آيات من القرآن الكريم

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ
ﮨﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ ﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ ﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖ

من المفاصل للانعطاف والتثني، فإنه إذا جسا «١» شيء منها جاء العجز، وإذا استرخى أناخ الذل، فتبارك الله أحسن الخالقين.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٢٢ الى ٢٣]
وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣)
وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ هو المطر، لأنه سبب الأقوات. وعن سعيد بن جبير: هو الثلج وكل عين دائمة منه. وعن الحسن: أنه كان إذا رأى السحاب قال لأصحابه: فيه والله رزقكم، ولكنكم تحرمونه لخطاياكم وَما تُوعَدُونَ الجنة: هي على ظهر السماء السابعة تحت العرش.
أو أراد: أن ما ترزقونه في الدنيا وما توعدون به في العقبى كله مقدر مكتوب في السماء. قرئ:
مثل ما بالرفع صفة للحق، أى حق مثل نطقكم، وبالنصب على: إنه لحق حقا مثل نطقكم.
ويجوز أن يكون فتحا لإضافته إلى غير متمكن. وما مزيدة بنص الخليل، وهذا كقول الناس:
إن هذا لحق، كما أنك ترى وتسمع، ومثل ما إنك هاهنا. وهذا الضمير إشارة إلى ما ذكر من أمر الآيات والرزق وأمر النبي صلى الله عليه وسلم، أو إلى ما توعدون. وعن الأصمعى: أقبلت من جامع البصرة فطلع أعرابى على قعود له فقال: من الرجل؟ قلت: من بنى أصمع. قال:
من أين أقبلت؟ قلت: من موضع يتلى فيه كلام الرحمن. فقال: اتل علىّ، فتلوت وَالذَّارِياتِ فلما بلغت قوله تعالى: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ قال: حسبك، فقام إلى ناقته فنحرها ووزعها على من أقبل وأدبر، وعمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وولى، فلما حججت مع الرشيد طفقت أطوف، فإذا أنا بمن يهتف بى بصوت دقيق، فالتفت فإذا أنا بالأعرابى قد نحل واصفر، فسلم علىّ واستقرأ السورة، فلما بلغت الآية صاح وقال: قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، ثم قال: وهل غير هذا؟ فقرأت: فورب السماء والأرض إنه لحق، فصاح وقال: يا سبحان الله، من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف، لم يصدقوه بقوله حتى ألجأوه إلى اليمين، قالها ثلاثا وخرجت معها نفسه.
[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٢٤ الى ٣٠]
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٢٨)
فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠)

(١). قوله «إذا جسا شيء منها» في الصحاح: جست اليد وغيرها جسوا وجساء: يبست اه. (ع) [.....]

صفحة رقم 400

هَلْ أَتاكَ تفخيم للحديث وتنبيه على أنه ليس من علم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما عرفه بالوحي. والضيف للواحد والجماعة كالزور والصوم، لأنه في الأصل مصدر ضافه، وكانوا اثنى عشر ملكا. وقيل: تسعة عاشرهم جبريل. وقيل ثلاثة: جبريل، وميكائيل، وملك معهما. وجعلهم ضيفا، لأنهم كانوا في صورة الضيف: حيث أضافهم إبراهيم. أو لأنهم كانوا في حسبانه كذلك. وإكرامهم: أنّ إبراهيم خدمهم بنفسه، وأخدمهم امرأته، وعجل لهم القرى أو أنهم في أنفسهم مكرمون. قال الله تعالى بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ. إِذْ دَخَلُوا نصب بالمكرمين إذا فسر بإكرام إبراهيم لهم، وإلا فبما في ضيف من معنى الفعل. أو بإضمار اذكر سَلاماً مصدر سادّ مسدّ الفعل مستغنى به عنه. وأصله: نسلم عليكم سلام، وأمّا سَلامٌ فمعدول به إلى الرفع على الابتداء. وخبره محذوف، معناه: عليكم سلام، للدلالة على ثبات السلام، كأنه قصد أن يحييهم بأحسن مما حيوه به، أخذا بأدب الله تعالى. وهذا أيضا من إكرامه لهم.
وقرئا مرفوعين. وقرئ: سلاما قال سلما. والسلم: السلام. وقرئ: سلاما قال سلم قَوْمٌ مُنْكَرُونَ أنكرهم للسلام الذي هو علم الإسلام. أو أراد: أنهم ليسوا من معارفه أو من جنس الناس الذين عهدهم، كما لو أبصر العرب قوما من الخزر «١» أو رأى لهم حالا وشكلا خلاف حال الناس وشكلهم، أو كان هذا سؤالا لهم، كأنه قال: أنتم قوم منكرون، فعرفوني من أنتم فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فذهب إليهم في خفية من ضيوفه، ومن أدب المضيف أن يخفى أمره «٢»، وأن يباده بالقرى من غير أن يشعر به الضيف، حذرا من أن يكفه ويعذره. قال قتادة:
كان عامة مال نبى الله إبراهيم: البقر فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ. والهمزة في أَلا تَأْكُلُونَ للإنكار:
أنكر عليهم ترك الأكل. أو حثهم عليه فَأَوْجَسَ فأضمر. وإنما خافهم لأنهم لم يتحرّموا بطعامه «٣»

(١). قوله «قوما من الخزر» في الصحاح: الخزر: جيل من الناس. والأخزر: ضيق العين صغيرها، كما أفاده الصحاح. (ع)
(٢). قال محمود: «فيه إشارة لاختفائه من ضيوفه، ومن أدب المضيف أن يخفى أمره... الخ» قال أحمد:
معنى حسن، وقد نقل أبو عبيد أنه لا يقال: راغ إلا إذا ذهب على خفية. ونقل أبو عبيد في قوله عليه السلام:
«إذا كفى أحدكم خادمه حر طعامه فليقعده معه، وإلا فليروغ له لقمة» قال أبو عبيد: يقال روغ اللقمة وسغبلها وسغسغها ومرغها: إذا غمسها فرويت سمنا قلت: وهو من هذا المعنى، لأنها تذهب مغموسة في السمن حتى تخفى ومن مقلوبه: غور الأرض والجرح وسائر مقلوباته قريبة من هذا المعنى، والله أعلم.
(٣). قوله «لأنهم لم يتحرموا بطعامه» في الصحاح «الحرمة» : ما لا يحل انتهاكه، وقد تحرم بصحبته اه.
وهو يفيد أن التحرم مراعاة الحرمة، من حيث لا يحل انتهاكها. (ع)

صفحة رقم 401
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية