آيات من القرآن الكريم

وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ
ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ

أي بعد أن ذهبت رسلنا إلى قوم لوط ووقعت بينهم وبينهم محاورات لم يدع الحال إلى ذكرها هنا- أخرجوا من كان فى القرى من المؤمنين تخليصا لهم من العذاب، ولم يجدوا فيها سوى بيت واحد أسلم وجهه لله ظاهرا وباطنا، وانقاد لأوامره واجتنب نواهيه، وهو بيت لوط ابن أخى إبراهيم عليه السّلام.
عن سعيد بن جبير قال: كانوا ثلاثة عشر.
قال أبو مسلم الأصفهانى: الإسلام الاستسلام لأمر الله والانقياد لحكمه، فكل مؤمن مسلم، ومن ذلك قوله تعالى: «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا».
وقد أوضح الحديث الشريف الفرق بينهما،
فجاء فى الصحيحين وغيرهما من طرق عدة «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل عن الإسلام فقال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة، وتحج البيت، وتصوم رمضان. وسئل عن الإيمان؟ فقال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره».
(وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ) أي وجعلناها عبرة بما أنزلنا بها من العذاب والنكال وحجارة السجيل، وخسف الأرض بهم حتى صارت قريتهم بحيرة منتنة خبيثة وهى بحيرة طبرية، لتكون ذكرى لن يخشى الله ويخاف عذابه.
وفى الآية إيماء إلى أن الكفر متى غلب، والفسق إذا انتشر، لا تنفع معه عبادة المؤمنين، أما إذا كان أكثر الخلق على الطريقة المستقيمة وفيهم شرذمة يسيرة يسرقون ويفجرون، فإن الله لا يأخذ الكثرة الصالحة بذنب العدد القليل من الفاجرين.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٣٨ الى ٤٦]
وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (٤٠) وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١) ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢)
وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (٤٣) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٤٤) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٤٦)

صفحة رقم 5

تفسير المفردات
بسلطان مبين: أي بحجة واضحة هى معجزاته الظاهرة كاليد والعصا، والركن:
ما يركن إليه الشيء ويتقوّى به، والمراد هنا جنوده وأعوانه ووزراؤه كما جاء فى سورة هود «أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ»، فأخذناه: أي أخذ غضب وانتقام، نبذناهم:
أي طرحناهم، فى اليمّ: أي فى البحر، مليم: أي آت بما يلام عليه، والعقيم: أي التي لا خير فيها ولا بركة، فلا تلقح شجرا ولا تحمل مطرا، سميت عقيما لأنها أهلكتهم وقطعت دابرهم، الرميم: البالي من عظم ونبات وغير ذلك، فعتوا: أي فاستكبروا عن الامتثال، والصاعقة: نار تنزل بالاحتكاكات الكهربية، منتصرين: أي ممتنعين من عذاب الله بغيرهم ممن أهلكهم، فاسقين: أي خارجين من طاعة الله، متجاوزين حدوده.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر ما كان من قوم لوط من الفسوق والعصيان، وما أصابهم من الهلاك جزاء وفاقا لما اجترحوا من السيئات تسلية لرسوله على ما يرى من قومه- عطف على ذلك قصص جمع آخرين من الأنبياء لقوا من أقوامهم من الشدائد مثل ما لقى هذا الرسول الكريم، فحقت على أقوامهم كلمة ربهم ونزل بهم عذاب الاستئصال وصاروا

صفحة رقم 6

كأمس الدابر عبرة ومثلا للآخرين، فذكر أنه أرسل موسى إلى فرعون بشيرا ونذيرا فأبى واستكبر واعتزّ بقوته وجنده، وقال أنا ربكم الأعلى، فأغرق هو وقومه فى البحر.
وأرسل شعيبا إلى عاد فكذبوه فأهلكهم بريح صرصر عاتية. وأرسل صالحا إلى ثمود فكذبوه فأخذتهم الصاعقة ولم تبق منهم أحدا، وبعث نوحا إلى قومه فلم يستجيبوا لدعوته فأخذهم الطوفان وهم ظالمون.
الإيضاح
(وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ. فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) أي وفى قصص موسى عبرة لقوم يعقلون، إذ أرسلناه إلى فرعون بحجج ظاهرة، وآيات باهرة، فأعرض ونأى، وكذب ما جاء به، معتزا بجنده وقوته وجبروته، وقال حينا تحقيرا لشأن موسى: «إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ» وقال حينا آخر: «إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ». وما مقصده من هذا إلا صرفهم عن النظر والتأمل فيما جاء به من الآيات، خوفا على ملكه أن ينهار، وعلى دولته أن يلحقها الدمار، وإبقاء على ما له من النفوذ والسلطان فى البلاد.
ثم ذكر جزاءه هو وقومه على ما صنع فقال:
َأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ)
أي فألقينا فرعون وجنوده فى البحر وهو آت بما يلام عليه من الكفر والطغيان.
وفى هذا إيماء إلى عظمة القدرة على إذلال الجبابرة وسوء عاقبتهم، جزاء عتوهم واستكبارهم وعصيانهم أمر خالقهم.
ثم ذكر قصص عاد فقال:
(وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ، ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) أي وفى عاد آية لكل ذى لبّ، إذ أرسلنا عليهم ريحا صرصرا عاتية

صفحة رقم 7
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية