آيات من القرآن الكريم

إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ
ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ

فى الرهبانية والاحتراز التام عن الذات والطيبات مما يوقع الضعف فى الأعضاء الرئيسة التي هى القلب والدماغ وإذا وقع الضعف فيها اختلت الفكرة وباختلالها تفوت عنها الكمالات المتعلقة بالقوة النظرية رأسا وينتقص كمالاتها المتعلقة بالقوة العملية فان تمامها وكمالها يبنى على كمال القوة النظرية. وايضا الرهبانية التامة توجب خرابية الدنيا وانقطاع الحرث والنسل فلما كانت عمارة الدنيا والآخرة منوطة بترك تلك الرهبانية والمواظبة على المعرفة والمحبة والطاعة اقتضت الحكمة ان لا يحرم الإنسان ما طاب ولذ مما أحل الله كما نطقت الآية به. ولكن اشارة الآية ايضا الى الاعتدال كما قال وَلا تَعْتَدُوا فالاعتدال فى التناول وكذا فى الرياضة ممدوح جدا ولذا ترى المرشد الكامل يأمر فى ابتداء امره بترك اللحم والدسم والجماع وغيرها ولكن على الاعتدال بحسب مزاجه فان للرياضات تأثيرا عظيما فى إصلاح الطبيعة وهو امر مهم فى باب السلوك جدا فلا متمسك لارباب الظاهر فى ترك الرياضة مطلقا وقد أشار النبي عليه الصلاة والسلام فى وصاياه لعثمان بن مظعون الى جملة من الأمر فافهم وارشد الى طريق الصواب ولا تفريط ولا افراط فى كل باب لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ اليمين تقوية أحد الطرفين بالمقسم به واللغو فى اليمين الساقط الذي لا يتعلق به حكم وهو عند الامام الأعظم ان يخلف على شىء يظن انه كذلك وليس كما يظن مثل ان يرى الشيء من بعيد فيظن انه كذا فيقول والله انه كذا فاذا هو بخلافه فلا مؤاخذة فى هذا اليمين بإثم ولا كفارة واما الغموس وهى حلفه على امر ماض او حال كذبا عمدا مثل قوله والله لقد فعلت كذا وهو لم يفعله وعكسه ومثل والله ما لهذا على دين وهو يعلم ان له عليه دينا فحكمها الإثم لانها كبيرة قال عليه السلام (من حلف كاذبا ادخله الله النار ولا كفارة فيها الا التوبة) قوله فى ايمانكم صلة يؤاخذكم كما ان باللغو صلة له اى لا يؤاخذكم فى حق ايمانكم بسبب ما كان لغوا منها بان لا يتعلق بها حكم دنيوى ولا اخروى وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ اى بتقيدكم الايمان وتوثيقا بالقصد والنية والمعنى ولكن يؤاخذكم بما عقدتموها إذا حنثتم او بنكث اى نقض ما عقدتم فحذف للعلم به وهذا اليمين هى اليمين المنعقدة وهى الحلف على فعل امر او تركه فى المستقبل فَكَفَّارَتُهُ اى الفعلة التي تذهب إثمه وتستره وعند الامام لا يجوز التكفير قبل الحنث لقوله عليه السلام (من حلف على يمين ورأى غيرها خيرا فليأت بالذي هو خير ثم ليكفر عن يمينه) إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ محل من اوسط النصب لانه صفة مفعول محذوف تقديره ان تطعموا عشرة مساكين طعاما كائنا من اوسط ما تطعمون من فى عيالكم من الزوجة والأولاد والخدم اى من اقصده فى النوع او المقدار وهو نصف صاع من بر لكل مسكين كالفطرة ولو اطعم فقيرا واحدا عشرة ايام اجزأه ولو أعطاه دفعة لا يجوز الا عن يوم واحد أَوْ كِسْوَتُهُمْ عطف على اطعام فيكسو كل واحد من العشرة ثوبا يستر عامة بدنه وهو الصحيح ولا يجزئ السراويل لان لابسه يسمى عريانا عرفا أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ اى او اعتاق انسان كيف ما كان مؤمنا كان او كافرا ذكرا او أنثى صغيرا او كبيرا ولا يجوز الأعمى والأصم الذي

