آيات من القرآن الكريم

مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ
ﮂﮃﮄﮅﮆ

وقيل اوحى اليه ان الجنة لحرمة على الأنبياء حتى تدخلها أنت وعلى
الأمم حتى يدخلها أمتك والظاهر أن ما اوحى عام ولا وجه للتخصيص.
ما كَذَبَ الْفُؤادُ اى فواد محمد - ﷺ - ما رَأى قال ابن مسعود راى محمد - ﷺ - جبرئيل له ستمائة جناح وكذا روى عن عائشة رض وأنكرت عائشة روية النبي - ﷺ - وبه روى البخاري عن مسروق قال قلت لعائشة يا أماه هل راى محمد ﷺ ربه فقالت لقد يقف شعرى مما قلت اين أنت من ثلث من حدثكهن فقد كذب من حدثك ان محمد راى ربه فقد كذب ثم قرأت لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير وما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا او من وراء الحجاب ومن حدثك انه يعلم ما فى غد فقد كذب ثم قرأت ما تدرى نفس ماذا تكسب غدا ومن حدثك انه كتم شيأ من الوحى فقد كذب ثم قرأت يا ايها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك الاية ولكن راى جبرئيل فى صورته مرتين وقال ابن عباس ما كذب الفؤاد ما راى ولقد راه نزلة اخرى ان محمدا - ﷺ - راى ربه جل وعلى بفؤاده مرتين كذا روى مسلم عنه وفى رواية الترمذي قال ابن عباس راى محمد ربه قال عكرمة قلت أليس الله يقول لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وقال ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذي هو نوره وقد راى محمد ربه مرتين واخرج ابن جرير عن ابن عباس انه - ﷺ - سئل هل رايت ربك قال رايت بفؤادى وقال انس والحسن وعكرمة راى محمد - ﷺ - ربه يعنى بعينه قال البغوي قال عكرمة عن ابن عباس قال ان الله اصطفى ابراهيم بالخلة واصطفى موسى بالكلام واصطفى محمد ﷺ بالروية وروى الترمذي عن الشعبي ان كعب الأحبار قال لابن عباس ان الله قسم رويته وكلامه بين محمد وموسى فكلم موسى مرتين وراى محمد - ﷺ - مرتين قلت المراد بالروية المختلف فيها اما الروية بالبصر واما الروية القلبية المعبر عنها بالمشاهدة فغير مختص بالنبي - ﷺ - بل يتشرف اولياء أمته - ﷺ - ايضا وقد ادعى بعض الأولياء الروية البصرية وذلك خلاف اجماع فى حق غير النبي - ﷺ - وهذا الدعوى مبنى على الاشتباه ووجه الاشتباه ان الصوفي قد يرى ربه بقلبه وهو يقظان ويتعطل حينئذ بصره لكنه يزعم فى غلبة الحال انه يراه ببصره وانما هو يراه بقلبه وبصره معطل وقوله عليه السلام رايته بفؤادى لو ثبت لا يدل على انفى الروية بالبصر الا بالمفهوم قلت وقول ابن مسعود وعائشة شهادة على النفي وشهادة الإثبات أرجح وما احتج به عائشة على نفى رويته - ﷺ - فلا يخفى ضعفه واما قوله تعالى لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ فقد ذكرنا فى تفسير تلك الاية فى سورة الانعام ان الدرك أخص من الروية

صفحة رقم 107

ونفى الدرك لا يستلزم نفى الروية قال الله تعالى فلما تراء الجمعان قال اصحاب موسى انا لمدركون قال كلا ان معى ربى وايضا مفهوم الاية سلب عموم الدرك لا عموم سلب الدرك واما قوله ما كان لبشر ان يكلمه الله إلا وحيا او من وراء حجاب ترديد بين الوحى من وراء الحجاب والوحى بلا حجاب فلا استدلال به والله تعالى اعلم وروى مسلم عن ابى ذر قال سالت رسول الله - ﷺ - هل رأيت ربك قال نورانى أراه انى بفتح الهمزة للاستفهام يعنى كيف أراه وفى بعض الروايات نورانى منسوب الى النور أراه فعلى الرواية الثانية يثبت الروية وعلى الرواية الاولى ليس الحديث صريحا فى نفى الروية مطلقا قلت وبعد ثبوت روية - ﷺ - ربه بالعين كما يدل عليه حديث ابن عباس وكعب ايضا ان المراد بالروية فى الاية الروية القلبية فانها هى المتصورة عند كل وحي يوحى اليه دون الروية البصرية فانها مختصة بليلة المعراج قرأ ابو جعفر وهشام عن ابى عباس كذب بتشديد الذال من التكذيب يعنى ما كذب قلب محمد - ﷺ - ما راى بعينه او بقلبه بل صدقه وايقنه وهو حققه فان الأمور القدسية تدرك او لا بالقلب ثم ينتقل منه الى البصر والبصيرة فان ابصر مثل ما أدرك بالقلب وان قصر بصره او بصيرته عما أدركه القلب وراى بخلافه كذبه وهذا هو المصداق الفارق بين العلوم الحقة الفائضة من الرحمن وبين الخيالات الوهمية وملتبسات الشيطانية فان الصوفي قد يلتبس عنده العلوم والإلهامات والمكاشفات القدسية المفاضة عليه من الله سبحانه بما يتخيله الوهم والخيال وبما القى
الشيطان فى أمنيته والفارق بينهما ان يرجع الصوفي الى قلبه فان صدقه قلبه واطمأن به ورأى فى قلبه منه برد اليقين علم انه من الله سبحانه وان كذبه قلبه واضطرب عنده وابى عرف انه من النفس او الشيطان قال رسول الله - ﷺ - إذا جاءك فى صدرك شىء فدعه رواه احمد عن ابى امامة او قال عليه السلام استفت قلبك وان أفتاك المفتون وقرأ الجمهور بتخفيف الذال والكذب يجىء متعديا بمعنى كذب له ومجازه ما كذب الفؤاد لمحمد - ﷺ - فيما راى يعنى أخبره على ما فى نفس الأمر فان قيل هذه الاية يقتضى ان تصديق القلب يغاير روية القلب قلنا نعم وتحقيق المقام ان قلب المؤمن يدرك الله سبحانه وصفاته يمعية ذاتية غير متكيفة مترتبة على محبة ذاتية غير متكيفة ولا يراه بل روية مقتصرة على مراتب الظلال بل القلب لا يرى شيئا من ذوات الممكنات ايضا فان حصول الأشياء فى الأذهان انما هى باشباهها وظلالها لا بانفسها وما يرى ذات شىء مما يراه الا يتوسط الباصرة فروية الله سبحانه تيسير للمومنين فى الاخرة بتوسط الحاسة لا فى الدنيا الا ما ذكرنا من الخلاف فى حق النبي - ﷺ - خاصة ودركه تعالى مختص بالقلوب دون الابصار فانه تعالى لا تدركه الابصار

صفحة رقم 108
التفسير المظهري
عرض الكتاب
المؤلف
القاضي مولوي محمد ثناء الله الهندي الفاني فتي النقشبندى الحنفي العثماني المظهري
تحقيق
غلام نبي تونسي
الناشر
مكتبة الرشدية - الباكستان
سنة النشر
1412
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية