
وَجُمْلَةُ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الرِّيحَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ عُمُومِ أَحْوَالِ شَيْءٍ يُبَيِّنُ الْمُعَرَّفَ، أَيْ مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ فِي حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ تَدْمِيرِهَا إِلَّا فِي حَالٍ قَدْ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ.
وَالرَّمِيمُ: الْعَظْمُ الَّذِي بُلِيَ. يُقَالُ: رَمَّ الْعظم، إِذْ بَلِيَ، أَيْ جَعَلَتْهُ مُفَتَّتًا.
وَالْمَعْنَى: وَفِي عَادٍ آيَةٌ لَلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ إِذْ أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ.
وَالْمُرَادُ: أَنَّ الْآيَةَ كَائِنَةٌ فِي أَسْبَابِ إِرْسَالِ الرِّيحِ عَلَيْهِمْ وَهِيَ أَسْبَابُ تَكْذِيبِهِمْ هُودًا وَإِشْرَاكِهِمْ بِاللَّهِ وَقَالُوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً [فصلت: ١٥]، فَيَحْذَرُ مِنْ مِثْلَ مَا حَلَّ بِهِمْ أَهْلُ الْإِيمَانِ. وَأَمَّا الَّذِينَ لَا يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ فَهُمْ مُصِرُّونَ عَلَى كُفْرِهِمْ كَمَا أَصَرَّتْ عَادٌ فَيُوشِكُ أَنْ يَحُلَّ بِهِمْ مِنْ جَنْسِ مَا حلّ بعاد.
[٤٣- ٤٥]
[سُورَة الذاريات (٥١) : الْآيَات ٤٣ إِلَى ٤٥]
وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (٤٣) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٤٤) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥)
أُتْبِعَتْ قِصَّةُ عَادٍ بِقِصَّةِ ثَمُودَ لِتَقَارُنِهِمَا غَالِبًا فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ ثَمُودَ عَاصَرَتْ عَادًا وَخَلَفَتْهَا فِي عَظَمَةِ الْأُمَمِ، قَالَ تَعَالَى: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ [الْأَعْرَاف: ٧٤] وَلِاشْتِهَارِهِمَا بَيْنَ الْعَرَبِ.
وفِي ثَمُودَ عَطْفٌ عَلَى فِي عادٍ أَوْ عَلَى تَرَكْنا فِيها آيَةً.
وَالْمَعْنَى: وَتَرَكْنَا آيَةً لَلْمُؤْمِنِينَ فِي ثَمُودَ فِي حَالٍ قَدْ أَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ، أَيْ فِي دِلَالَةِ أَخْذِ الصَّاعِقَةِ إِيَّاهُمْ، عَلَى أَنَّ سَبَبَهُ هُوَ إِشْرَاكُهُمْ وَتَكْذِيبُهُمْ وَعُتُوُّهُمْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ، فَالْمُؤْمِنُونَ اعْتَبَرُوا بِتِلْكَ فَسَلَكُوا مَسْلَكَ النَّجَاةِ مِنْ عَوَاقِبِهَا، وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَإِصْرَارُهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ سَيُوقِعُهُمْ فِي عَذَابٍ مِنْ جِنْسِ مَا وَقَعَتْ فِيهِ ثَمُودُ.
وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي ذُكِرَ هُنَا هُوَ كَلَامٌ جَامِعٌ لِمَا أَنْذَرَهُمْ بِهِ صَالِحٌ رَسُولُهُمْ وَذَكَّرَهُمْ بِهِ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ: وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً [الْأَعْرَاف: ٧٤]

وَقَوْلِهِ: أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هاهُنا آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ [الشُّعَرَاء: ١٤٦- ١٤٨] وَقَوْلِهِ: هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها [هود:
٦١]. وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ أُعْطُوا مَا هُوَ مَتَاعٌ، أَيْ نَفْعٌ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنَافِعَ الدُّنْيَا
زَائِلَةٌ، فَكَانَتِ الْأَقْوَالُ الَّتِي قَالَهَا رَسُولُهُمْ تَذْكِيرًا بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ يَجْمَعُهَا تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ، عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُهُمْ قَالَ لَهُمْ هَذِهِ الْكَلِمَةَ الْجَامِعَةَ وَلَمْ تُحْكَ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَدْ عَلِمْتَ مِنَ الْمُقَدِّمَةِ السَّابِعَةِ مِنْ مُقَدِّمَاتِ هَذَا التَّفْسِيرِ أَنَّ أَخْبَارَ الْأُمَمِ تَأْتِي مُوَزَّعَةً عَلَى قَصَصِهِمْ فِي الْقُرْآنِ.
فَقَوله: تَمَتَّعُوا أَمر مُسْتَعْمَلٌ فِي إِبَاحَةِ الْمَتَاعِ. وَقَدْ جُعِلَ الْمَتَاعُ بِمَعْنَى النِّعْمَةِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ [الرَّعْد: ٢٦] قَوْلُهُ: إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ [الْأَنْبِيَاء: ١١١].
وَالْمرَاد ب حِينٍ زَمَنٌ مُبْهَمٌ، جُعِلَ نِهَايَةً لِمَا مُتِّعُوا بِهِ مِنَ النِّعَمِ فَإِنَّ نِعَمَ الدُّنْيَا زَائِلَةٌ، وَذَلِكَ الْأَجَلُ: إِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ أَجَلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الَّذِي تَنْتَهِي إِلَيْهِ حَيَاتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ أَجَلُ الْأُمَّةِ الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْهِ بَقَاؤُهَا. وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِهِ: يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى [هود: ٣] فَكَمَا قَالَه اللَّهُ لِلنَّاسِ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّهُ قَالَهُ لِثَمُودَ عَلَى لِسَانِ صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَلَيْسَ قَوْلُهُ: إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ بَمُشِيرٍ إِلَى قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ [هود: ٦٥] وَنَحْوِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِنْذَارِ وَالتَّأْيِيسِ مِنَ النَّجَاةِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا يَكُونُ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ: فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ مُنَاسِبَةٌ لِتَعْقِيبِهِ بِهِ بِالْفَاءِ لِأَن التَّرْتِيب الَّذِي تُفِيدُهُ الْفَاءُ يَقْتَضِي أَنَّ مَا بَعْدَهَا مُرَتَّبٌ فِي الْوُجُودِ عَلَى مَا قَبْلَهَا.
وَالْعُتُوُّ: الْكِبْرُ وَالشِّدَّةُ. وَضُمِّنَ «عَتَوْا» مَعْنَى: أَعرضُوا، فعدي ب (عَن)، أَيْ فَأَعْرَضُوا عَمَّا أَمَرَهُمُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَأَخْذُ الصاعقة إيَّاهُم إصابتها إِيَّاهُمْ إِصَابَةً تُشْبِهُ أَخْذَ الْعَدُّوِ عَدُوَّهُ.
وَجُمْلَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ النصب فِي فَأَخَذَتْهُمُ، أَيْ أَخَذْتُهُمْ