صفحة رقم 433

لا يسمع أصلا والأخرس لفوات جنس المنفعة ومقطوع اليدين او إبهاميهما او الرجلين أو يد ورجل من جانب واحد ومجنون مطبق لان الانتفاع ليس الا بالعقل ومدبر وأم ولد لاستحقاقهما الحرية بجهة فكان الرق فيهما ناقصا ومكاتب ادى بعضا لانه تحرير بعوض فيكون تجارة والكفارة عبادة فلا بد ان تكون خالصة لله تعالى وكذا لا يجوز معتق بعضه لانه ليس برقبة كاملة. ومعنى او فى الآية إيجاب احدى الخصال الثلاث مطلقا وخيار التعيين للمكلف اى لا يجب عليه الإتيان بكل واحد من هذه الأمور الثلاثة ولا يجوز له تركها جميعا ومتى اتى بواحدة منها فانه يخرج عن العهدة فاذا اجتمعت هذه القيود الثلاثة فذاك هو الواجب المخير فَمَنْ لَمْ يَجِدْ اى شيأ من الأمور المذكورة فَصِيامُ اى فكفارته صيام ثَلاثَةِ أَيَّامٍ متتابعات عند الامام الأعظم ذلِكَ اى الذي ذكرت لكم
وأمرتكم به كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وحنثتم وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ بان تضنوا بها ولا تبذلوها لكل امر وبان تبروا فيها ما استطعتم ولم يفت بها خير فان عجز عن البرّ او رأى غير المحلوف عليه خيرا منه فله حينئذ ان يحنث ويكفر كما قال الفقهاء من اليمين المنعقدة ما يجب فيه البر كفعل الفرائض وترك المعاصي لان ذلك فرض عليه فيتأكد باليمين. ومنها ما يجب فيه الحنث كفعل المعاصي وترك الواجبات وفى الحديث (من حلف ان يطيع الله فليطعه ومن حلف ان يعصيه فلا يعصه). ومنها ما يفضل فيه الحنث كهجران المسلم ونحوه وما عدا هذه الاقسام الثلاثة من الايمان التي يستوى فيها الحنث والبر يفضل فيه البر حفظا لليمين ولا فرق فى وجوب الكفارة بين العامد والناسي والمكره فى الحلف والحنث لقوله عليه السلام (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق واليمين كَذلِكَ اشارة الى مصدر الفعل الآتي لا الى تبيين آخر مفهوم مما سبق والكاف مقحمة لتأكيد ما أفاده اسم الاشارة من الفحامة ومحله فى الأصل النصب على انه نعت لمصدر محذوف واصل التقدير يبين الله تبيينا كائنا مثل ذلك التبيين فقدم على الفعل لافادة القصر واعتبرت الكاف مقحمة للنكتة المذكورة اى مثل ذلك البيان البديع يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ اعلام شريعته وأحكامه لا بيانا ادنى منه لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ نعمته فيما يعلمكم ويسهل عليكم المخرج. والاشارة ان من عقد اليمين على الهجران من الله تعالى فكفارته إطعامه عشرة مساكين وهم الحواس الخمس الظاهرة والخمس الباطنة فانها مدخل الآفات وموئل الفترات مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ وهم القلب والروح والسر والخفي وطعامهم الشوق والمحبة والصدق والإخلاص والتفويض والتسليم والرضى والانس والهيبة والشهود والكشوف وأوسطه الذكر والتذكر والفكر والتفكر والتشوق والتوكل والتعبد والخوف والرجاء فاطعام الحواس الظاهرة والقوى الباطنة هذه الاطعمة باستعمالها فى التعبد بها والتحفظ عما ينافيها او كسوتهم وهى إلباس الحواس والقوى بلباس التقوى او تحرير رقبة النفس عن عبودية الهوى والحرص على الدنيا فمن لم يجد السبيل الى هذه الأشياء فصيام ثلاثة ايام وذلك لان الأيام لا تخلوا عن ثلاثة اما يوم مضى او يوم حضر او يوم قد بقي فصيام اليوم الذي قد مضى بالإمساك عما عقد عليه او قصد اليه او بالصبر على التوبة

صفحة رقم 434

عنه وصيام الذي قد حضر بالإمساك عن التغافل عن الأهم وبالصبر على الجد والاجتهاد ببذل الجهد فى طلب المراد وصيام اليوم الذي قد بقي بالإمساك عن فسخ العزيمة فى ترك الجريمة ونسخ الإخلاص فى طلب الخلاص وبالصبر على قدم الثبات فى تقديم الطاعات والمبرات وصدق التوجه الى حضرة الربوبية بمساعى العبودية

مكن وقت ضايع بافسوس وحيف كه فرصت عزيزست والوقت سيف
قال ابن الفارض قدس سره
وكن صارما كالوقت فالمقت فى عيسى وإياك علّ فهى اخطر علة
وفى المثنوى
اى كه صبرت نيست از دنياى دون چونت صبرست از خداى دوست چون
چونكه بي اين شرب كم دارى سكون چون ز ابرارى خدا وز يشرون
اعلم ان الطالب الصادق عند غلبات الشوق ووجدان الذوق يقسم عليه بجماله وجلاله ان يرزقه شظية من إقباله ووصاله وذلك فى شريعة الرضى لغو وفى مذهب التسليم سهو فيعفو عنه رحمة عليه لضعف حاله ولا يؤاخذه بمقاله وان الاولى الذوبان والجمود بحسن الرضى بحسب جريان احكام المولى فى القبول والرد والإقبال والصدّ إيثار الاستقامة فى أداء حقوقه على الكرامة وعلى لذة تقريبه وإقباله وشهوده ووصوله ووصاله كما قال قائلهم
أريد وصاله ويريد هجرى فاترك ما أريد لما يريد
كذا فى التأويلات النجمية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ هذه هى الآية الرابعة من الآيات الأربع التي نزلت فى الخمر وقد سبق التفصيل فى سورة البقرة ويدخل فى الخمر كل مسكر وَالْمَيْسِرُ اى القمار كله فيدخل فيه النرد والشطرنج والاربعة عشر والكعب والبيضة وغير ذلك مما يقامرون به وَالْأَنْصابُ اى الأصنام المنصوبة للعبادة واحدها نصب بفتح النون وسكون الصاد وَالْأَزْلامُ هى سهام مكتوب على بعضها أمرني ربى وعلى بعضها نهانى ربى يطلبون بها علم ما قسم من الخير والشر قال المفسرون كان اهل الجاهلية إذا اراده أحدهم سفرا او غزوا او تجارة او غير ذلك طلب علم انه خير او شر من الأزلام وهى قداح كانت فى الكعبة عند سدنة البيت على بعضها أمرني ربى وعلى بعضها نهانى ربى وبعضها غفل لا كتابة عليها ولا علامة فان خرج السهم الآمر مضوا على ذلك وان خرج الناهي يجتنبون عنه وان خرج الغفل اجالوها ثانيا فمعنى الاستسقام بالأزلام طلب معرفة ما قسم لهم دون ما لم يقسم لهم وهى جمع زلم رِجْسٌ قذر يعاف عند العقول اى تكرهه وتنفر منه العقول السليمة. والرجس بمعنى النجس الا ان النجس يقال فى المستقذر طبعا والرجس اكثر ما يقال فى المستقذر عقلا وسميت هذه المعاصي رجسا لوجوب اجتنابها كما يجب اجتناب الشيء المستقذر مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ صفة لرجس اى رجس كائن من عمله اى من تزيينه لانه هو الداعي اليه والمرغب فيه والمزين له فى قلوب فاعليه فَاجْتَنِبُوهُ اى الرجس لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ اى راجين فلا حكم امر بالاجتناب وهو تركه جانبا وظاهر الأمر على الوجوب إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
وهو

صفحة رقم 435
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية