آيات من القرآن الكريم

أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَٰذَا ۚ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ
ﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ

لا ستقلالنا أعمالنا الصالحة «فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا» في الآخرة وأكرمنا في الجنة «وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ» ٢٧ الريح الشديدة الحرارة التي تدخل في مسام الإنسان وقيل إنها أحد أسماء جهنم، وقالوا «إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ» أن نحضر الآخرة «نَدْعُوهُ» ونعبده ولم نؤده حق عبادته «إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ» ٢٨ بعباده يحسن إليهم ويعطيهم أكثر مما يستحقون بمنه وفضله. وبعد أن بين ما يقع بين أهل الجنة ترغيبا للمؤمنين التفت إلى حبيبه وقال «فَذَكِّرْ» قومك يا محمد في هذا القرآن علهم يرجعون إلى ربهم فينعم عليهم بما ذكر بعضه للمؤمنين به، ولا تلتفت لما يقولونه فيك «فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ» التي أنعمها عليك من النبوة والرسالة والكتاب «بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ» ٢٩ كما يزعمون وينقولون، فأنت رسول الله حقا وأمينه على وحيه صدقا «أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ» ٣٠ حوادث الدهر فيهلك كما هلك من قبله من الشعراء،
كلا فلست ذلك و «قُلْ» لهم يا سيد الرسل «تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ» ٣١ المنتظرين أمر الله فيكم. واعلم أن المنون يطلق على الدهر وعلى الموت قال:

تربص بها ريب المنون لعلها تطلق يوما أو يموت خليلها
هذا على الأول، وعلى قول الثاني قول ذؤيب:
أمن المنون وريبه يتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع
قال تعالى «أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ» أي عقولهم إذ يظنون أنهم عقلاء والمثل السائر (كل بعقله راض أما بماله لا) والحال ليس لهم عقول سليمة، إذ لو كان لهم عقول سليمة لما أمرتهم «بِهذا» القول المتناقض من ساحر إلى شاعر إلى كاهن إلى غير ذلك «أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ» ٣٢ باغون خلوجون عن الاعتدال، قيل لعمرو بن العاص ما بال قومك لم يؤمنوا وقد نعتهم الله تعالى بالعقل؟ فقال تلك عقول كادها الله تعالى إذ لم يصحبها التوفيق، فلهذا لم ينتفعوا بها. على أن هذه الآية لم تدل على رجاحة عقولهم، لأنها واردة مورد الاستهزاء، بل تدل على عكس ذلك، لأن الله أزرى بعقولهم، إذ لم يميزوا بين الحق والباطل والصدق

صفحة رقم 387

والكذب والهدى والضلال، ويجوز أن يراد بأحلامهم أكابرهم ورؤساؤهم، لأن أحلام بمعنى أجسام، كلفظ أعلام فإنها تطلق على الجبل وعلى الرجل، قال ابن الفارض رحمه الله:

نشرت في موكب العشاق أعلامي وكان قبلي بلي بالحبّ أعلامي
وهم لفلة عقولهم سماهم أجساما تهكيبا بهم «أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ» اختلقه وهي كلمة لا تستعمل إلا في الكذب، كلا، لم يختلقة وهو الصادق المأمون «بَلْ لا يُؤْمِنُونَ» ٣٣ في هذا القرآن المنزل عليك أنفة وتجبرا.
مطلب الحجج العشر وعذاب القبر وبحث في قيام الليل والإخبار بالغيب وما يقال عند القيام من المجلس:
فإذا كان لقولهم من صحة «فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ» في حسن النظم ورشاقة اللفظ ولطافة البيان والأحكام والحدود والإخبار بالمغيبات وقصص الأمم السابقة «إِنْ كانُوا صادِقِينَ» ٣٤ بأنك اختلقته أو أنه شعر أو كهانة، لأنهم عرب مثلك يدعون الفصاحة والبلاغة، والتنكير يفيد التقليل أي ليأتوا بمطلق حديث يشابهه، وقد خسئوا لا يستيعون ولو اجتمعوا وتعاونوا وقد لزمتهم الحجة، راجع الآية ١٣ من سورة هود المارة، قل يا محمد «أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ» أراد بشيء هنا الخلق، إذ ربما يتوهم به أنه يدل على أنه لا يخلق شيء إلا من شيء، والمعنى أوجدوا بلا خالق، فإن قالوا لا، وقعت عليهم الحجة، وإن قالوا نعم فقل لا يجوز أن يوجد خلق بلا خالق، لأن تعلق الخلق بالخالق من ضروريات الاسم «أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ» ٣٥ لأنفسهم أم الله خلقهم، فإن قالوا نحن فقول باطل، لأن من لا وجود له كيف يخلق، وعلى فرض المحال فكلفهم أن يخلقوا ذبابة أو يخلّصوا منها ما تسلبهم، فإذا عجزوا ولا شك أنهم عاجزون فقد لزمتهم الحجة بأنهم مخلوقون لله، وعليهم أن يؤمنوا بخالقهم. وهذا إلزام ثان.
قال تعالى «أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ» كلا، بل خلقها الخالق لهم، ولئن سألتهم ليقولن خلقها الله حتما «بَلْ لا يُوقِنُونَ» ٣٦ إيقانا حقيقيا بأنه خلقها، ولو أيقنوا لا لاعترفوا، ولكنهم يجحدون عنادا بسبب إعراضهم عن آيات الله

صفحة رقم 388
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية