
سورة النجم
مكية على القول الصحيح، وعدد آياتها ثنتان وستون آية، وهي أول سورة أعلنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكة.
وتشتمل هذه السورة على إثبات الرسالة وصدق الرسول في أن القرآن من عند الله، ثم الكلام على الأصناف وبيان أنها أسماء لا مسميات لها، ثم الكلام على الذات الأقدس ببيان آثاره في الوجود، وذكر حقائق إسلامية وجد بعضها في الكتب السابقة.
تحقيق أمر الوحى [سورة النجم (٥٣) : الآيات ١ الى ١٨]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (١) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (٢) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى (٤)عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (٧) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (٩)
فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (١٠) ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (١١) أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى (١٢) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤)
عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (١٦) ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (١٨) صفحة رقم 553

المفردات:
وَالنَّجْمِ: هو النجم المعروف، والمراد كل ما طلع من النجوم، وقيل: بل المراد به معين هو الثريا أو زهرة، وقيل: هو المقدار من القرآن النازل على النبي صلّى الله عليه وسلّم والله أعلم به. إِذا هَوى أى: سقط، والمراد: غرب أو طلع أو انقض على الشيطان. ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ: ما عدل عن طريق الحق إلى طريق الباطل والإثم، والمراد بالصاحب النبي صلّى الله عليه وسلّم. وَما غَوى الغي: هو الجهل مع الاعتقاد الفاسد، أى: هو الجهل المركب. شَدِيدُ الْقُوى أى: صاحب القوى الشديد، وهو جبريل- عليه السلام-. ذُو مِرَّةٍ: ذو حصافة في العقل، واستحكام في المنطق، وأصل المعنى مأخوذ من قولهم: أمررت الحبل: إذا أحكمت فتله، فالمرة تدل على المرة بعد المرة، ولا شك أنها تدل على زيادة القوى. فَاسْتَوى: استقام على صورته الحقيقية التي خلق عليها، فالاستواء بمعنى اعتدال الشيء في ذاته الذي هو ضد الاعوجاج، وعليه: استوى الثمر إذا نضج. بِالْأُفُقِ الْأَعْلى أى: الجهة العليا من السماء المقابلة للناظر. دَنا: قرب. فَتَدَلَّى: فتعلق في الهواء. قابَ قَوْسَيْنِ: قد جاء التقدير بالقوس كالذراع والشبر والرمح، والقاب: المقدار أيضا، والمراد به هنا مقدار ما بين مقبض القوس وسيتها- ما عطف من طرفيها- وعلى ذلك فلكل قوس قابان لأن له طرفين، وعلى ذلك ففي الكلام قلب، والمراد: قابى قوس، وبعضهم نقل أنه يجوز أن تقول: قاب قوسين. وقابى قوس، وبعضهم فسر القاب:
أنه المقدار الذي بين المقبض والوتر، والعرب كانت عند الاتفاق تأتى بقوسين وتجعلهما في وضع واحد ثم ترمى بهما دفعة واحدة إشارة إلى تمام الاتفاق ونهاية القرب والالتصاق، وعلى ذلك فيكون قاب واحد لقوسين، وعن ابن عباس: القوس: ذراع يقاس به، أى: مقدار ذراع، وعلى الجملة فالمعنى اللفظي: فكان مقدار مسافة قربه منه مثل مقدار مسافة قاب قوسين.
أَوْ أَدْنى: أو أقرب من ذلك. أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى أتكذبونه فتجادلونه على ما يراه معاينة، وهذا مأخوذ من المراء، الذي هو مشتق من مرى الناقة إذا مسح ضرعها وظهرها ليخرج لبنها، شبه به الجدال لأن كلا من المتجادلين يحاول

إبراز ما عند صاحبه ليلزمه الحجة. نَزْلَةً: مرة أخرى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى: مكان في السماء الله أعلم به. جَنَّةُ الْمَأْوى: الجنة التي تأوى إليها أرواح المؤمنين. يَغْشَى: من الغشيان بمعنى التغطية والستر. ما زاغَ الْبَصَرُ: ما مال البصر. ما طَغى: ما تجاوز حده المرسوم له.
يقول العلامة الفخر في تفسيره- أجزل الله مثوبته- (باختصار) : السور التي تقدمت وافتتحها الله بالقسم بالأسماء دون الحروف هي: والصافات، والذاريات، والطور، وهذه السورة، والأولى أقسم فيها لإثبات الوحدانية له، وفي الثانية لإثبات الحشر ووقوعه والثالثة لإثبات دوام العقاب والعذاب يوم الساعة كما قال: إن عذاب ربك لواقع، وفي هذه السورة أقسم لإثبات النبوة لمحمد صلّى الله عليه وسلّم وبذلك تكمل أصول الدين الثلاثة، ويلاحظ أن القسم على إثبات التوحيد وإثبات رسالة محمد قليل وقوعه في القرآن، والقسم على إثبات البعث كثير، ألا ترى إلى سورة الذاريات والطور، والليل إذا يغشى، والشمس وضحاها، والسماء ذات البروج إلى غير ذلك مما سيأتى، ولعل هذا لأن دلائل التوحيد وإثبات الرسالة ظاهرة وآياتها في الكون وفي معجزات الرسول واضحة، أما البعث فإمكانه بالعقل، ووقوعه بالفعل لا يمكن ثبوته إلا بالدلائل السمعية، أى: القرآن والحديث، لذا أكثر الله في القرآن من القسم عليه ليؤمن به الناس.
المعنى:
أقسم الحق- تبارك وتعالى- بجنس النجم الصادق بالثريا وغيرها إذا هوى «١» أى:
غرب أو طلع أو انقض على الشياطين المسترقة للسمع، وقيل: إنه أقسم به على أنه جزء من القرآن نازل على النبي صلّى الله عليه وسلّم وفي القسم بالنجم الذي شأنه أن يهتدى به السارى إشارة إلى أنه صلّى الله عليه وسلّم علم الاهتداء، ومنارة الوصول إلى خير الدنيا والآخرة والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم عن طريق الحق ولا عدل عن الصراط المستقيم الذي هو مسلك الآخرة، وما غوى في اعتقاد فاسد أبدا، وهو صاحبكم، وأنتم أدرى الناس به، وما ينطق النبي صلّى الله عليه وسلّم وما يصدر عنه من قول أو فعل أتاكم به من جهته- سبحانه وتعالى-

كالقرآن مثلا، أى: ما صدر عنه ذلك عن هوى نفسه ورأيه، إن هو- أى:
القرآن- إلا وحى من الله- عز وجل- يوحى به إليه «١».
علم النّبىّ جبريل- عليه السلام- الذي هو شديد القوى، علمه القرآن، ولا عجب في ذلك فقد قلع قرى قوم لوط، وصاح بقوم صالح فأصبحوا جاثمين، وكان هبوطه على الأنبياء في لمح البصر، وهو القادر بأمر الله على التشكل بأشكال مختلفة، وهو ذو مرة، أى: صاحب حكمة وحصافة في العقل، وبعد في النظر، فالله قد وصفه بقوة الجسم وقوة العقل والرأى.
فهل رآه النبي على صورته الحقيقية؟ فقيل في الجواب: نعم رآه فاستوى واستقام على صورته الحقيقية التي خلقه الله تعالى عليها له ستمائة جناح كل جناح منها يسد الأفق على ما روى، رآه والحال أن جبريل بالأفق الأعلى، وفي المروي أن ذلك في أول البعثة، ثم قرب جبريل من النبي صلّى الله عليه وسلّم فتدلى، أى: كان معلقا في الهواء، فكان قريبا من النبي صلّى الله عليه وسلّم بمقدار قابى قوسين أو أقرب من ذلك، وأو للشك من جهة العباد لا من الله سبحانه، أى: من يراه يظن أنه كذلك أو أقرب.
فأوحى جبريل إلى عبد الله «٢» ورسوله صلّى الله عليه وسلّم من القرآن ما أوحى، وفي الصورة الحقيقية أو غيرها ما كذب فؤاد النبي صلّى الله عليه وسلّم ما رآه ببصره، أى: لم يقل بقلبه لما رآه ببصره: لم أعرفك فيكون كذبه.
ويقول العلامة الآلوسي نقلا عن الكشف: إن هذه الآيات سيقت لتحقيق أمر الوحى، ونفى الشبهة والشك فيه ليتأكد الكل أن هذا الوحى ليس من الشعر ولا من الكهانة، فليس للشيطان ولا للجن أى قدرة على تصورهم للنبي في صورة جبريل الحقيقة أو غيرها لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم عرفه بقلبه وبصره، ورآه في حالاته المتعددة، ومن ثم لم يكن من المعقول أن يشتبه عليه، انظر إلى قوله: فاستوى، ثم إلى قوله: ثم دنا فتدلى، فأوحى، ما كذب الفؤاد ما رأى، ومن هنا كان ترتيب قوله تعالى: أفتمارونه
(٢) نعم هو عبد الله فقط، وما كان عبدا لأى كائن في الدنيا! وكيف يكون غير ذلك!!