آيات من القرآن الكريم

مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ

ثم دلَّهم على قُدرته على البعث بقوله: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها بغير عمد وَزَيَّنَّاها بالكواكب وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ أي: من صُدوع وشُقوق، والزَّوج: الجنس. والبهيج:
الحَسَن، قاله أبو عبيدة. وقال ابن قتيبة: البهيج: الذي يُبْتَهَج به.
قوله تعالى: تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ قال الزجاج: أي: فَعَلنا ذلك لِنُبَصِّر ونَدُلَّ على القُدرة. والمُنيب: الذي يَرْجِع إلى الله ويفكِّر في قُدرته.
قوله تعالى: وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماء وهو المطر مُبارَكاً أي: كثير الخير، فيه حياة كل شيء فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وهي البساتين وَحَبَّ الْحَصِيدِ أراد: الحَبَّ الحَصيدَ، فأضافه إلى نفسه، كقوله:
لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ «١» وقوله: مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ «٢» فالحَبْلُ هو الوَريد، وكما يقال: صلاةُ الأُولى، يراد:
الصلاةُ الأُولى، ويقال: مسجدُ الجامع، يراد: المسجدُ الجامعُ، وإنما تضاف هذه الأشياء إلى أنفسها لاختلاف لفظ اسمها، وهذا قول الفراء، وابن قتيبة. وقال غيرهما: أراد حَبَّ النّبتِ الحَصيدِ.
وَالنَّخْلَ أي: وأنْبَتْنا النخل باسِقاتٍ و «بُسوقها» : طُولها قال ابن قتيبة: يقال: بَسقَ الشيءُ يَبْسُقُ بُسوقاً: إذا طال، والنَّضيد: المنضود بعضُه فوق بعض، وذلك قبل أن يتفتَّح، فاذا انشقَّ جُفُّ طلْعه وتفرَّق فليس بنضيدٍ. قوله تعالى: رِزْقاً لِلْعِبادِ أي: أنْبَتْنا هذه الأشياء للرِّزق وَأَحْيَيْنا بِهِ أي:
بالمطر بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ من القُبور.
ثم ذكر الأُمم المكذِّبة بما بعد هذا، وقد سبق بيانه إلى قوله: فَحَقَّ وَعِيدِ أي: وجب عليهم عذابي. أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ هذا جواب لقولهم: ذلك رَجْعٌ بَعيدٌ. والمعنى: أعَجَزْنا عن ابتداء الخَلْق، وهو الخَلْق الأَوَّل، فنعيا بالبعث وهو الخلق الثاني؟! وهذا تقرير لهم، لأنهم اعترفوا أنه الخالق وأنكروا البعث بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ أي في شَكٍّ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ وهو البعث.
[سورة ق (٥٠) : الآيات ١٦ الى ٢٢]
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠)
وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢)

(١) الواقعة: ٩٥.
(٢) ق: ١٦.

صفحة رقم 158

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ يعني ابن آدم وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ أي ما تحدِّثه به نفسه. وقال الزجاج: نعلم ما يُكِنُّه في نَفْسه. قوله تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ أي بالعِلْم مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ الحَبْل هو الوريد، وإنما أضافه إلى نفسه لِما شرحناه آنفا في قوله: «وحبّ الحصيد» «١». قال الفراء: والوريد:
عِرْقٌ بين الحُلْقوم والعِلْباوَيْن. وعنه أيضاً قال: عرق بين اللَّبَّة والعِلْباوَيْن. وقال الزجاج: الوريد: عِرْق في باطن العُنُق، وهما وريدان، والعِلْباوَان: العَصَبتان الصَّفراوان في مَتْن العُنُق، واللَّبَّتان: مَجرى القُرط في العُنُق. وقال ابن الأنباري: اللَّبَّة حيث يتذبذب القُرْط مِمّا يَقْرُبُ من شحمة الأُذن. وحكى بعض العلماء أن الوريد: عِرْقٌ متفرِّق في البدن مُخالِط لجميع الأعضاء، فلمّا كانت أبعاض الإِنسان يحجب بعضُها بعضاً، أَعْلَمَ أن عِلْمه لا يحجُبه شيءٌ. والمعنى: ونحن أقربُ إليه حين يَتلقَّى المتُلقِّيان، وهما الملَكان الموكَّلان بابن آدم يتلقيَّانِ عمله. وقوله: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ أي: يأخُذان ذلك ويُثْبِتانه عَنِ الْيَمِينِ كاتب الحسنات وَعَنِ الشِّمالِ كاتب السَّيِّئات. قال الزجاج: والمعنى: عن اليمين قَعيد، وعن الشِّمال قَعيد، فدلَّ أحدُهما على الآخر، فحذف المدلولُ عليه، قال الشاعر:

نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وأنت بما عندك رَاضٍ والرَّأْيُ مُخْتَلِفُ
وقال آخر:
رَمَانِي بِأَمْرٍ كُنْتُ مِنْهُ وَوالِدِي بَريئاً، ومِنْ أَجْلِ الطَّوِىِّ رَمَانِي «٢»
المعنى: كنتُ منه بريئاً. وقال ابن قتيبة: القَعيد بمعنى قاعد، كما يقال: «قدير» بمعنى «قادر»، ويكون القعيد بمعنى مُقاعِد، كالأكيل والشَّريب بمنزلة: المُؤاكِل والمُشارِب.
قوله تعالى: ما يَلْفِظُ يعني الانسان، أي: ما يتكلَّم من كلام فيَلْفِظُه، أي يَرميه من فمه، إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ أي: حافظ، وهو الملَك الموكَّل به، إِمّا صاحب اليمين، وإِمّا صاحب الشمال عَتِيدٌ قال الزجاج: العَتيد: الثّابِت اللاّزم. وقال غيره: العَتيد: الحاضر معه أينما كان.
(١٣٣٩) وروى أبو أمامة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «كاتب الحسنات على يمين الرّجل، وكاتب
حديث ضعيف. في إسناده جعفر بن الزبير متروك متهم، والقاسم وإن وثقه ابن معين والترمذي، فقد ضعفه ابن حيان، وقال أحمد: روى عنه علي بن زيد أعاجيب، ولا أراها إلا من قبل القاسم، وقال ابن معين بعد أن وثقه: والثقات يروون عنه الأحاديث. أي الواهية- ولا يرفعونها ثم قال: يجيء من المشايخ الضعفاء ما يدل حديثهم على ضعفه. وأخرجه الطبراني في «الكبيرة» ٧٩٧١ من طريق عبد القاهر بن شعيب، والبيهقي في «الشعب» ٧٠٤٩ من طريق مروان بن معاوية كلاهما عن جعفر بن الزبير عن القاسم بن محمد عن أبي أمامة.
وأخرجه البيهقي في «الشعب» ٧٠٥٠ والواحدي في «الوسيط» ٤/ ١٦٥- ١٦٦ من طريقين عن إسماعيل بن عيسى العطار عن المسيب بن شريك عن بشر بن نمير عن القاسم به دون صدره، وإسماعيل ضعيف ومثله القاسم. وورد بلفظ «إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ أو المسيء فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها، وإلا كتب واحدة». أخرجه البيهقي ٧٠٥١ وأبو نعيم ٦/ ١٢٤ والواحدي ٤/ ١٦٥ والطبراني ٧٧٦٥ من طريق إسماعيل بن عياش عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن عروة بن رويم عن القاسم به.
وإسناده ضعيف، وعلته القاسم، وكذا إسماعيل ضعفه غير واحد مطلقا. وضعفه بعضهم في روايته خاصة عن-
__________
(١) ق: ٩. [.....]
(٢) البيت لعمرو بن أحمر، أو للأزرق بن طرفة وهو في «الكتاب» ١/ ٣٨٠ و «اللسان» - حول.

صفحة رقم 159

السَّيِّئات على يساره، فكاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات، فإذا عمل حسنة كتبها له صاحب اليمين عشراً، وإذا عمل سيئة، وأراد صاحب الشمال أن يكتبها، قال صاحب اليمين: أَمْسِكْ، فيُمْسِك عنه سَبْعَ ساعات، فإن استغفر منها لم يُكتَب عليه شيءٌ، وإن لم يستغفر كُتِب عليه سيِّئة واحدة». وقال ابن عباس: جَعَل اللهُ على ابن آدم حافظين في الليل، وحافظين في النهار. واختلفوا هل يكتُبان جميع أفعاله وأقواله على قولين «١» : أحدهما: أنهما يكتُبان عليه كل شيء حتى أنينه في مرضه، قاله مجاهد.
والثاني: أنهما لا يكتبان إلاّ ما يؤجَر عليه أو يُوزَر، قاله عكرمة. فأمّا مجلسهما فقد نطق القرآن بأنهما عن اليمين وعن الشمال، وكذلك ذكرنا في حديث أبي أمامة.
(١٣٤٠) وقد روى عليّ كرّم الله وجهه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم قال: «إن مقعد ملَكَيك على ثنيَّتيك، ولسانُك قلمهما، وريقك مدادهما، وأنت تجري فيما لا يعنيك»، وروي عن الحسن والضحاك قالا:
مجلسهما تحت الشعر على الحنك.
قوله تعالى: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ وهي غَمرتُه وشِدَّتُه التي تَغشى الإِنسان وتَغْلِب على عقله وتدُلُّه على أنه ميت بِالْحَقِّ وفيه وجهان: أحدهما: أن معناه: جاءت بحقيقة الموت. والثاني: بالحق من أمر الآخرة، فأبانت للانسان ما لم يكن بيَّنّا له من أمر الآخرة. ذكر الوجهين الفراء، وابن جرير.
وقرأ أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه: «وجاءت سَكْرةُ الحق بالموت»، قال ابن جرير: ولهذه القراءة وجهان. أحدهما: أن يكون الحق هو الله تعالى، فيكون المعنى: وجاءت سَكْرة الله بالموت. والثاني:
أن تكون السَّكْرة هي الموت، أضيفت إلى نفسها، كقوله: إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ «٢»، فيكون المعنى:
وجاءت السَّكْرة الحَقُّ بالموت، بتقديم «الحَقّ». وقرأ ابن مسعود، وأبو عمران: «وجاءت سكرات»

غير الشاميين. قال الهيثمي في «المجمع» ١٠/ ٢٠٨: وفيه جعفر بن الزبير، وهو كذاب، ولكن ورد من وجه آخر رواه الطبراني بأسانيد رجال أحدها وثقوا! قلت: فيه القاسم كما تقدم، ولا يحتج بما ينفرد به، وتعيين ست ساعات أو سبع ساعات غريب جدا. وله شاهد من حديث أم عصمة فيه «ثلاث ساعات» وفي الإسناد سعيد بن سنان وهو متروك، أخرجه الطبراني في «الأوسط» ١٧، فهذا شاهد لا يفرح به، وهو يعارض الأول في تعيين الزمن. الخلاصة: لفظ المصنف ضعيف جدا، واللفظ المختصر عن إسماعيل بن عياش الذي أوردته ضعيف فقط، وشاهده ليس بشيء، وقد أورده الألباني في «الصحيحة» ١٢٠٩ وحسنه وليس كما قال بل الإسناد ضعيف والمتن غريب، ولا يتدين بحديث ينفرد به القاسم، وفي الطريق إليه جعفر وهو متروك أو ابن عياش، وهو غير حجة.
ضعيف جدا. أخرجه الثعلبي من رواية جميل بن الحسن عن أرطأة بن الأشعث العدوي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «مقعد مليكك... » فذكره. كذا قاله الحافظ في تخريج الكشاف ٤/ ٣٨٤ وسكت عليه. وإسناده ضعيف جدا فيه جميل بن الحسن جرحه عبدان، ووثقه ابن حبان، وفيه أرطأة بن أشعث قال عنه في «الميزان» هالك. وهاه ابن حبان. ثم ذكر الذهبي له خبرا غير هذا وقال: هو المتهم به، ثم هو منقطع بين علي ومحمد الباقر. وانظر «تفسير القرطبي» ٥٦٣١ بتخريجنا، ولله الحمد والمنة.
__________
(١) قال ابن كثير في «تفسيره» ٤/ ٢٦٣: وقد اختلف العلماء هل يكتب الملك كل شيء من الكلام؟ أو إنما يكتب ما فيه ثواب وعقاب؟ وظاهر الآية الأول، لعموم قوله: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ.
(٢) الواقعة: ٩٥.

صفحة رقم 160
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية