
حَفِيظٍ قال ابن عبّاس: هو الذي حفظ ذنوبه حتّى يرجع عنها. قتادة: حَفِيظٍ لما استودعه الله سبحانه من حقّه ونعمته. وعن ابن عبّاس أيضا: الحافظ لأمر الله. الضحّاك:
المحافظ على نفسه المتعهّد لها. عطاء: هو الذي يذكر الله في الأرض القفر. الشعبي: هو المراقب. أبو بكر الورّاق: الحافظ لأوقاته وهماته وخطواته. سهل: المحافظ على الطاعات والأوامر. مَنْ خَشِيَ في محلّ من وجهان من الإعراب: الخفض على نعت الأوّاب، والرفع على الاستئناف، وخبره في قوله ادخلوها، ومعنى الآية من خاف الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ ولم يره، وقال الضحّاك والسدّي: يعني في الخلاء حيث لا أحد، وقال الحسن: إذا أرخى الستر وأغلق الباب.
وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ مقبل إلى طاعة الله. قال أبو بكر الورّاق: علامة المنيب أن يكون عارفا لحرمته، مواليا له، متواضعا لحلاله تاركا لهوى نفسه. ادْخُلُوها أي يقال لأهل هذه الصفة: ادْخُلُوها بِسَلامٍ بسلامة من العذاب وسلام الله وملائكته عليهم، وقيل: السلامة من زوال النعيم وحلول النقم.
ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ يعني الزيادة لهم في النعم ممّا لم يخطر ببالهم، وقال جابر وأنس: هو النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى بلا كيف.
[سورة ق (٥٠) : الآيات ٣٦ الى ٤٥]
وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (٤٠)
وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٤١) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (٤٢) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (٤٤) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (٤٥)
وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ قال ابن عبّاس: أثروا.
مجاهد: ضربوا. الضحّاك: طافوا. النضر بن شميل: دوحوا. الفرّاء: خرقوا. المؤرخ:
تباعدوا. ومنه قول امرئ القيس:
لقد نقبّت في الأفاق حتّى | رضيت من الغنيمة بالإياب «١» |

على التهديد والوعيد أي طوّفوا في البلاد، وسيروا في الأرض، فانظروا هَلْ مِنْ مَحِيصٍ من الموت وأمر الله سبحانه.
إِنَّ فِي ذلِكَ أي في القرى التي أهلكت والعبر التي ذكرت لَذِكْرى التذكرة لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أي عقل، فكنّي عن العقل بالقلب لأنّه موضعه ومتبعه. قال قتادة: لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ حيّ، نظيره لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا، وقال الشبلي: قلب حاضر مع الله لا يغفل عنه طرفة عين، وقال يحيى بن معاذ: القلب قلبان: قلب قد احتشى بأشغال الدنيا حتى إذا حضر أمر من أمور الآخرة لم يدر ما يصنع من شغل قلبه بالدنيا. وقلب قد احتشى بأهوال الآخرة، حتّى إذا حضر أمر من أمور الدنيا لم يدر ما يصنع لذهاب قلبه في الآخرة. وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سألت أبا الحسن علي بن عبد الرّحمن العباد عن هذه الآية، فقال: معناها إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ مستقرّ لا يتقلّب عن الله في السراء والضراء.
أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ أي استمع القرآن، يقول العرب: ألق إليّ سمعك أي استمع، وقال الحسين بن الفضل: يعني وجه سامعه وحولها إلى الذكر كما يقال اتبعي إليه.
وَهُوَ شَهِيدٌ أي حاضر القلب، وقال قتادة: وهو شاهد على ما يقرأ ويسمع في كتاب الله سبحانه من حبّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم وذكره. وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ إعياء وتعب.
نزلت في اليهود حيث قالوا: يا محمد أخبرنا ما خلق الله تعالى من الخلق في هذه الأيّام الستّة؟
فقال صلّى الله عليه وسلّم: «خلق الله تعالى الأرض يوم الأحد والاثنين، والجبال يوم الثلاثاء والمدائن والأنهار والأقوات يوم الأربعاء، والسماوات والملائكة يوم الخميس، إلى ثلاث ساعات من يوم الجمعة وخلق في أوّل الثلاث ساعات الآجال، وفي الثانية الآفة، وفي الثالثة آدم».
قال: قالوا: صدقت إن أتممت. فقال: وما ذاك؟ فقالوا: ثمّ استراح يوم السبت واستلقى على العرش فأنزل الله سبحانه هذه الآية [٩٣] «١».
فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ فإنّ الله سبحانه لهم بالمرصاد، وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ يعني قل: سبحان الله والحمد لله. عن عطاء الخراساني، وقال الآخرون: وصلّ بأمر ربّك وتوفيقه، قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يعني صلاة الصبح، وَقَبْلَ الْغُرُوبِ صلاة العصر، وروي عن ابن عباس، وَقَبْلَ الْغُرُوبِ: يعني الظهر والعصر، وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ يعني صلاة العشاءين، وقال مجاهد: من الليل كلّه، يعني: صلاة الليل، في أي وقت صلّى، وَأَدْبارَ السُّجُودِ قال

عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبو هريرة والحسن بن علي والحسن البصري والنخعي والشعبي والأوزاعي: أَدْبارَ السُّجُودِ: الركعتان بعد المغرب، وإِدْبارَ النُّجُومِ: الركعتان قبل الفجر
، وهي رواية العوفي عن ابن عباس، وقد روي عنه مرفوعا
أخبرنيه عقيل قال: أخبرنا المعافى، قال حدثنا ابن جرير، قال: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن فضيل عن رشيد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس قال: قال لي النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يا بن عباس ركعتان بعد المغرب أدبار السجود».
وقال أنس بن مالك: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من صلّى بعد المغرب ركعتين قبل أن يتكلم كتبت صلاته في عليّين»
«١»، قال أنس: يقرأ في الركعة الأولى: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وفي الأخرى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ.
قال مقاتل: وقتهما ما لم يغب الشفق، وقال مجاهد: هو التسبيح باللسان في أدبار الصلوات المكتوبات، ورواه عن ابن عباس. وقال ابن زيد: هو النوافل أدبار المكتوبات.
واختلف القرّاء في قوله: وَأَدْبارَ، فقرأ الحسن والأعرج وخارجة وأبو عمر ويعقوب وعاصم والكسائي: بفتح الألف، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم،
وقرأ الآخرون: بالكسر، وهي قراءة عليّ وابن عباس.
وقال بعض العلماء في قوله سبحانه: قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قال: ركعتي الفجر، وَقَبْلَ الْغُرُوبِ قال: الركعتين قبل المغرب.
روى عمارة بن زاذان عن ثمامة بن عبد الله عن أنس بن مالك قال: كان ذوو الألباب من أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم يصلّون الركعتين قبل المغرب «٢».
وروى شعبة عن يزيد بن جبير عن خالد بن معدان عن رغبان مولى حبيب بن مسلمة قال:
رأيت أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم يهبّون إليها كما يهبّون إلى المكتوبة- يعني الركعتين قبل المغرب «٣».
وقال قتادة: ما أدركت أحدا يصلّي الركعتين قبل المغرب إلّا أنس وأبا برزة.
وَاسْتَمِعْ يا محمد صيحة القيامة يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ إسرافيل عليهم السّلام تأتيه العظام البالية والأوصال المتقطعة واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة: إن الله [يأمركن] أن تجتمعن بفصل القضاء. مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ صخرة بيت المقدس، وهي وسط الأرض وأقرب الأرض الى السماء بثمانية عشر ميلا، يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ وهي النفخة الأخيرة، ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ
(٢) المصنف لعبد الرزاق: ٢/ ٤٣٥ ح ٣٩٨٢.
(٣) تحفة الأحوذي: ١/ ٤٦٩.

من القبور. إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً جمع سريع، وهو نصب على الحال، مجازه: فيخرجون سراعا، ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ: بمسلط قهّار يجبرهم على الإسلام، إنما بعثت مذكّرا مجدّدا.
قال ثعلب: قد جاءت أحرف فعّال بمعنى مفعل وهي شاذة، جبّار بمعنى مجبر، ودرّاك بمعنى مدرك، وسرّاع بمعنى مسرع، وبكّاء بمعنى مبك، وعدّاء بمعنى معد، وقد قريء: وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ «١» بمعنى المرشد، وسمعت أبا منصور الجمشاذي يقول: سمعت أبا حامد الجازرنجي يقول: [العون] سيف سقّاط، بمعنى مسقط.
وقال بعضهم: الجبّار من قولهم جبرته على الأمر بمعنى أجبرته، وهي لغة كنانة وهما لغتان.
وقال الفرّاء: وضع الجبّار في موضع السلطان من الجبرية. قال: وأنشدني المفضّل:
ويوم الحزن إذ حشدت معد | وكان الناس إلا نحن دينا «٢» |
عصتنا عزمة الجبّار حتى | صبحنا الجوف ألفا معلمينا «٣» |
فَذَكِّرْ يا محمّد بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ قال ابن عباس: قالوا يا رسول الله لو خوّفتنا؟ فنزلت فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ.
(٢) الصحاح: ٥/ ٢١١٨.
(٣) تفسير الطبري: ٢٦/ ٢٣٧.