴿أَفَتُمَارُونَهُ﴾ أي تجادلونه وتغالبونه أيها المشركون على ما يرى ببصره. ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى٢﴾ أي مرة أخرى ﴿عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى٣﴾ وذلك ليلة أسرى به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووصفت هذه السدرة٤ وهي شجرة النبق بأن أوراقها كآذان الفيلة وأن ثمرها كغلال هجر قال فلما غشيها من أمر الله تعالى ما غشيها تغيرت فما أحد من خلق الله تعالى يقدر أن ينعتها من حسنها، وسميت سدرة المنتهى لانتهاء علم كل عالم من الخلق إليها أو لكونها عن يمين العرش لا يتجاوزها أحد من الملائكة. وقوله ﴿عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾ أي الجنة التي تأوى إليها الملائكة وأرواح الشهداء، والمتيقن أولياء الله تعالى.
وقوله تعالى: ﴿إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى٥﴾ أي من نور الله تعالى، والملائكة من حب الله مثل الغربان حين تقفز على الشجر كذا روى ابن جرير الطبري. وقوله ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى﴾ أي ما مال بصر محمد يميناً ولا شمالاً ولا ارتفع فوق الحد الذي حدد له. ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ٦ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ أي رأى جبريل في خلقه الذي يكون فيه في السماء ورأى رفرفاً أخضر قد سد الأفق ورأى من عجائب خلق الله ومظاهر قدرته وعلمه ما لا سبيل إلى إدراكه والحديث عنه.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير النبوة لمحمد وإثباتها بما لا مجال للشك والجدال فيه.
٢- تنزيه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن القول بالهوى أو صدور شيء من أفعاله أو أقواله من اتباع الهوى.
٣- وصف جبريل عليه السلام.
٤- إثبات رؤية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجبريل وعلى صورته التي يكون في السماء عليها مرتين.
٥- تقرير حاثة الإسراء والمعراج وإثباتها للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٦- بيان حقيقة سدرة المنتهى.
(نزلة) على وزن فعلة من النزول دال على المرة أي: رآه إذ نزل إليه مرة أخرى.
٣ السدر شجر معروف صحراوي فيه ثلاث ميزات: ظل ظليل وثمر لذيذ ورائحة ذكية.
٤ هذا الوصف رواه مسلم في صحيحه.
٥ في قوله (ما يغشى) من التفخيم ما فيه.
٦ جملة: (لقد رأى من آيات ربه) تذليل أي: رأى آيات أخرى غير سدرة المنتهى وجنة المأوى وما غشي السدرة من البهجة والجلال والآيات: دلائل عظمة الله تعالى.