آيات من القرآن الكريم

فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ

والليِّل والنَّهار، والحُلو والمُرِّ، والنُّور والظُّلمة، وأشباه ذلك لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فتعلْموا أن خالق الأزواج واحد. فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ بالتَّوبة من ذنوبكم والمعنى: اهْرُبوا ممّا يوجِب العِقاب من الكُفر والعِصيان إلى ما يوجِب الثَّواب من الطَّاعة والإيمان.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٥٢ الى ٦٠]
كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٥٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥) وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (٥٦)
ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠)
قوله تعالى: كَذلِكَ أي: كما كذَّبك قومُك وقالوا: ساحر أو مجنون كانوا من قبلك يقولون للأنبياء. قوله تعالى: أَتَواصَوْا بِهِ أي: أوْصى أوَّلُهم آخرَهم بالتكذيب؟، وهذا استفهام توبيخ. وقال أبو عبيدة: أتواطئوا عليه فأخذه بعضُهم من بعض؟!. قوله تعالى: بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ اي: يحملُهم الطُّغيان فيا أُعطوا من الدُّنيا على التكذيب والمشار إِليهم اهل مكة. فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فقد بلَّغْتَهم فَما أَنْتَ عليهم بِمَلُومٍ لأنَّك قد أدَّيت الرِّسالة. ومذهب أكثر المفسرين أن هذه الآية منسوخة ولهم في ناسخها قولان: أحدهما: أنه قوله: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ. والثاني: آية السيف. وفي قوله:
«وذكِّر» قولان: أحدهما: عِظْ، قاله مقاتل. والثاني: ذكِّرهم بأيّام الله وعذابه ورحمته، قاله الزجاج.
قوله تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ أثبت الياء في «يعْبُدون» و «يُطْعِمون» و «لا يستعجِلون» في الحالين يعقوب. واختلفوا في هذه الآية على أربعة أقوال: أحدها: إلاّ لآمُرهم أن يعبدوني، قاله عليُّ بن أبي طالب، واختاره الزجاج. والثاني: إلا لِيُقِرُّوا بالعُبودية طوْعاً وكرْهاً، قاله ابن عباس وبيان هذا قوله: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ «١». والثالث: أنه خاصّ في حقِّ المؤمنين.
قال سعيد بن المسيّب: ما خلقتُ منْ يعبُدني إلا ليعبُدَني. وقال الضحاك والفراء وابن قتيبة: هذا خاصّ لأهل طاعته، وهذا اختيار القاضي ابي يعلى فإنه قال: معنى هذا الخصوصُ لا العمومُ، لأن البُله والأطفال والمجانين لا يدخُلون تحت الخطاب وإن كانوا من الإنس فكذلك الكُفَّار يخرُجون من هذا بدليل قوله: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ «٢»، فمن خُلق للشَّقاء ولجهنَّم لم يخلق للعبادة. والرابع: إلا ليخضعوا إليَّ ويتذللَّوا، ومعنى العبادة في اللغة: الذُّلُّ والانقياد. وكُلُّ الخلْق خاضعٌ ذليل لقضاء الله عزّ وجلّ، لا يملك خروجا عمّا قضاه الله عزّ وجلّ، هذا مذهب جماعة من أهل المعاني.
قوله تعالى: ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ أي: ما أُريدُ أن يرزُقوا أنفسهم وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ أي أن يُطْعِموا أحداً من خَلْقي، لأنِّي أنا الرَّزّاق. وإنما أسند الإطعام إلى نفسه، لأن الخلق عيالُ الله، ومن أطعمَ عِيالَ أحد فقد أطعمه.

(١) الزخرف: ٨٧.
(٢) الأعراف: ١٧٩.

صفحة رقم 173

(١٣٤٥) وقد جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «يقول الله عزّ وجلّ يوم القيامة. يا ابن آدم: استطعمتُكَ فلم تُطْعِمْني»، اي: لم تُطْعِم عبدي.
فأما الرَّزَّاقُ فقرأ الضحاك، وابن محيصن: «الرّازق» بوزن «العالِم». قال الخطابي: هو المتكفِّل بالرِّزق القائمُ على كل نَفْس بما يُقيمها من قُوتها. والْمَتِينُ الشديد القُوَّة الذي لا تنقطع قُوَّته ولا يَلحقه في أفعاله مَشقَّة. وقد روى قتيبة عن الكسائي أنه قرأ: «المتينِ» بكسر النون. وكذا قرأ أبو رزين، وقتادة، وأبو العالية، والأعمش. قال الزجاج: ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ أي: ذو الاقتدار الشديد، ومن رفع «المتين» فهو صفة الله عزّ وجل، ومن خفضه جعله صفة للقُوة، لأن تأنيث القُوَّة كتأنيث المُوعظة، فهو كقوله: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ «١».
قوله تعالى: فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا يعني مشركي مكة ذَنُوباً أي: نصيباً من العذاب مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ الذين أُهلكوا، كقوم نوح وعاد وثمود. قال الفراء: الذَّنوب في كلام العرب: الدَّلْوُ العظيمة، ولكن العرب تذهب بها إلى النَّصيب والحظِّ، قال الشاعر:

لَنا ذَنُوبٌ وَلكُمْ ذَنُوبُ فإِنْ أَبَيْتُم فَلَنا الْقَلِيبُ «٢»
والذَّنوب، يُذَكَّر ويؤنَّث. وقال ابن قتيبة، أصل الذَّنوب: الدَّلو العظيمة، وكانوا يَستقون، فيكون لكل واحدٍ ذَنوبٌ، فجُعل «الذَّنوب» مكان «الحظّ والنصيب».
قوله تعالى: فَلا يَسْتَعْجِلُونِ أي: بالعذاب إن أُخِّروا إلى يوم القيامة، وهو يومهم الذي يوعدون، ويقال: هو يوم بدر.
صحيح. وهذا اللفظ جزء من حديث طويل أخرجه مسلم ٢٥٦٩.
__________
(١) البقرة: ٢٧٥.
(٢) في «القاموس» القليب: البئر.

صفحة رقم 174
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية