آيات من القرآن الكريم

مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ
ﭑﭒﭓ ﭕﭖﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀ ﮂﮃﮄﮅﮆ

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة النجم
وهي مكية بإجماع من المتأولين وهي أول سورة أعلن بها رسول الله ﷺ وجهر بقراءتها في الحرم والمشركون يستمعون، وفيها سجد وسجد معه المؤمنون والمشركون والجن والإنس غير أبي لهب فإنه رفع حفنة من تراب إلى جبهته وقال يكفيني هذا وسبب هذه السورة أن المشركين قالوا إن محمدا يتقول القرآن ويختلق أقواله فنزلت السورة في ذلك.
قوله عز وجل:
[سورة النجم (٥٣) : الآيات ١ الى ١١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (١) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (٢) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى (٤)
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (٧) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (٩)
فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (١٠) ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (١١)
أقسم الله تعالى بهذا المخلوق تشريفا له وتنبيها منه ليكون معتبرا فيه حتى تولى العبرة إلى معرفة الله تعالى. وقال الزهري، المعنى: ورب النجم، وفي هذا قلق مع لفظ الآية. واختلف المتأولون في تعيين النجم المقسم به فقال ابن عباس ومجاهد والفراء، وبينه منذر بن سعيد هو الجملة من القرآن إذا تنزلت، وذلك أنه روي أن القرآن نزل على محمد ﷺ نجوما أي أقدارا مقدرة في أوقات ما، ويجيء هَوى على هذا التأويل بمعنى: نزل، وفي هذا الهوى بعد وتحامل على اللغة، ونظير هذه الآية قوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ [الواقعة: ٧٥] والخلاف في هذا كالخلاف في تلك، وقال الحسن ومعمر بن المثنى وغيرهما: النَّجْمِ هنا اسم جنس، أرادوا النجوم إذا هوت، واختلف قائلو هذه المقالة في معنى: هَوى فقال جمهور المفسرين: هَوى إلى الغروب، وهذا هو السابق إلى الفهم من كلام العرب، وقال الحسن بن أبي الحسن وأبو حمزة الثمالي هَوى عند الانكدار في القيامة فهي بمعنى. قوله: وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ. [الانفطار: ٢] وقال ابن عباس في كتاب الثعلبي هو في الانقضاض في أثر العفرية وهي رجوم الشياطين، وهذا القول تسعده اللغة، والتأويلات في هَوى محتملة، كلها قوية ومن الشاهد في النجم الذي هو اسم الجنس قول الراعي:
فتاقت تعد النجم في مستحيرة سريع بأيدي الآكلين جمودها
يصف إهالة صافية، والمستحيرة: القدر التي يطبخ فيها، قاله الزجاج. وقال الرماني وغيره: هي

صفحة رقم 195

شحمة صافية حين ذابت، وقال مجاهد وسفيان: النَّجْمِ في قسم الآية الثريا، وسقوطها مع الفجر هو هويها والعرب لا تقول النجم مطلقا إلا للثريا، ومنه قول العرب [مجزوء الرمل]
طلع النجم عشاء... فابتغى الراعي كساء
طلع النجم غدية... فابتغى الراعي شكية
وهَوى على هذا القول يحتمل الغروب ويحتمل الانكدار، وهَوى في اللغة معناه: خرق الهوى ومقصده السفل أو مسيره إن لم يقصده إليه، ومنه قول الشاعر: [مجزوء الكامل]
هوى ابني شفا جبل... فزلّت رجله ويده
وقول الشاعر: [الطويل]
وإن كلام المرء في غير كنهه... لك النبل تهوي ليس فيها نصالها
وقول زهير:
هوي الدلو أسلمها الرشاء ومنه قولهم للجراد: الهاوي، ومنه هوى العقاب.
والقسم واقع على قوله: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى والضلال أبدا يكون من غير قصد من الإنسان إليه. والغي كأنه شيء يكتسبه الإنسان ويريده، نفى الله تعالى عن نبيه هذين الحالين، وغَوى:
الرجل يغوي إذا سلك سبيل الفساد والعوج، ونفى الله تعالى عن نبيه أن يكون ضل في هذه السبيل التي أسلكه الله إياها، وأثبت له تعالى في الضحى أنه قد كان قبل النبوءة ضالا بالإضافة إلى حاله من الرشد بعدها.
وقوله تعالى: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى يريد محمدا ﷺ أنه ليس يستكلم عن هواه، أي بهواه وشهوته. وقال بعض العلماء: المعنى: وما ينطق القرآن المنزل عن هوى وشهوة، ونسب النطق إليه من حيث تفهم عنه الأمور كما قال: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ [الجاثية: ٢٩] وأسند الفعل إلى القرآن ولم يتقدم له ذكر لدلالة المعنى عليه.
وقوله: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى يراد به القرآن بإجماع، والوحي: إلقاء المعنى في خفاء، وهذه عبارة تعم الملك والإلهام والإشارة وكل ما يحفظ من معاني الوحي.
والضمير في قوله: عَلَّمَهُ يحتمل أن يكون للقرآن، والأظهر أنه لمحمد صلى الله عليه وسلم.
وأما المعلم فقال قتادة والربيع وابن عباس: هو جبريل عليه السلام، أي علم محمدا القرآن. وقال الحسن المعلم الشديد القوى هو الله تعالى. والْقُوى جمع قوة، وهذا في جبريل مكتمن، ويؤيده قوله تعالى:
ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ [التكوير: ٢٠]. وذُو مِرَّةٍ معناه: ذو قوة، قاله قتادة وابن زيد والربيع، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي». وأصل المرة

صفحة رقم 196

من مرائر الحبل، وهي فتله وإحكام عمله، ومنه قول امرئ القيس: [الطويل] بكل ممر الفتل شد بيذبل وقال قوم ممن قال إن ذا المرة جبريل. معنى: ذُو مِرَّةٍ ذو هيئة حسنة وقال آخرون: بل معناه ذو جسم طويل حسن.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله ضعيف.
و (استوى) مستند إلى الله تعالى في قول الحسن الذي قال: إنه لمتصف: ب شَدِيدُ الْقُوى، وكذلك يجيء قوله: وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى صفة الله تعالى على معنى وعظمته وقدرته وسلطانه تتلقى نحو «الأفق الأعلى»، ويجيء المعنى نحو قوله تعالى: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [طه: ٥]، ومن قال إن المتصف ب شَدِيدُ الْقُوى هو جبريل عليه السلام قال: إن (استوى) مستند إلى جبريل، واختلفوا بعد ذلك، فقال الربيع والزجاج: المعنى: فَاسْتَوى جبريل في الجو، وهو إذ ذاك، بِالْأُفُقِ الْأَعْلى إذ رآه رسول الله ﷺ بحراء قد سد الأفق، له ستمائة جناح، وحينئذ دنا من محمد حتى كان قابَ قَوْسَيْنِ، وكذلك هو المراد في هذا القول النزلة الأخرى في صفته العظيمة له ستمائة جناح عند السدرة وقال الطبري والفراء المعنى: فَاسْتَوى جبريل.
وقوله: وَهُوَ يعني محمدا صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم ذكره في الضمير في عَلَّمَهُ. وفي هذا التأويل العطف على المضمر المرفوع دون أن يؤكد، وذلك عند النحاة مستقبح، وأنشد الفراء على قوله:
[الطويل]

ألم تر أن النبع يصلب عوده ولا يستوي والخروع المتقصف
وقد ينعكس هذا الترتيب فيكون «استوى» لمحمد وهو لجبريل عليه السلام، وأما الْأَعْلى فهو عندي لقمة الرأس وما جرى معه. وقال الحسن وقتادة: هو أفق مشرق الشمس وهذا التخصيص لا دليل عليه. واختلف الناس إلى من استند قوله. ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فقال الجمهور: استند إلى جبريل عليه السلام، أي دنا إلى محمد في الأرض عند حراء. وقال ابن عباس وأنس في حديث الإسراء ما يقتضي أنه يستند إلى الله تعالى، ثم اختلف المتأولون، فقال مجاهد: كان الدنو إلى جبريل. وقال بعضهم: كان إلى محمد.
و: دَنا فَتَدَلَّى على هذا القول معه حذف مضاف. أي دنا سلطانه ووحيه وقدره لا الانتقال، وهذه الأوصاف منتفية في حق الله تعالى. والصحيح عندي أن جميع ما في هذه الآيات هو مع جبريل، بدليل قوله: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى [النجم: ١٣] فإن ذلك يقضي بنزلة متقدمة، وما روي قط أن محمدا رأى ربه قبل ليلة الإسراء، أما أن الرؤية بالقلب لا تمنع بحال ودَنا أعم من: «تدلى»، فبين تعالى بقوله:
فَتَدَلَّى هيئة الدنو كيف كانت، و: قابَ معناه: قدر. وقال قتادة وغيره: معناه من طرف العود إلى طرفه الآخر. وقال الحسن ومجاهد: من الوتر إلى العود في وسط القوس عند المقبض.
وقرأ محمد بن السميفع اليماني: «فكان قيس قوسين»، والمعنى قريب من قابَ، ومن هذه

صفحة رقم 197
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية