آيات من القرآن الكريم

أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ۖ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ

ماتوا والثاني بالنسبة للذين ظلوا أحياء في عهد النبي والثالث للزمن المقبل.
وفي كل هذه الأقوال وجاهة. ولقد انطوت الآية على رفع الحرج عن المؤمنين في زمن النبي عمّا فعلوه ولم يكن محرّما عند فعله. كما انطوت على تلقين مستمر المدى بكون المهم عند الله تعالى هو الإيمان والتصديق والاجتهاد في اتقاء حرمات الله ومحرماته واتباع أوامره واجتناب نواهيه والعمل الصالح والإحسان فيه ثم يتسامح الله عزّ وجل فيما يتناوله المؤمنون من مشروب ومطعوم بحسن نية وبغير قصد الإثم وبغير العلم بالإثم ولو كان في حقيقته فيه شبهة أو تهمة. وهذا متسق مع تلقينات القرآن العامة. ومتسق مع طبائع الأمور، ومن مرشحات الشريعة الإسلامية للخلود.
وواضح من هذا أن التسامح لا يشمل الذين يتناولون المحرمات من مطعوم ومشروب عن علم خلافا لما يقوله ويفعله بعض الفسّاق والمجّان.
ويظهر أن هذا قديم حيث رأينا الرازي يتصدى له ويفنده تفنيدا سديدا على ما جاء في تفسير رشيد رضا مسهبا مع تفنيده بدوره تفنيدا سديدا.
ومقام الآية ونصّها لا يمكن أن يتحملا ذلك. فهي في صدد الذين تناولوا ما تناولوه قبل تحريمه وهي تشترط لرفع الجناح عنهم أن يتقوا حرمات الله بعد تحريمه ويؤمنوا ويحسنوا ويعملوا الصالحات.
واستحلال ذلك بعد نزول الآيات المحرّمة كفر وتناول المحرمات مع الاعتراف بحرمتها دون استحلالها كبيرة. وكل ما يمكن أن يقال في الحالة الثانية هو أن باب التوبة مفتوح أمام المؤمن في نطاق شروطها من ندم واستغفار وعزم على عدم العودة وفي حالة الصحة. والله تعالى أعلم.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٩٤ الى ٩٦]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٩٥) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩٦)

صفحة رقم 229

(١) النعم: مرادفة للأنعام.
(٢) ذوا عدل: معروفين بالعدل والاستقامة.
(٣) السيارة: بمعنى القافلة والمسافرين.
في الآيات:
(١) تنبيه للمسلمين بأن الله قد يختبرهم فيجعل في متناول أيديهم ورماحهم شيئا من الصيد حتى يظهر فعلا المؤمن المخلص الذي يخاف الله ويؤمن به بالغيب ولو لم يره ويقف عند أوامره.
(٢) وإنذار للذين ينحرفون عند الاختبار ويتعدون حدود حرمات الله فإن لهم عنده عذابا أليما.
(٣) ونهي عن قتل الصيد في حالة الإحرام وتشريع الكفارة لمن يفعل ذلك.
وهو تقريب قربان عند الكعبة من الأنعام معادل لما قتل أو إطعام بعض مساكين أو صيام بعض أيام تعادل ذلك ليشعر بهذا قاتل الصيد أنه اقترف محظورا وكفّر عنه.
(٤) وإيذان بأن الله قد عفا عما سلف من ذلك وأن من عاد إليه فإنه يكون قد عرض نفسه لانتقام الله العزيز.
(٥) وخطاب تشريعي للمسلمين بأن الله تعالى قد أحلّ لهم صيد البحر وأكله على أن يتمتع بهذه الرخصة المسلمون على السواء المقيم منهم والمسافر وبأنه قد حرّم عليهم صيد البرّ ما داموا حرما. وموعظة لهم فعليهم بتقوى الله الذي سيحشرون إليه ويقفون بين يديه.

صفحة رقم 230

تعليق على الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ... والآيتين التاليتين لها وما فيها من أحكام وما ورد في صددها من أحاديث وشرح لمعنى الكعبة
وقد روى البغوي في سياق الآية الأولى أنها نزلت عام الحديبية وكان المسلمون محرمين فابتلاهم الله بالصيد وكانت الوحوش تغشى رحالهم بكثرة فهمّوا بأخذها فنزلت. وروى أن الآية الثانية نزلت في رجل يقال له أبو اليسر شدّ على حمار وحش وهو محرم فقتله. ولم نطلع على رواية في مناسبة حلّ صيد البحر وطعامه. وهذه الروايات لم ترد في الصحاح ولا في تفسير الطبري.
ويلحظ أن الآيات وحدة منسجمة شكلا وموضوعا. وأن فيها موضوعا لم يذكر في روايات النزول وهو حلّ صيد البحر وطعامه مما يجعلنا نرجح نزول الآيات دفعة واحدة. ولا يمنع هذا أن يكون وقع ما ذكرته الروايات فكان ذلك مناسبة لنزول الفصل ليكون تشريعا تاما في موضوع الصيد في حالة الحرم.
وقد لا تبدو صلة ظرفية بين هذا الفصل والآيات السابقة له. ولكن التناسب الموضوعي ملموح لأنه فصل تشريعي كسابقه وفيه تشريع فيما يؤول إلى الأكل وقصده وهو الصيد. والمتبادر أن وضعه في مكانه بسبب ذلك إن لم يكن قد نزل بعد الآيات السابقة مباشرة.
ومع أننا لم نطلع على ما يفيد أن صيد البحر كان محظورا أو غير محظور في حالة الحرم قبل الإسلام فالذي نرجحه من مدى ومفهوم التقليد القديم في حظر الصيد المنبثق من حظر سفك الدم في حالة الإحرام أنه كان محظورا فاقتضت حكمة التنزيل إباحته ليكون ذلك تسهيلا للمسلمين عامة وللذين يأتون من المسافات البعيدة ويكون البحر طريقهم أو على طريقهم. وهذا يؤدي إلى القول أن المقصود من الجملة القرآنية إباحة صيد البحر وأكله في حالة الحرم كما هو المتبادر.

صفحة رقم 231

ولقد شرحنا مدى جملة وَأَنْتُمْ حُرُمٌ في سياق تفسير الآية الأولى من السورة. فلا نرى ضرورة للإعادة والزيادة.
ولقد أورد المفسرون بعض الأحاديث النبوية والأقوال المعزوة إلى بعض أصحاب رسول الله وتابعيهم في مدى ما ينطوي في الآيات من أحكام نوجزها ونعلق عليها فيما يلي «١» :
١- هناك من قال إن الكفارة إنما تجب على الذين يقتلون الصيد عمدا وهم ناسون أنهم في حالة الإحرام. فإذا لم يكونوا ناسين فلا يحكم عليهم بكفارة لأن ذنبهم أعظم من أن يكفر ويكونون موضع انتقام الله. وينحلّ إحرامهم ويبطل حجهم. وصرف القائلون جملة عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ إلى ما قبل نزول الآيات.
وهناك من قال إن الكفارة تصحّ لمن يقتل الصيد لأول مرة عمدا في حالة الإحرام ولو كان ذاكرا أنه في هذه الحالة. فمن كرر العمل فيغدو ذنبه أعظم من أن تكفره كفارة فلا يحكم عليه ويكون موضع انتقام الله. واتفقوا مع القول الأول بصرف العفو عما سلف إلى ما قبل نزول الآيات وقالوا إن الكفارة لا تسقط ما أنذر الله به من العذاب في الآية الأولى لأنه خالفها. ونبهوا على أن على المحكّمين أن يسألا الذي يحكّمهما إن كان قتل صيدا عمدا قبل ذلك فإن قال نعم ردّاه ولم يحكما وإن قال لا حكما. وقد صوّب الطبري القول الثاني. وهو تصويب في محله إلّا في أمر عدم سقوط ذنب الذي يقتل الصيد لأول مرة بالكفارة. فالكفارة ليست تعويضا لصاحب حقّ وإنما هي بمثابة توبة لله. والله يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات كما جاء في آية سورة الشورى [٢٥] وهناك ذنوب أعظم تسقط بالتوبة فضلا عن الكفارة على ما مرّ شرحه في سياق الآيات [٣٣- ٣٤] من هذه السورة وفي سياق بحث التوبة في سياق سورة الفرقان.
٢- هناك من قال إن (أو) هي للتخيير. فالحكمان العدلان يحكمان بما يعادل الصيد طعاما أو صياما أو هديا. والصائد يختار إحدى هذه الثلاث للتكفير.

(١) انظر الطبري والبغوي وابن كثير والخازن. والطبري كعادته أكثرهم استيعابا وإسهابا.

صفحة رقم 232

وهناك من قال إنها للترتيب فيجب الهدي أولا فإن لم يمكن فالطعام فإن لم يمكن فالصيام. والنظم القرآني يتحمل كلا القولين. وإن كنّا نميل إلى القول إن على الميسور أن يقدم هديا إن وجد وقدر عليه وإلا فيطعم المساكين وإن لم يقدر فليصم وقد نبهوا على أن الهدي يذبح عند الكعبة. ويوزع لحمه على المساكين.
٣- وقد بينوا الحدود التي يحسن أن يحكم الحكمان في نطاقها. فمن قتل حمار وحش أو بقرة وحش أو وعلا فعليه هدي بقرة أو إطعام عشرة مساكين أو صيام عشرة أيام. ومن قتل غزالا أو أرنبا أو ضبّا أو يربوعا فعليه شاة أو إطعام ستة مساكين أو صيام ستة أيام. ومن قتل دون ذلك كعصفور أو سمان أو حمامة فلا يحكم عليه بهدي لأنه ليس في الأنعام ما يعادل ذلك وإن كان يستحب أن يقرب سخلة أو شاة. ويحكم عليه بطعام ثلاثة مساكين أو صيام ثلاثة أيام. والطعام قوت يوم كامل نصف صاع أو مدّ من برّ أو تمر أو أكل جاهز.
٤- ومما قالوه إن الصيد يقوّم بدراهم وهو حي ويشترى مما ندّ له من النعم إذا كان القاتل قادرا ولم يكن يملك ندا. وإن لم يجد ندا فيشترى بها حنطة أو تمر أو طعام ويوزع على المساكين. فإن لم يجد فيصوم مقابل ذلك أياما. وهناك من قال إن صيام يوم يقابل ما قيمته نصف صاع أو مدّ. وهناك من قال إن مقابل صيام اليوم ما قيمته صاع أو مدّ. والاختلاف في عدد الأصوع والأمداد هو بسبب اختلاف روايات مروية عن النبي ﷺ لم ترو في الصحاح. ومهما يكن من أمر فالمبدأ الذي احتوته هذه الفقرة وهو تقويم الصيد بثمنه وهو حيّ وشراء ندّ له وتقريبه وإطعامه للمساكين إذا أمكن وشراء طعام أو حنطة أو تمر بالثمن وتوزيعه على المساكين إذا كان القاتل قادرا وصيام أيام عن كل ما قيمته صاع أو مدّ أو نصف صاع أو نصف مدّ يصحّ أن يكون مبدأ عاما يطبق في كل ظرف. والله أعلم.
٥- وقد نبهوا على أن النهي هو في صدد ما يؤكل من الحيوان. وأباحوا قتل المؤذي منه في حالة الحرم استنادا إلى أحاديث مروية عن النبي ﷺ روى واحدا منها الخمسة عن النبي جاء فيه «خمس من الدوابّ لا حرج على من قتلهنّ الغراب

صفحة رقم 233

والحدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور». وفي رواية «خمس فواسق يقتلن في الحلّ والحرم الحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحدأة» «١» ولقد ألحق الفقهاء الوحوش الضارّة والحيوانات الضارة الأخرى قياسا على هذه الأحاديث.
وهو وجيه.
٦- وقد نبهوا إلى جواز أكل صيد البرّ للمحرم إذا لم يصده الآكل أو يصد له. استنادا إلى حديث رواه الإمام الشافعي عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله ﷺ يقول «صيد البرّ لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم» «٢» ولقد روى الخمسة عن ابن عباس قال «أهدى الصعب بن جثّامة إلى النبي ﷺ حمار وحش وهو محرم فردّه عليه وقال لولا أنّا محرمون لقبلناه منك وفي رواية أهدي له عضو من لحم صيد فردّه وقال إنّا لا نأكله. إنّا حرم» «٣» وقد فسّر المفسرون هذا الحديث بأن رسول الله ﷺ ظنّ أن هذا الصيد قد صيد له ليزيلوا التناقض بينه وبين الحديث السابق. وأوردوا بسبيل ذلك حديثا جاء فيه «إن عثمان بن عفان نزل مع ركب بالروحاء فقرّب إليهم طير وهم محرمون فقال لهم عثمان كلوا فإني غير آكله.
فقال له عمرو بن العاص وكان معه أتأمرنا بما لست آكلا. فقال لولا أني أظنّ أنه صيد من أجلي لأكلت فأكل القوم»
«٤». وهناك حديث مؤيد لذلك رواه البخاري والنسائي عن أبي قتادة «أنه أصاب حمارا وحشيا وهو حلال فأتى به أصحابه وهم محرمون فأكلوا منه فقال بعضهم لو سألنا النبي ﷺ عنه فسألناه فقال لقد أحسنتم.
هل معكم منه شيء قلنا نعم. قال فأهدوا لنا فأتيناه منه فأكل منه وهو محرم»
«٥».
٧- ونبهوا كذلك إلى أن صيد البحر وطعامه مباح للمحرم وغير المحرم.
وسواء أخرج من الماء حيا أم ميتا. وكذلك ما قذفه البحر إلى الساحل. وما يقدد

(١) التاج ج ٢ ص ١٠٧.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) المصدر نفسه ص ١٠٦.
(٤) تفسير الطبري.
(٥) التاج ج ٣ ص ٨٣.

صفحة رقم 234
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية